( مسارات القصيدة العربية ورمزيتهــــــا )
.
بقلم : فالح الكيــــــــلاني
.
الدراسات التي تناولت الشعر العربي الحديث كثيرة اذ اهتم الادباء والنقاد والشعراء بدراسة الشعرالحديث والمجالات التوسعية التي صاحبته ونشوء قصيدة الشعرالحر وقصيدة النثر فيه الى جانب القصيدة العربرية الاصيلة واقصد بها قصيدة العمود الشعري التي انطلقت منذ عصرالجاهلية الاولى ولا تزال قائمة بل وحاضرة تمثل نفسية الشاعرالعربي والمتلقي العربي الذي يطمح ان يقرأها لتهز مشاعره ووجدانه وخاصة في لغة المخاطبة .
فالشعرالعربي الحديث او المعاصر ترفده ثلاثة روافد شعرية تكونت بمرور الزمن تبعا لحاجة المجتمع والتزاوج الثقافي العربي والاجنبي وخاصة الاوربي فهناك كما اسلفت القصيدة العمودية ذات الطابع القديم والتي تتميز في حفاظها من حيث الشكل بالوزن والقافية والبيت الشعري فيها مكون من شطر ينتهي بتفعيلة العروض التي تمثل الوتد الاصلي في بنية القصيدة ومن عجز وهوالجزء الثاني من البيت الشعري وينتهي بالروي او بالقافية و مهما تكون القصيدة العمودية فان تفاعيل الشطر فيها تساوي تفاعيل العجز بل هي ذاتها لاتنقص ولا تزيد مهما طالت القصيدة او قصرت وتقاس اهمية القصيدة وحسنها وجماليتها بهذا الترتيب في الاغلب اضافة لبواعث اخرى سناتي عليها لاحقا وقد تهيأت الاجواء للعلامة الفراهيدي البصري المتوفي سنة \ 170 هجرية من البحث في اوزان وقوافي هذه القصيدة فاستخرج انها لا تعدو عن خمسة عشر وزنا اسماها بحور الشعر او هي الحان الشعر العربي وقد جاء من بعده تلميذه الاخفش ليضيف بحرا اخر الى ابحر القصيدة العربية فكانت البحورالعربية ولا زالت ستة عشر بحرا لكل واحد منهم وزنه وموسيقاه ودائرته التي يخرج منها .
اما النوع الاخر من القصيدة العربية فقد تمثلت بقصيدة الشعر الحر وفيها تحررالشاعر الحديث من اعباء القافية الشعرية –كما يقول شعرا ء الشعرالحر- الا ان الشاعر نظم قصائده في بحور الشعرالعربي التقليدية فاختار ستة بحور شعرية ليكتب قصيدته الحرة في واحد منها وهي البحور الصافية أي التي لا تدخلها تفعيلتان بل متكونة من تفعيلة واحدة اصلية مثل الرمل ( فاعلاتن – فاعلاتن – فاعلاتن )او الهزج(مفاعيل – مفاعيل – مفاعيل )اوالرجز(مستفعلن- مستفعلن – مستفعلن ) اوالكامل( متفاعلن- متفاعلن- متفاعلن ) او المتقارب (فعولن – فعولن – فعولن) او المتدارك ( فاعلن – فاعلن – فاعلن ) فقد قيد الشاعر شاعريته بالكتابة في احدها بينما كان شاعرالقصيدة العمودية يكتب في ستة عشر بحرا نرى شاعر القصيدة الحرة يكتب في ستة بحور .
اما النوع الثالث من قصيدة الشعرالحديث فهو ما يسمى بقصيدة النثر وفيها اعلن الشاعر ثورته على كل القيود الشعرية بما فيها الوزن والقافية او البحورالشعرية وموسيقاها فهو يمثل انعطافة شعرية لم يعرف الشعر العربي مثيلاً لها في مسيرته من قبل. حيث مثل هذا التغيير في شكل ومضمون القصيدة العربية ذلك أنه لم يتغير على مستوى المضمون فقط، بل على مستوى الشكل والمضمون . وهذا ما لم يستطع الشعر العربي العمودي والذي تمثل في اغلبه في هذا العصر برومانسية لتحقيقه وهذه اشبه بالثورة الشاملة في الشكل والمضمون فهؤلاء الشعراء الشباب قاموا بهذا الانقلاب الشعري الجديد.
فالشعر المعاصر تلحظ فيه ثلاث قصائد تختلف كل منها عن الاخرى الا انها تتعايش مع الاخريتان في تمثيل العصر والنزعات النفسية والعواطف الانسانية تجاه الوطن او الامة وتمثل ما يعتمل في خلجات نفسية شاعرها الذي راح يحيط امته وما يكترثها او يكتنفها من احوال في قصائده .
لقد أصبح الشعر عالماً جديداً قد يصور خارجاً وقد يعكس داخلاً اي إنه رؤيا جديدة تمثل وعي الشاعر وفهمه لقضايا الحياة ومتطلباتها والفن واساليبه ومفاهيمه الحديثة او المعاصرة . وقد تكون كتابة الشاعر لقصيدة ما تكشف عن فهمه للشعر ماهيته ووظيفيته وأداء الشاعر لهذه القصيدة اوتلك .
لاشك ان لرواد الشعر العربي مفهوم للشعر خاص بكل منهم وقد يختلف عن غيره ممن سبقه أو جاء بعده كما يختلفون عن غيرهم من شعراء الشرق او الغرب بل لكل موطن شعراؤه ولكل قطر اوبلد . بل قد يختلفون فيما بينهم بسبب اختلاف نوازع منطلقاتهم ومفاهيمهم واحوالهم و مواقعهم وارائهم وإن جمعتهم الظروف المشتركة التي تمر بالوطن العربي ككل فقد تكون امالهم ومواقفهم واشكالياتهم واحدة وقد تختلف منطلقات الشاعر الواحد نفسيا نتيجة التزامه بما يحيط به مثل الاحزاب او المذاهب ادينية او الادبية وقد يتأثر هذا الشاعر او ذاك بمذاهب مختلفة او مراجع دراسية او تطويرية مع تطور تجربته الشعرية وربما يقع في تناقضات عدة بسبب عدم دقته في استعمال المصطلح ًوبسبب تبدل مواقفه الذاتية او النفسية .
لاشك أن هذا الكم الهائل من الشعراء من مختلف الأجيال وعلى مر العصور يبين أن لكل جيل مفهوماً محدداً للشعر، بل إن لكل شاعر مفهوماً يختلف عماً عند غيره من الشعراء.. ولا سيما البنية الجمالية سواء في الرؤيا المتمثلة في موضوعات القصيدة او زمنها او تاريخ كتابتها كالحداثة الشعرية والأصالة اوكالمعاصرة اوفي التعبير المتمثلً في اللغة والموسيقى والتصويرالفني للقصيدة او بكل ما تمثله القصيدة من ابداع وفنية وجمالية . وقد تكمن خصائص هذه القصيدة اوتلك في التفاعل مع التراث او النظر فيه واليه باعتباره رمز ا من رموز القيم الانسانية .
وربما كانت هذة الرمزية مفرطة عند بعض شعراء المعاصرة او في قصيدة النثر اكثر من غيرها والذي يعد نوع من التحرر في ثقافة القصيدة الحرة او قصيدة النثر اكثر منها في القصيدة العمودية مع ضرورة تكثيف الصورالشعرية وربما وجود هذا الغموض عند البعض اتخذه لازما حيث اعتبره من مميزات قصيدة النثر وهذا لا اقره فالوضوحية هي النور الذي يكتنف القصيدة ويبين مسالكها وما ترنوا اليه وليس هذا معناه الخروج على الرمز بل ما اعنيه هو الغموض المفرط الذي اعتبره بعضهم :
(صفة لازمة لكل شعر جيد طالب للجدة والحداثة او المعاصرة )
واخيرا اني ارى أن الشعر أهم أركان الفنون التي ابتدعتها البشـرية واستكشاف حالها ومراجعها وانطلاقها إلى مواقع جديدة خارج آلامها بما يمتلكه هذا الفن العظيم من رؤية ورؤيا وقدرة حدسية حالمة نتيجة المعاناة التي تبعث فيه القوة من داخل المعاناة النفسي.
.
امير البيـــــان العربي
د. فالح نصيف الكيلاني
العراق - ديالى - بلدروز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق