ضيف غير مرغوب فيه
زارني وما كنت لأقبل به ضيفا لو أنّي مخيّر. خارت قوّايا وأنا أصدّه، حتّى سلّمت أنّي على قبوله مجبر. زارني بغتة واستلّ سيفه يمزّقني حتّى بتّ استرق السّمع من بين أشلائي. أحاول أن أصمد حتّى أستعيد أنفاسي من بين أصابعه، فأرى عنقي مغلولة وصدري انغلقت أبوابه ونوافذه. أراجع خططي للوقوف ضدّ هجومه ولأركّز دفاعاتي حيث يجب أن تكون، فما نلت سوى الخيبة والتّقهقر. إنّه يعرف نقاط ضعفي وقوّتي إذ أصابني حيث تكمن دفاعاتي، وهجومي بات منعدما لأنّ خيوط عنكبوته اصطادت صواريخي وما عدت قادرا على الطّيران. رسمت ألف صورة أجسّم فيها وقوفي رغم سلطته وربّما أجفّف بها ماء جبهتي من أثر التّدافع بيني وبينه ورأيته في كلّ مرّة ينتصر. استدعى النّاس لي شخصا عارفا ليحاوره ويهدّئ من روع هيجانه لكنّه أصرّ على البقاء في جسدي وضرب عرض الحائط كلّ محاولات الوساطة بينه وبيني. ولمّا استعصت عليّ مقاومته، أصبحت أجاريه وأخاتله لعلّي أفوز برقبته فأزهق روحه، لكنّه استقوى بهزالي عليّ فانتصر. لم تكن غايته أن يغنم منّي بشيء، فقد كان يشاكسني لأضع النّقاط على الأحرف وأستنتج من ضعفي أمامه أنّ هذا الزّائر بقدر ماكان نقمة فهو نعمة. نعم هو فرصة لتميّز بين الغثّ والسّمين. المرض فرصة للوقوف أمام مرآة حياتك وعلاقاتك. المرض حالة ضعف وفزع نعم، ولكنّه وضعيّة مخبريّة تغربل فيها ما مضى في سلوكك. فقد كنت تشمئزّ من فلان وعلاّن ولكنّه هو الّذي يعودك في وضعك ذاك وتجده يخفّف عنك ويأخذ بيدك، بل أكثر من ذلك، يستدعي كلّ جوارحه الّتي كنت تنفر منها لتدعو لك ولتقف إلى جانبك. وتكتشف أنّ من كان يغازلك ويفرش لك الأرض ورودا ينفر منك ويتناسى دورك الفاعل في حياته. أثناء المرض تكتشف مشاعر وأحاسيس لم تكن تعرفها فيك. تكتشف في أفراد عائلتك ممارسات تجاهك لم تعهدها فيهم ولم تكن تتصوّرها. المرض رغم قسوته ورغم أنّه ضيف غير مرغوب فيه لكنّه يكشف العديد من الأغوار ويفسّر بعض الغموض في حياتنا. نحن لا نتمنّاه ولا ننتظره لكنّه محكّ نخرج منه بتجارب واستنتاجات قد تبدّل رؤيتنا للحياة وللنّاس وما كنت لتصلح لذك الانطباع والاستنتاج وأنت معافى.
رشدي الخميري/جندوبة/ تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق