السبت، 7 ديسمبر 2024

قراءة وتحليل أدبي لقصيدة "متكأ على حافة الصبر" للشاعر يوسف بلعابي

 قراءة وتحليل أدبي بقلم مشترك د مصطفى محمد العياشي والشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس

قصيدة "متكأ على حافة الصبر" للشاعر يوسف بلعابي تفتح لنا نافذة على عالم ممتلئ بالألم والمعاناة التي تختزل تجربة إنسانية عميقة مليئة بالإحباط والخيبات المتكررة. النص يعكس رحلة ذاتية وجماعية في مواجهة واقع مظلم ووعود زائفة خذلت الآمال. يبدأ الشاعر بصورته وهو "متكأ على حافة الصبر"، وهي صورة تعبر عن إرهاق الانتظار وثقل الأمل المجهض، حيث يبدو الصبر، الذي عادة ما يُعتبر مفتاح الفرج، في النص مفتاحًا مفقودًا تتلاعب به الوعود الكاذبة.
العبارة "وفي يدي حفنة من حصوات" تعبر ببلاغة عن التجارب المؤلمة التي راكمها الشاعر على مر الزمن. تلك الحصوات، التي يجمعها من كل طريق يعبره، تمثل عبئًا نفسيًا وثقلًا لا يمكن التخلص منه بسهولة. إلقاؤها في "مستنقع الزمن" يرمز إلى محاولة نسيان الألم، إلا أنها تعود لتذكره بكل المحطات التي مر بها، وكأن الزمن نفسه يرفض أن يمنحه فرصة للراحة.
في مسيرة الطرق المتشعبة والأبواب الموصدة، نجد الشاعر يعبر عن حالة من التيه، حيث الطرق التي يسلكها لا تقوده إلا إلى مزيد من الضياع. وصف الأبواب بأنها "مسدودة" و"سكنتها الخفافيش" يُبرز سوداوية المشهد، حيث ترمز تلك الأبواب إلى الفرص المغلقة والآمال الميتة، وتلك الخفافيش التي تسكنها تشير إلى قوى الظلام والفساد التي تنشر الخراب ولا تعرف النور.
الانتقاد الموجه إلى "خفافيش الظلام والظلمات" يعكس بعدًا سياسيًا واجتماعيًا، حيث تتجسد فيهم القوى التي تعد بالتغيير ولكنها تغرق الناس في سراب من الأكاذيب. هذه الصورة تحمل قوة رمزية عميقة، تعبر عن تجربة مشتركة في مجتمعات أنهكتها خيبات الأمل المتكررة.
في ختام النص، يطرح الشاعر تساؤلًا يعكس عمق معاناته ومرارة انتظاره: "متى يرحل هذا الوباء؟" هذا السؤال المفتوح يعبر عن الأمل المتردد الذي يتشبث به، أمل بأن تعود الحياة إلى طبيعتها، وأن تُفتح الأبواب الموصدة، ويعود النور إلى ظلام الواقع. الشاعر هنا يدمج بين النقد اللاذع والرغبة الصادقة في الخلاص، مما يجعل نصه يتجاوز حدود الشعر ليصبح صرخة إنسانية نابضة.
يوسف بلعابي نجح في تقديم نص شعري قوي ومؤثر، جمع بين البساطة في التعبير والعمق في المعنى، وبين الرمزية والواقعية. بأسلوبه الصادق ومفرداته القوية، استطاع أن ينقل مشاعر متشابكة من الإحباط والغضب والحنين إلى النور. قصيدته ليست مجرد كلمات، بل هي مرآة تعكس حال الإنسان في مواجهة قوى الظلم والفساد. كل الشكر والتقدير لهذا القلم المبدع الذي يُبدع في تجسيد همومنا وآمالنا بصور شعرية تعانق الروح، وتضيء دروب الأمل رغم ظلمة الواقع.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية
*********
*متكأ على حافة الصبر*
مازلت متكأ على حافة الصبر
وصبرنا مفتاح أضاعته الوعود
وعود حتى في المنام لن نرها
وفي يدي حفنة من حصوات
قد جمعتها من كل درب أعبره
وأخذت أرمي الواحدة تلو الأخرى
في مستنقع الزمن
وكل حصاة ألقي بها
تذكرني بكل طريق أعبره
وكل باب أطرقه
ولا طريق عبرته
إلا وتشعبت علي ثناياه
ولا أسلكه
وأعود منهوك القوى
مكسور الأماني
ولا باب طرقته
وتفتح في وجهي
كلها مسدودة
أبواب سكنتها الخفافيش
خفافيش الظلام والظلمات
لا يعرفون النور
هؤلاء هم من أوفوا بوعودهم
وقالوا ظلامكم سيعود ضياءا
لكن وعودهم سراب خلب..!
الصبر فاق صبرنا
متى يرحل هذا الوباء
وترحل معه الأشباح الخفافيش
ونعبر الطريق وتتشرع الأبواب
وتعود الروح إلى أجساد الأموات؟
بقلمي يوسف بلعابي تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق