الأربعاء، 20 نوفمبر 2024

للصمت بقية.. بقلم الكاتب //عبدالله النجار

 في حديقة عامة، الهواء عليل، وأوراق الشجر تتساقط بهدوء.. يجلس رجل وامرأة على مقعد خشبي، وبينهما مسافة قصيرة تكاد تكون غير مرئية.

الرجل: (يتأمل السماء) الجو اليوم جميل، أليس كذلك؟ يجعلني أفكر أن بعض الأشياء في الحياة تستحق التوقف والتأمل.
المرأة: (تبتسم بخجل) نعم، أحيانا يكفي أن نتأمل شيئا بسيطا لنشعر بالسلام. مثل هذه اللحظات... النادرة.
الرجل: (ينظر إليها جانبا) صحيح... نادرة. وأحيانا نفكر، هل يمكن أن تكون مثل هذه اللحظات دائمة؟ أم أنها مجرد... استراحة قصيرة من الفوضى؟
المرأة: (تتظاهر بالنظر إلى الشجر) ربما لا يجب أن تكون دائمة. لو أصبحت دائمة، قد نفقد قيمتها.
الرجل: (يبتسم بحزن) كلامك منطقي. لكن أحيانا... يتمنى الإنسان أن يحتفظ بشيء جميل إلى الأبد.
المرأة: (بهدوء) ربما السر في الجمال... هو أنه لا يمكننا امتلاكه بالكامل... فقط نحمله معنا كذكرى.
الرجل: (يصمت لوهلة) وهل يمكن للذكرى أن تكون كافية؟ أن تحل مكان الواقع؟
المرأة: (تنظر إلى يديها) أحيانا تكون الذكرى أكثر أمانا من الواقع.
في الذكرى، لا يوجد خوف من الفقد أو التغيير.
الرجل: (بصوت خافت) لكن... ألا تظنين أن هناك أشياء تستحق المخاطرة؟
المرأة: (تنظر إليه للحظة، ثم تبتعد بنظرها)
...... ربما.
لكن... ليست كل المخاطر مضمونة النتائج.
الرجل: (يتنهد) يبدو أنكِ تفكرين كثيرا قبل اتخاذ أي خطوة أو قرار.
المرأة: (تضحك بخفة) وأنت تبدو كمن يتمنى لو يستطيع القفز دون تفكير.
الرجل: (بنبرة جادة)... أحيانا...
القفز هو الحل الوحيد لتجاوز العقبات.
المرأة: (بصوت منخفض) لكن... ماذا لو لم يكن هناك من يمسك بك عند السقوط؟
الرجل: (ينظر إليها مطولا) هذا السؤال... أطرحه على نفسي كل يوم.
المرأة: (تشعر بنظراته فتتظاهر بالانشغال بشيء آخر) يجب أن نغادر. الليل يقترب، والبرد يزداد.
الرجل: (يهم بالوقوف) صحيح. لكن...
ألا تعتقدين أن بعض الليالي تستحق أن يُحتمل بردها؟
المرأة: (تتوقف للحظة قبل أن ترد، وتبتسم ابتسامة خافتة) ربما. لكن ليس هذا الليل.
(يبتعدان، وبينهما مسافة تزيد مع كل خطوة، لكن كلمات لم يبوح بها كل منهما تبقى عالقة بينهما، تكاد تكسر صمت المكان).
وللصمت بقية..
//عبدالله النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق