الجمعة، 22 نوفمبر 2024

الرَّجيم بقلم الكاتبة زهراء الركابي

 الرَّجيم ...


صموئيل أو شمويل هذا هو اسم ذلك الشقيّ الذي ولدته امهُ ذات مساء في احد الأرياف القريبة من الغابة بعيب خُلقي في اذنه ، حتى أن القابلة اعطته قبلة الحياة مُكرهة فقد ولد خنيقًا فعلت ذلك على سبيل الواجب لا أكثر وهي مستنكرة  من شكل اذنه التي وصفتها بأذن الشيطان كان شكل اذنه حادا ومثلثا من الأعلى ، ومن سوء حظ صموئيل أن امه لفظت انفاسها فور ولادته فصار الناس يعتبرونه رمزًا للشر ، وحين صار ناشئا كان الناس في القرية يقذرونه ويحقرونه ويقذفونه بالحصى ويتشاءمون منه بل اصبحوا يتداولون الخرافات بينهم في شأنه فيقول احدهم أن صموئيل هو ابن الشيطان نفسه بينما وضع نطفته في رحم والدة صموئيل لأن اثما ما قد ارتكبته فأدى إلى أنها حملت من الشيطان ، وبسبب ما كان يحدث لصموئيل امام مرأى عيون والده دون أن يستطيع أن يدرئ أذى الناس عن ولده فقد مرض مرضًا شديدًا بسبب الحزن ومات ، وهكذا فأن صموئيل لم يعد له سند في هذه الحياة فقاموا اهل القرية بنفيه إلى الغابة ...

وهو الآن رجل يناهز الثمانية والخمسون من عمره لم يحلق لحيته ولا شعر رأسه منذ سبعة واربعون عام حتى طالت لحيته البيضاء وصارت عند سرته وشعره الذي انحسر عن مقدمة راسه بسبب الصلع قد طال إلى منتصف ظهره افنى سنين عمره في هذه الغابة يقتات من ثمار الغابة ويصطاد الفرائس ويشرب من ماء نهرها العذب الجاري لم يرى بشرًا منذ سبعة واربعين عام لقد نسي حتى كيف هي ملامح الناس كان مثالاً للإنسان الضائع المشرد بلا أرض ولا اهل ثيابه رثه ووجهه ملئ بالخدوش واثار الجروح ما يفسر الحياة القاسية التي عاشها،  حتى انه اصبح لا يخاف من الافاعي السامة فهي تراه فريسة وهو يراها فريسته فيضربها على رأسها ضربة قاضية بالصخر ويستفيد من لحمها المشوي على الحطب !

كان كذلك يتخذ من بقايا عظام الحيوانات اسلحة وسكاكين وذلك عن طريق بردها وحدها بالصخور كان يعيش حياة بدائية تذكر السامع بحياة الانسان القديم منذ بداية التكوين .. كان صموئيل يعشق اللحوم فيصطاد الحيوانات الاليفة وإذا ما اعترض طريقه حيوان مفترس كان يبتسم ثم يقول هامسا بينه وبين نفسه أنا جائع وأنت جائع ولنرى من سينتصر وبسبب مهارة كان يملكها الا وهي القفز فكان يقفز متسلقا احد الاشجار وهكذا يظل يتنقل من شجرة إلى شجرة ومن غصن إلى غصن حتى يشتت تركيز الحيوان المفترس ثم بلمح البصر يباغت ذلك الحيوان فيقفز منفرج الساقين ليجلس على ظهر الحيوان كما يجلس الفارس على ظهر الفرس بينما قطعة العظم الحادة في قبضة يده يغرسها بقوة كالخنجر في عنق الحيوان المفترس ويستمر بطعنه من الخلف في اماكن متفرقة من جسمه كخاصرته ونهاية ظهره حتى يضعف الحيوان ويسقط ارضًا فينقض عليه وينحره .

وذات مرة هاجمه نمر اسود فقال جملته المعهودة. "أنا جائع وأنت جائع "

وفعل معه ما يفعله مع سائر الحيوانات المفترسة وحين عاد إلى كوخه يجر جثة ذلك النمر سلخ جلده ليستفيد منه فيما بعد في الملبس والمفرش واكل من لحمه حتى شبع ثم زهد في الباقي واستخدم منها اجزاء بسيطة كطعم للأسماك اما العظام فحولها إلى اسلحة حادة عن طريق بردها وحدها وهكذا فان صموئيل كان يملك الالاف القطع من العظام على اختلاف اشكالها واحجامها !

وحين يخرج من كوخه باحثًا عن قوته وسط الغابة لا يتردد بحمل بعض القطع الحادة من العظام ويضعها في حقيبة من جلد الثعلب كانت ايضا من صنع يديه فتلك العظام بالتأكيد ستساعده في درئ الخطر عن نفسه خطر الحيوانات المفترسة ! 

ذات صباح كعادته خرج صموئيل إلى الغابة واخذ عدته ومتاعه واخذ يسير في الغابة بين الادغال والاشجار يقطف الفواكه والثمار من هنا وهناك ويصطاد الارانب ، حتى صار وقت الغداء جلس صموئيل مرهقا على العشب واخرج طعامه وما أن رفع يده ليضع اللقمة الاولى من الطعام في فمه إذ لمح مخلوقًا يراقبه من خلف احدى الاشجار اصدر صموئيل صوتًا غاضبًا واخرج اداة حادة ثم وقف منتصبًا على قدمية لتخرج امرأة اصغر من صموئيل سنًا تبدوا في خريف العمر ولديها نفس العيب الخلقي في اذنها ذلك العيب الذي تشرد لاجله صموئيل في الغابة مدة سبعة واربعين عاماً كانت تنظر له بحذر "

اطمئن صموئيل بعد أن علم بانها امرأة لا حيوانا مفترسا كما كان يظن ، 

اقتربت المرأة منه وقالت : 

أأنت صموئيل ؟

ارتسمت على وجه صموئيل علامات الحيرة والسؤال ،وقال ومن أين تعرفينني؟

قالت أنا أبنة تلك القابلة التي ولدت امك والتي وصفتك بالشيطان ابتلاها الله بأبنة تحمل نفس العيب الخلقي الذي كنت تحمله لكنها كانت تخفي ذلك عن الناس فكانت تغطي اذنيّ بواسطة شعري الكثيف،  ولطالما حرصت على أن لا يعلم احد من الناس بهذا السرّ كانت لا تفتأ تلعنك كلما رأت عيبي فهي تعتبرك السبب في ذلك وأنك قد وضعت لعنتك عليها لعنة الشياطين كانت في كل يوم تندم الف مرة وتلعن الساعة التي ولدتك فيها إلى الحياة وتتمنى لو أن قابلة غيرها هي التي ولدتك !

ثم مرضت بعد ذلك واصيبت بالشلل الرباعي وعكفت أنا على رعايتها لسنين طويلة حتى وافاها الاجل ولما ماتت أمي تقدم لي أحد رجال القرية الذي كان له اطفال ايتام من زوجته المتوفية ، ولما كشفت له عن العيب الذي في اذنيّ في ليلة زواجنا ما كان منه الا أن قبحني وضربني ثم اخرجني من بيته بقسوة وعنف وسلمني إلى اهل القرية الذين لم ينسوا قصتك حتى الآن فذكروني باني اشبهك وقاموا بنفي إلى الغابة التي نفوك إليها وها أنا الآن اقف امامك؟

بكى صموئيل حسرةً فقد احسّ بالظلم رفعت تلك المرأة يدها لتمسح دموع صموئيل لكنه لم يعطها فرصه ومسح دموعه بنفسه .

قال لها صموئيل  : ما اسمك ؟

اسمي هو سوزان .

حسنًا يا سوزان من اليوم فصاعدا ستعيشين معي في نفس البيت وسأتزوجك عوضا عن زوجك عديم الضمير .

وهكذا فأن صموئيل تزوج من سوزان بعد أن وافقت عليه وعاشوا سويًا في الغابة بعيدًا عن تلك القرية الظالمة وانجبت سوزان ولدًا يمتلك نفس العيب الخلقي الذي يمتلكه والداه قال. صموئيل ضاحكاً أهلا بك بيننا أيه الشيطان الصغير .


الكاتبة زهراء الركابي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق