مع النهر الثالث /
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر ٠
شاعر دجلة الخير الجواهري ٠٠!! ٠
بل و شاعر العرب الأكبر و شاعر الأمتين العراقية و العربية ٠
أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه أشطار
وهو القائل أيضا :
حييت سفحك عن بعدٍ فحييني
يا دجلة الخير يا أم البساتين
دجلةَ الخيرِ يا نبعاً أفارقُهُ على الكراهةِ بين الحِينِ والحين ٠
و قد لقبه صديقه الصحفي اللبناني أمين الأعور ب ( نهر العراق الثالث ) ٠
هذه بعض التأملات في قصيدته التي تحت عنوان( لم يبقَ عندي ما يبتزه الألم ) ٠
لقد عرفت الشاعر الكبير العراقي محمد مهدي الجواهري منذ نعومة أظفاري و لا سيما في أيام الجامعة و زيارتي إلى أرض الرافدين و بغداد مدينة السلام و النجف و العمارة مسقط رأسه و ميلاده ١٩٠٠ م ، و الكوفة و البصرة و سامراء و المربد و شط العرب ٠٠
في كل هذه المشاهد كان حاضرا معي من خلال سيرته في كل بلد و لقاء نهبط حيث ذكرياته بين أهله الكرام و قنسوته التي تزين رأسه ٠٠
و حينما نجلس في شارع المتنبي و نمر بالرشيد و الكرخ و الرصافة و نجلس في مقهى ( الزهاوي ) بين عمالقة الأدب و أساطين الثقافة و نسترجع تاريخ العراق أرض الرافدين دجلة و الفرات ٠٠
و التراث القديم البابلي و و آشور و حمورابي و عشتار و جلجامش و الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ٠٠
و نازك و السياب و البياتي ٠٠
وظل الجواهري يعاني ألم الغربة و البعد عن الأهل و الوطن و في براغ و المنافي و قد رثا زوجته و ولده فرات ليختم حياته بعد رحلة عطاء بين السياسة و الشعر في سوريا الحبيبة ٠٠
و برغم اتصاله برؤساء و ملوك العرب حتى فاضت روحه و تم دفنه في دمشق الفيحاء ٠
فالقصيدة مفرداتها اللغوية وصورها الفنية تعكس حالة ضبابية قلقة و تساؤلات تنم عن صدق مشاعره في مسحة حزن و غصة و حيرة ٠٠
نعود إلى قصيدتنا الغراء التي مطلعها :
لم يبقَ عنديَ ما يبتزّهُ الألمُ
حسبي من الموحشاتِ الهمُّ والهرمُ
لم يبقَ عندي كفاءَ الحادثاتِ أسى
ولا كفاءَ جراحاتٍ تضجُّ دمُ
وحينَ تطغَى على الحرَّان جمرتُهُ
فالصمتُ أفضلُ ما يُطوَى عليهِ فمُ
وصابرينَ على البلوى يراودهُمْ
في أن تضمَّهُمُ أوطانُهم حلمُ
تذكَّروا عهدَ بلفورٍ فقلتُ لهمْ
ما تستجِدُّونَهُ عهدِي بهِ القِدَمُ
مِن قَبلِ سِتِّينَ من خَزيانِ مَولِدِهِ
أقمتُ مأتمَ أرضٍ قُدسُها حَرَمُ
لا يَغضَبَنْ سادةٌ تُخشى معرَّتُهُم
بل المعرَّةُ في أنْ يَغضَبَ الخَدَمُ
فلستُ أخلِطُ ما يَجنيهِ مِنْ تُهَمٍ
شعبٌ برئٌ وما يَأتيهِ مُتَّهَمُ
وإنَّما أنا من أوجاعِ مجتمعٍ ٍ
جرحٌ، ومن جَذوَاتٍ عِندَهُ ضَرَمُ
كم تَنقُضُونَ بأعذارٍ مُثَرثَرَةٍ
ما تُبرِمونَ، ولا يعنيكمُ البَرَمُ
شأنَ الذليلِ وقد دِيست كرامَتُهُ
وقلَّما عِندَهُ أن يَكثُرَ الكَلِمُ
دمشقُ يا أمَّةً حَطَّتْ بها أُممُ
مِنها إذا نُكَّسَتْ أعلامُها عَلَمُ
كأنَّما هيَ عنْ أوزارِ جِيرَتِها
كفَّارَةٌ، وعنِ الساعِي بِها نَدَمُ
يا هِمَّةً باسمِها تُسْتَنهِضُ الهِمَمُ
يا قِمَّةً تتهاوَى عِندَها القِمَمُ
دمشقُ، إنَّ وجوهَ الغدرِ سافِرَةً
أَخَفُّ مِنها شُروراً وهيَ تَلتَثِمُ
إنَّ النفاقَ حفيرٌ لا تلُوحُ بهِ
خُطَى المنافقِ إلَّا يومَ يَرتَطِمُ
تَأَلَّبَ الشرُّ مسعوراً بهِ نَهَمٌ
إلى العضاضِ، وإن أودَى بهِ النَّهَمُ
ودَوَّخَ الصمتُ مِهذاراً يُدَاخُ بهِ
ودبَّ في السمعِ مِن سَمَّاعةٍ صَمَمُ
وارتدَّ عنكِ وأحلافٌ لهُ خَدَمٌ
مُغْبَرَّ وجهٍ على خَيشُومِهِ رَغَمُ
وكم تَلَوَّحَ وجهٌ مِثلَهُ قذرٌ
ولَّى بأنظفِ كفٍّ منكِ يُلتَطَمُ
وأنتَ يا أسَدَ الغابِ الَّذي حلَفَتْ
بهِ الرجولةُ أنْ تَستَأسِدَ الأُزَمُ
يا أيُّها الجبلُ الرَّاسَي بهِ أَنَفٌ
منَ الرّضوخِ ومِن أن يَنحنِي شَمَمُ
ثَبِّتْ لها قَدَمَاً تَرهبكَ مَذْئَبَةٌ
ما إِن تُوَطَّى لها في غَابةٍ قَدَمُ
يا حافظَ العهدِ أعطَاهُ مَواثِقَهُ
ما عاشَ أنَّ عُراهُ ليسَ تَنفَصِمُ
أَعطتكَ مَوثِقهَا الدنيا وأُسرَتُها
أنَّ المُفاداةَ جيشٌ ليسَ يَنهزِمُ ٠
هذه كانت جولة سريعة حول شاعرية شاعر العرب نهر العراق الثالث محمد مهدي الجواهري صاحب اللغة و الإبداع و الإلقاء الذي يذكرنا بالأعشى صناجة الشعر العربي ٠٠
و قد قاسى الجواهري من ألم الغربة حتى شرق و غرب حول العالم ليستقر به المقام في دمشق الفيحاء ليرقد بين عناقيد الياسمين المتدلية ٠٠
و يبقى أثره الخالد بيننا يحاكي مسيرته بلا حدود دائما ٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق