" قالوا ناس زمان الحليب واللّبن والزّبدة كانوا خاوة فرقهم غير مخيض الشكوة " هذا مثل شعبيّ خلاصته ومرماه أنّ النّاس يمكن لعلاقاتهم أن تكون جيّدة ومتينة جدّا إلى حدّ ظهور محكّ ليختبر هذه العلاقة فيتغيّر المشهد برمّته. هذه الفكر أو هذه الخلاصة اخذت كمثال عن الحليب كمادة خامّ ، فهو يحتوي على الزّبدة والجبن واللّبن ولا يمكنك أن ترى هذه المكوّنات عندما تتناول كوبا من اللّبن وتشربه. بعد أن يتدخّل الإنسان وعندما يضع الحليب في شكوة ويمخضه، فهو يرغب من تدخّله الاستفادة من اللّبن ومشتقّاته حسب حاجاته وما حدّده لنفسه من مكسب، عندها تظهر هذه المكوّنات للعيان. فأصبح اللّبن حليبا وزبدة وجبنا ولا يمكن أن تتركها في إناء موحّد فسوف يكون لكلّ منها استعمال وبالتّالي تفرّقت، بعد أن كانت كلّها تسمّى حليبا ويحتويها إناء واحد. هذه الوضعيّة تنسحب على الإنسان في المجتمع. فإذا ما عاش النّاس في كنف قانون يضبط علاقاتهم ببعضهم وبالدّولة فلا يمكن أن ترى فروقات ولا يمكن أن تشعر بتباين يمسّ بطرف ويعلي طرف، فكلّ مكوّنات المجتمع سواسية وبالتّالي فهي تكوّن لحمة تخدم النّاس والوطن ولا فرق بين عامل بسيط أو موظّف سام والسّفير والوزير ثمّ الغفير هم بهذا المعنى لبنات لا استغناء على أيّ منهم ولا يمكن وصف هذا أو ذاك بالأساسي أو الأهمّ في خدمة الوطن. وينسحب هذا أيضا على الأفراد في العائلة الواحدة. يتعايش الأفراد داخل العائلة ويتضامنون وكلّ منهم يسعى لإسعاد الآخرين فيسعد بسعادتهم ويعطي بممارساته للقب العائلة قدرا وقيمة أمام بقيّة الأفراد فيعاضدونه لتجد بعد ذلك عائلة متوازنة ومتينة العلاقات فيما بين أفرادها. وهذه الصّورة تنتقل للعائلات الأخرى بفعل قانون التّأثير والتّأثّر فيصبح لديك مجتمع مترابط ومتوازن تنتفي فيه الخلافات والصّراعات. لكن هل هذه العلاقات متينة وقويّة بحيث لا تتزعزع أمام المؤثّرات الخارجيّة مهما كان نوعها ومهما كانت قيمتها؟ النّاس في تعاملها العاديّ وبعيدا عن العلاقات الماديّة والمثيرات الخارجيّة، هم إخوة وهم أصدقاء و...و...وإذا ما تدخّلت المادّة فيما بينهم تظهر الطبيعة والطّينة الحقيقيّة لهذه العلاقات فتغلب المصلحة الخاصّة وتتصدّع "الحصون المتينة" الّتي كانت تحمي هذه العلاقات. بدخول المادّة ينسى الأخ أخاه، ويتنكّر الصّديق للصّديق، والأمّ الّتي أرضعت وسهرت اللّيالي تصبح خصيمة من خصماء الدّهر. تتدخّل المثيرات الخارجيّة أيضا لتلعب دورا خطيرا في تغيير مسار علاقات كانت في أرقى درجاتها وأسمى معانيها فتراها تنهار وتفتر بمجرّد جرّة قلم، أو بمجرّد إشارة شفويّة أو همسة لتتأكّد بعد ذلك من أنّ هذه العلاقات كانت على شفى حفرة كانت تنتظر انزلاق بسيط للتّربة لتذهب وتهوي .
الخميس، 22 ديسمبر 2022
قالوا ناس زمان بقلم الكاتب رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
يكفي أن يتدخّل فلان أو علاّن بين شخصين من المجتمع أو في العائلة فترى العلاقات قد انقلبت إلى الضّدّ، بل ويمكن أن تؤول إلى صراع دمويّ لا ينتهي. الوطن العربيّ اجتمع فيه العرب تاريخا ولغة وجغرافيا وعزّز ذلك الإسلام ليكوّن مقوّما آخر من مقوّمات الأمّة العربيّة وربّما انفردت الأمّة العربيّة عن باقي الأمم بهذا المقوّم إذ لم يسبق للدّين بصفة عامّة حسب اعتقادي أن كوّن أمّة. وكان هذا الوطن قوّة جبّارة يحسب لها ألف حساب. لكنّ ذلك لم يرق لمن كانوا أقلّ منّا قوّة أو لمن هم مثلنا، فجمعوا لنا وخطّطوا لنتشتّت وليتمكّنوا من فرض سيطرتهم علينا فبتنا أشلاء متناثرة متنازعة تسمّي نفسها دولا كلّ واحدة منها تستميت في الدّفاع عن راية خاصّة ولا تبالي بباقي الأقطار وكأنّ ما تعاني منه هذه القطعة من الأرض يخصّها وحدها ولا علاقة للبقيّة بها. فنلاحظ أنّ الاختلافات والتّناقضات مفتعلة سوى كان ذلك على مستوى الفرد او المجتمع أو حتّى على مستوى أوسع وهو المجتمع العربي. الاهتمامات الخاصّة والتّدخلات الخارجيّة والّتي هي ماديّة بحتة خلقت بونا بين النّاس وبزوال أو دحض هذه المؤثّرات أو المثيرات يعود الدرّ إلى معدنه.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق