(9)التلاعب بالعقول ومهزلة العقل البشري(9)
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... ويواصل الكاتب العراقي (علي الوردي) وجهة نظره في (مهزلة العقل البشري) فيقول ، لايظهر الأنبياء أو المصلحون إلا بعد ظهور المشككين ، فالمشككون يطعنون بالسائد من الأعراف والعقيدة المحورة ، وبذلك يكونون قاعدة للمصلحين والأنبياء ، ويضرب مثالا على ذلك السوفسطائيين بالإغريق والأحناف بالعرب
... ويضيف الكاتب ، أن الفكر البشري حين يتحرر ويخرج على التقاليد لا يستطيع أن يحتفظ بطابع اليقين على أية صورة ! ، إنه حين يشك في أمر واحد من أمور حياته ، لا يستطيع أن يقف في شكه عند هذا الحد ، فالشك كالمرض المعدي لا يكاد يبدأ في ناحية حتى يعم جميع النواحي
... ويرى الكاتب أن الإنسان إذ يكسر تقليدًا واحدًا ، لابد أن يأتيه يوم يكسر فيه جميع التقاليد ! ، َابتلي الإنسان بهذه المشكلة ذات الحدين ، فأمامه طريقان متعاكسان ، وهو لابد أن يسير في أحدهما ، طريق (الطمأنينة والركود) ، أو طريق (القلق والتطور) ، ومن المستحيل عليه أن يسير في الطريقين في آن واحد
... ويؤكد الكاتب أنه يجدر بنا أن نحتاط قليلاً في صدد (نهج البلاغة) ، مع الأسف قد إحتوى على بعض الأقوال التي لايجوز أن تُنسب إلى الإمام علي (من وجهة نظره) ، إذ هي تُخالف مبادئه التي يدعو إليها أو أسلوبه الذي عُرِف به
... ولم ينسى الكاتب (المرأة المربية) فيقول ، أن المرأة في الواقع هي المدرسة الأولى التي تتكون فيها شخصية الإنسان ، والمجتمع الذي يترك أطفاله في أحضان إمرأة جاهلة لايمكنه أن ينتظر من أفراده خدمة صحيحة أو نظرًا سديدًا
... ويعلن الكاتب عن منهجه في الحياة فيقول ، إني أعمل جاهداً ، لكي أظهر وجهي دون قناع ، لكن ما أغفلته حقاً أننا داخل مسرح عبثي كبير ، إسمه (الحياة) ، إذ يجب أن تكون ممثلا بارعاً ، لكي يصفق لك الجمهور ، هم سعداء وبعيدين كل البعد عن الشقاء ، ف (كما قال الكاتب) ، (البلاهة العامة تجلب للناس الطمأنينة) ، ف معتقداتهم التي نشأوا عليها تجعلهم يرفضون الشخص الذي يتجرأ على الظهور بوجهه الحقيقي
... ويرى الكاتب أن الحياة حفلة تنكرية فيقول ، إني أخجل من نفسي مثل (كافكا) عندما أدرك أن الحياة حفلة تنكرية وهو الذي حضرها بوجهه الحقيقي ، وأخجل كذلك من (الأيام) لأني أصبحت عارياً أمامها ، إنها ترى عورتي ، الجزء الذي لايستطيع أحد أن يراه ، تراه هي ، أنا لا أتحدث عن مؤخرتي بل عيوبي ، ف (لا يوجد في الكون أروع من شخص عرف عيوبك و مازال يحبك)
... ويعلن الكاتب عن رأيه في (الدنيا) فيقول ، ليس في هذه الدنيا شيء يمكن أن يتلذذ به الإنسان تلذُذاً مستمراً ، فكل لذة مهما كانت عظيمة تتناقص تدريجياً عند تعاطيها
... ويعلن الكاتب أيضا عن رأيه في تأثير (البيئة) على الإنسان فيقول ، إن أي إنسانٍ لاينمو عقلهُ إلا في حدودِ القالبِ الذي يصنعه لهُ المجتمع ، ومن الظُلم أن نطالب إنساناً عاش بين البِدائيين مثلاً أن يُنتج لنا فلسفةً معقدةً كفلسفة (برجسون) أو فيزياء عاليةٍ كفيزياء (آينشتاين) ، هل للبيئة فعلاً تأثير على الإبداع ؟! (موضوع للنقاش)
... وكان للكاتب رأي في (السعادة) فيقول ، يتوهم الإنسان أن (الوظيفة) ستجعله سعيداً ، ثم يتوهم أن (الزواج) سيجعله سعيداً ، ثم يتوهم أن (الأطفال) سيجعلونه سعيداً ، وسيظل يتوهم ويتوهم حتى يموت ، من ينتظر أمر معين حتى يشعر بالسعادة سيظل ينتظر طوال حياته ، لذا كن سعيداً الٱن واستمتع بما لديك
... ويقول الكاتب أيضا ، أن الذي لا يفارق بيئته التي نشأ فيها ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة ويركز فقط على ثقافة بلده ، فلا ننتظر منه أن يكون محايداََ في الحكم على الأمور بل توقع منه العنصرية الشديدة والتعصب لبلده وفكره
... ويتهكم الكاتب على سلوك الإنسان اللا إنساني فيقول ، بينما يصرخ العصفور في القفص لينقذه أحدهم ، يعتقد الإنسان أنه يغني من السعادة ، أليس هذا من مهازل العقل البشري
... ويستمر الكاتب في تهكمه فيقول ، قيل أن شخصاً علم القطط أن تحمل الشموع له على مائدة الطعام ، فجاء أحد ضيوفه وهو يحمل في جيبه فأراً ثم أطلقه على المائدة ، وسرعان ما انطلقت القطط وراءه ورمت الشموع على المائدة لتحرقها وتحرق من كان يأكل منها
... ويسقط الكاتب ماتقدم من قصة على الموقف التربوي للإنسان فيقول ، إن الذي يريد أن يغيّر طبيعة الإنسان بواسطة الموعظة والكلام المجرد لايختلف عن هذا الذي علّم القطط حمل الشموع ، فالناس يستمعون له ويتأدبون أمامه ويسيرون بين يديه بوقار كأنهم أنبياء ، ولا تكاد ترمي إليهم بشيء ثمين حتى ينطلقوا وراءه متكالبين ، إذ ينسون ماذا قال لهم الواعظ وبماذا أجابوه
... ويذكر الكاتب قصّة معبرة يَقول فِيهَا (يُحكَى أنَّ جَمَاعة مِن الفِئرَان ، إجتَمعُوا ذَات يَوم ، ليُفكِّروا فِي طَريقة تُنجيهم مِن خَطَر القِطِّ ، وبَعد جَدَلٍ عَنيف ، قَام ذَلك الفَأر المُحتَرَم ، فاقتَرَح عَليهم أَنْ يَضعوا جَرسًا رَنَّانًا فِي عُنق القِطّ ، حَتَّى إذَا دَاهمهم سَمعوا بِهِ قَبل فَوَات الأَوَان ، و فَرّوا مِن وَجهه ، إنَّه اقترَاحٌ رَائِع لَارَيب فِي ذَلك ، ولَكن المُشكِلَة الكُبرَى كَامِنَة فِي كَيفية تَعليق الجَرَس عَلَى عُنق القِطّ ، فمَن هو ذَلك العَنتَري الذي يَستَطيع أَنْ يُمسك بعُنق القِطِّ ، ويَشدّ عَليه خيط الجَرَس ، ثُمَّ يَرجع إلَى قَومهِ سَالِمًا غَانِمًا ؟! نسَي صَاحبنَا الفَأر ، أَنَّ اقترَاحه لَا يُمكن تَطبيقه عَمليًا ، فالقِطّ سَوف يَأكل كُلّ مَن يُريد أَنْ يَشدّ عَلى عُنقه جَرَسًا مِن مَعَاشِر الفِئرَان ، (المغزى من القصة) هو أنه لاينبغي في الفكرة أن تكون رائعة وجميلة بحد ذاتها بل المهم أن تكون عملية ، إن الفكرة تشبه المفتاح لا يهم إن كان ذهبا أو خشبا أو نحاسا ، المهم هو أن يفتح الباب ، ولو استمعنا إلى المجانين ، لوجدناهم أحيانا ينطقون بأجمل الأفكار وأروعها ، لكنهم رغم ذلك لايستطيعون أن يكونوا أنبياء أو مصلحين إجتماعيين
... إن المصلح أو النبي قد يأتي بالفكرة البسيطة جدا لكنه يقلب بها وجه العالم ، فهو يأتي بها كعملية تؤثر في حياة الناس ، وتدفعهم نحو الحركة الإجتماعية التي تلعب دورها في صياغة التاريخ
... وإلى لقاء في الجزء العاشر إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق