السبت، 22 مايو 2021

قراءة في قصيدة " وغلّقوا الأبواب " للشاعرة التونسية منيه جلال بقلم الناقد هاشم حليل عبدالغني

قراءة في قصيدة " وغلّقوا الأبواب "
للشاعرة التونسية منيه جلال
هاشم حليل عبدالغني
ابتداءً لا نستغرب من شاعرة تونسية تفاعلها واندماجها وتوحــدها مع القضية الفلسطينية ، فـالروابط بين فـلسطين وتونس مــن فـجر التاريخ للان ، لا يمكن تـعدادها في مــقال واحد، فكلاهما فلسطين وتونس عرف الاستعمار الاستيطاني البريطـاني والفرنسي، أي أن كـلا الشعبين الشقيقين تعرض للإرهــاب بشتى صــوره واشكــاله ، ومحاولة القضاء على مقــومات وجوده ، مــن لغة ودين وحـــضارة ، ومحوه مــن الوجود ، وهذا ما يفسر اهتمام الشعراء التونسيين بنكبة فلسطين ومنهم الشاعرة الشابة( منيه جلال ) .
تبدأ الشاعرة قصيدتها بالإشارة للموقف العربي المخجل مــن القـضية الفلسطينية وتحديدا القدس ، وما حدث في حي الشيـخ جــراح ، مــن تهديد عــائلات فـلسطينية بالإجلاء من مساكنها لصالح مجموعة من المستوطنين .
كما اسهـمت الشاعـرة (بطـاقة روحية ودينية في تعـظيم قــيم المقاومة )، مخــاطبة فــي نصها ضمائر العرب، وبينت لهم انكشاف الزيف الصهيوني، وعرت لـهم طبيعة الصهاينة الذين لا يفقهون الا لغة الرصاص .
لقد حشدت الشاعرة في هذه القصيدة صورا كثيرة, الهدف منـها التحـريض والتحـفيز عـلى قـتال الصــهاينة المغتصبين الذين اعتدوا على فلسطين ظلما وعدوانا ،وتتساءل الشاعرة في ألم وحسرة وتحٍدٍ ، لماذا اغلقتم ابواب الجــهاد ؟ واقتصر دوركم عــلى مـجرد بيانات شجـب ، واجتماعات لـرفع العتب فقط !!
وبصوت يغلفه فقدان الثقة وخيبة الامل تجاه ردة الفعل العربيــة، على التصعـيد الصهـيوني في القــدس وفي عــدة مناطـــق فلسطينية أخرى ، تقــول الشاعرة: ( هــي الـقدس يا عرب ) وتتساءل باستهجان ،الا ترتبط الـقدس عقديا في نفــوسكم ؟! أليس المسجــد الأقـصى اولـى القبلـتين ،وثالـث الـحــرمين ، ومسرى الـرسـول ( ص ) فيها حــائط الــبراق والقداسة ، ومهــد المسيح وكل القيم ،بكم تستغيث الـــقدس لماذا لم تلبوا نداءها ؟!
تبين الشاعــرة بكـلمات تنبض بهـدير التوجع والتأوهات كــلمات تحمل في طياتها نبرة الحزن والألم ، كلمات تكاد أن تبتــلع آهــات فلسطـين المـمزوجة بحسرات الأقصى، كلمات هــادرة تــنعى عــلى المتخـاذلين تخــاذلهم، وتذكرهم لأقدس المـقدسات وتصـرخ فــي وجـوهـهم .. أليست القـدس هــي الأرض الــتي أختارهــا الــله وفضلــها عــلى بقــاع الأرض طــهرها وبارك حولها ، و بذر في ارضها المحبة الإنسانية ورفع من قدرها ، وجعلها مرفوعة الجبين.
وغلّقوا الأبواب
هي القدسُ ايّها العرب
زرعتها الآلهة نجمة ضوئيّة
على جبين الأرض
نذرتها لمدارات القطوف
على شفتيها
ينبُتُ زهر اللوتس والأرجوان
تُسكَبُ قطراته في الفم
كَطَلٍّ على جُلّنار
على معصمها
يورق الزعتر والزيتون
بين أناملها يُرفرفُ الحمام
تشير الشاعرة بــوضوح وفــهم ديني عــميق لمكانــة القــدس ،مـــذكرة بأن القدس مقـدسة بذاتها ، قدسها الله في ســورة الإسراء ،وقـدسها لأنها ارض الأنبياء ، ولأنها حوت العديد من اجسادهم ،وهـي مقدسة لأنها اقـترنت بالعديد مــن المعــارك والمــواجهات البطــولية وسقط على ترابها الطاهر الكثير من الشهداء ... واليوم والأمس القريب والبعــيد يشهد على ذلك .
لهذه المكانة الدينية يؤمّمها الناس للعبادة والتقرب لله والعـصاة والجنــاة طلبا للتوبة وطمعا برحمة الله ، ويؤمّمها المحبين الــعشاق طمعــا برحمة الله أن يقرب بينهم ويؤلف بين قلوبهم ويحقق احلامهم وأمانيهم .
على جسدها
الدّيباجيّ القُدسيِّ
يُرتّل العابدون آيات الأسحار
يجد العصاة والجناة
ما يكفيهم من التّوبة..
خرائط العشاق
بوصلات الهواة
وحكايات صبايا
يرسمون أحلامهم كما العذارى..
تعــود الشاعرة منيه جلال لتطلق بحرقة صرخة عربية فــلسطينية ،عــــقب اعــتداء قوات الاحتلال الصهيوني على جـــموع الـــمصلــين الفـــلسطينيين فـــي الـــمسجد الاقصى والمعتكفين بداخله ... القدس تصرخ ، أين أنتم يا عـرب ؟؟ وأنتم نائمون مغيبون !! وتتقاتلـون فيما بينكم ، فـي الوقــت الذي زاد فيه زاد صراخ القدس أم المفاخر والإباء والشرف ألا تدرون ان القدس تذبح في اليــوم آلاف المرات ، الـقدس التي اصطفاها الله بلدا للمحبة والاخاء والتعايش، وتــتساءل الشاعرة لماذا لم تبادروا وتتهيؤوا لتحرير ارضكم المقدسة؟ أم أنكم خنتم القدس وغدرتم بها ولم تحافظوا العهد وتخليتم عن واجب الحفاظ على الوطن والمقدسات.
تشعر منية جلال بالألم والتوجع لأن العرب فقدوا نخوتهم وكبرياءهم وحمـاسهم ومروءتهم ، بتخليهم عن مسؤوليتكم تجاه القدس ، ظلمتم انفسكم وأسأتم اليها .
هلاّ سألتم عن أنثاكم
أيها العرب؟؟؟
هلاّ سألتم
عن أنثى الحسب والنّسب؟؟؟
أما علمتم
انّهم غلّقوا الأبواب
على المصطفاة
وقالوا " هِيتَ لك"
أم انكم خنتم
كما خانوا عهدة السماء!
آه وأوّاه على نخوتكم
ركبتم صهوة الظلمة والظلام
بعتم القدس
الأنثى المصطفاة
وتتحدث الشاعرة عن أثر تخلي العرب عن المقدسين وتنازلهم عن حقهم في القدس ، وعن المآسي التي خلفــها العدوان الصهيوني ... ترتب على ذلك أن عم الهلاك وغـــدا الدمــار سيد الموقف و رائحة الموت تلازم المرء فـــي كـــل شارع وزقاق، مترافقة مع صوت التوجع والتأوه ألماً ، مــن الثــكــالى المفجـــوعات اللـــواتي فــقـدن اولادهن واحبابهن والممزوجة بدموع الزعتر والزيتون .
لا لون إلاّ لون الأكفان
لا رائحة إلاّ رائحة الموت
لا مراكب إلاّ مراكب الدّماء
مسروجة بأنين الثكالى
بدموع الزعتر والزيتون
لقد حشدت الشاعرة في نصها المميز أهدافا ثورية ،غايتها التحريض والتحفيز عـــلى قتال الصهاينة .. الـــذين احـتلــوا فلسطين ظلما وعدوانا ، فتقول مخاطبة العرب :
لا مكــان يشبه مآذن القدس ولا كنائس تشبه كنائسها ، لأنها ارض الطهـــر والقــداسة ، .. "إنها أرض المحشر والمنشر مسرى النبي الكريم وطريق آلام يسوع المسيح.. إليها تهفو العيـــون وترنو القلوب للصلاة بين أعمدة الكنائس، وأروقة الـــمساجــد التي تتـــحدّث كــلها عن عظمة من عبد وروعة المعبود " .
بعد أن بينت الشاعرة مكانة القدس لدى العرب والمسلمين تشير لــجرائم المحتل الصهيوني، الذي يعــمل عــلى تهــويد المدينة والعبث بها وتغيير معالمها الجغرافية والتاريخية .
تحمل الشاعرة بعنف على الحكام الخانعين المتآمرين في المنطقة ، فهم من بـاع فلسطين ، وهم شركاء في كل جــرائم الصهاينة ،باكتفائهم بالشجب والاستنكار والتنديد .
لا مآذن تشبه مآذنها
لا كنائس تشبه كنائسها
لا مرفأ...
لا مداد...
لا وجه يعلو
وجه القنابل..
القلاّبات والجرّافات
لا صوت يفوق
صوت الخانعين
المتآمرين..
مؤتمرات.. بيانات
شيكات وصفقات
وتشير الشاعرة إلى أن كثيراً من حكومات المنطـــقة يقومون منذ اعوام طويلة متلهفين بتقبيل ايادي الصهاينـــة الظــالمين الملطخة ايديهم بـالدماء ويغرسون مخالبهم فــي وجوه ابــناء الشعــب الفــلسطيني المضطهد الذي يعاني .
وتختتم الشاعرة العروبية( منيه جلال ) قصيدتها، بهجوم عنيف على الحكام المتخاذلين الأذلاء ،الذين يتلهــفون لتقبيل ايدي الصهاينة ، الملطــخة ايديهم بالدماء ، دماء ابنا الشعب الفلسطيني المضطــهد والمظــلوم .
بعد هذا التوصيف لواقع الشعب الفلسطيني ، تـوجه الشاعرة حديثها للحكام العرب ، يا أهــل الذل ، لماذا لم تتخلصــوا من ذلكم وحقارتكم ؟ لقــد اصبح من الضرورة والواجب تلقيحكم بحقن الرجولة والشهامة ، بحقنة دواء ضد امــراض الخيانة والاستســلام علـــكم تقومون بواجــب المواطنة والاخــلاص للوطن، وتتخلصون من الانبطاح للصهاينة ، عل هذه الحقنة تثير فيكم الرجولة،وتحررون هذه الأرض التي بارك الله فيها وحولها .
يا أهل الذلّ
لِمَ لا تستبدلوا المهانة؟
لِمَ لا تُحْقِنوا الخيانة في عروقكم
بِحُقَنٍ آدَميّةٍ
إنسانية...
علّها تُورِقُ شَرَفا
علّها تُزهِرُ عزّة
علّها تُنبِتُ نخوة...
علّها... علّها....
علّها تَفُكُّ أسرى
الأنثى المصطفاة...
وختاما .. عالجت الشاعرة في قصيدتها ، عدة قضايا مــن ابرزها مكانة القدس الدينية عند المسلمين والمسيحين واعـــتبرت تحــرير فــلسطين مسؤولية العرب جميعا! ، وأن تحريرها لا يكون الا بالقوة ، فالعدو لا يفقه الا لغة الرصاص وأشارت إلى انبطاح الحكام العرب وتفريطهم بفلسطين ، كما طالبتهم بتغير مواقفهم ، وحثتهم على تحرير فلسطين .
من السمات العامة للقصيدة وضوح معانيها وسهولة فهمها ، وقربها من نفسية ومشاعر المتلقي ، كما تمتاز بقوة الألفاظ ، و تخلوا من التعقيد والوعورة ........
شكرا للصديقة الشاعرة منيه جلال ،على حسها الوطني والاخلاقي العالي، وكل التمنيات لها بالمزيد من العطاء والإبداع المتجدد والحضور الأدبي الألق .
\

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق