قصة قصيرة
" لفح الجليد "
تقبله بين حاجبيه وتهرول إلى المطبخ ، تنتظر ملاحقته وهي تغني لفيروز ، تشعل العين الكبرى لموقد الغاز ، وتضع
ماجور المياه ، تنظر للحبيبات تتحرك
وتتابع حتى يتصاعد البخار ، يحطمها التجاهل.
حين يأتيها صوت نشرة الأخبار ، تزم شفتيها وتعقد حاجبيها تتحرك نحوه ، يطالعها بابتسامة باهتة ..!
يحيرها انشغاله بأحداث العالم ، حتى حديثهما الحميمي يرتكز على أهم الأخبار وتأجج الصراع ..!
قالت في نفسها:
منذ متى وهو يهتم بالسياسة ، لا تذكر
له شراء جريدة ، ولم تعهده قارئا جيدا.
تقلق من انشغاله وتفسر عزوفة بامرأة أخرى..!
تقلق من الحوارات الجانبية مع صديقه
مازن ،تراقب امتعاض زوجته وضجرها
حتى أنها تركت له المنزل و زادت الأزمة بينهما لدرجة مطالبتها بالإنفصال عنه .
جلست مع مديحة و تبادلا الوجع .
نصحتها بكلمات لا تقتنع بها ، وبوجهات
نظر فلسفية لا ترى طائلا من ورائها.
بين مازن و رمزي تقاطع يخرج بنظرية
و بين مديحة و هيام نظرية أخرى تسير
في عكس الاتجاه.
مديحة لا تتحمل الوجع و تريد فك ارتباط مع مازن ،و هيام تعاني ولكنها تبقي على سنوات العشرة..!
تعيش مع رسائله وصورهما التي توثق
سنين عمرهما التي مرت كشريط سينمائي ، ضحكاتهما، و لعبهما داخل
متنزهات ،و وروده التي كان ينتقيها
و يجثو على ركبة ونصف؛ ليقدمها مع
قصائد العشق التي أدارت رأسها .
مديحة عاشت نفس التجربة بتفصيلاتها
و مازن الرقيق بحسه الفني كان يرسمها
تحت شجرة الزيزفون و الطيور الصغيرة فوق أغصانها بألوان زاهية..!
صورة وضعتها بغرفة نومها حتى تعيش
ذكريات الحب الرومانسي.
يعقدان جلسة بحث مضنية لا تثني مديحة عن موقفها.
تواجه زوجها بقاعة المحكمة و ترد على
القاضي حين يسألها عن دوافعها لطلب
الطلاق ، تتلعثم غير قادرة على نظم
عباراتها ، تسبقها دموعها و حشرجة صوتها .
يعطيها القاضي فرصة للتروي و يؤجل الجلسة.
تحاول هيام استمالة رمزي فترتدي
ملابس نوم فاتنة و تعطر جسدها بعطر
باريسي أنثوي يحبه .
تتغنج عليه بدلال فيقبلها ببرود يقتل عندها كل مشاعر الحب ، تتركه
و تستلقي على سريرها ،وصوت بكائها يعلو على صوته مستجديا ، فتخرج كلماته متقطعة ، تراه يبكي للمرة الأولى فتمسح دموعها وتربت على ظهره بعطف قائلة:
أخبرني عن أسباب تغيرك ، لماذا عزفت
عني ، هل هي أجمل مني ؟!
هل تعطيك أكثر مما أغدقه عليك ؟!
ينظر نحوها و الحزن يخيم على وجهه
قائلا:
الأطفال ،والنساء،والشيوخ يموتون بدم
بارد ،والآليات تسحقهم حتى تتعلق أشلاؤهم بجنزيرها.
تلتفت نحو جريدة ورقية وتقرأ العنوان:
(حرب إبادة).
تحتضنه وتمسد فوق يديه بأصابعها الرقيقة قائلة:
إن مع العسر يسرا ..عسى ربك أن يفرج الهم وينصرهم نصرا عزيزا .
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق