قراءة وتحليل أدبي بقلم مشترك للأستاذ الصحفي الشاعر محمد الوداني والأديبة غزلان البوادي حمدي من تونس
قصيدة "الكُلُّ يَنْزِفُ ... طينُهُمْ أم طينُها!" للشاعر طاهر مشي هي قصيدة تنبض بالحزن والألم، وهي مليئة بالصور الشعرية التي تعكس هموم الأمة العربية وتداعيات القضايا السياسية والاجتماعية في العالم العربي. الشاعر يعبر عن الألم والحزن الذي يعيشه الوطن العربي في ظل الحروب والصراعات المستمرة، ويُظهر الشعور بالخيبة من الأوضاع الراهنة.
يتناول الشاعر في قصيدته الوضع العربي الحالي، حيث يُعبّر عن الحزن على الحال الذي وصلت إليه الأمة العربية من انقسام وضعف، ويشجب تدهور قيم العروبة والإسلام. من خلال الإشارة إلى فلسطين وغزة على وجه الخصوص، يعكس الشاعر مشاعر الخوف والحزن على الوطن العربي المتفكك.
الشاعر يستخدم الرمزية بشكل كبير في النص، مثل "طينُها" و"النّبضُ في شوْقٍ لِقلبٍ دافِئٍ"، التي تبرز الصورة القوية للوجع الوطني. كما أن صورة "الأعراب" و"غزة" تأتي لتحمل معاني التحدي والمقاومة، لكنها أيضًا تحمل في طياتها إحساسًا بالعجز عن التغيير.
يتنقل الشاعر بين الصور الشعرية بمهارة، كما في قوله: "والعينُ في كَمَدٍ وَزادَ أنينُها"، التي تعكس مشاعر الأسى والدمار النفسي. ومن خلال هذه الصور، يخلق الشاعر حالة من الوجد الداخلي الذي يطغى على القصيدة.
الشاعر يكرر في ختام القصيدة عبارة "الكُلُّ يَنْزِفُ ... طينُهُمْ أم طينُها!"، وهذا التكرار يعكس وحدة الألم وعمق المعاناة. كما يراهن الشاعر على "الحق" الذي سيعلو في النهاية، مبرزًا الأمل في وسط الظلام.
القصيدة مكتوبة بأسلوب شعري تقليدي، معتمدة على البحر الكامل الذي يُظهر قدرة الشاعر على الحفاظ على الانسجام الإيقاعي رغم ثقل الموضوعات التي يعالجها. كما أن الأسلوب البلاغي في توظيف الاستفهام ("ما من مضمّدِ جرحِها فيزينُها؟") يعزز من حس المشاركة في الألم الوطني، ما يجعل النص أكثر تأثيرًا.
القصيدة تمثل منبرًا للألم والحزن العربي، لكنها تظل متفائلة في النهاية. ينجح الشاعر طاهر مشي في إيصال شعور الإحباط والتشاؤم حيال الحالة العربية المعاصرة، لكنّه يذكرنا في النهاية بأن الأمل، رغم الظلام، سيظل موجودًا.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية
قصيدة دوت بصدري أثلجت أوتاره أعيد نشرها من جديد
الكُلُّ يَنْزِفُ ... طينُهُمْ أم طينُها!
لا تسألِ الأوْطَان إن فارقْتَها
قد لا تجيبُ السُّؤلَ فَاضَ حَنٍينُها
فالنّبضُ في شوْقٍ لِقلبٍ دافِئٍ
والعينُ في كَمَدٍ وَزادَ أنينُها
والرّوحُ قد نهجَتْ طريقاً شائكاً
يا لوْعَةَ المكنونِ باتَ يُشينُها
قلبُ العُروبةِ قد تشظّى في الوغى
لا يجمعَ الأشبالَ قلبُ مُدِينُها
في (غزّةَ)الأعرابُ يدنو شِبلُها
يدعو إلهَ الكَوْنِ رَبّ يُعينُها
ألبيتُ يُحرَقُ والحياةُ مُخيفةٌ
والكلُّ ينظُرُ مَن تُراهُ مُعينُها؟
تلكَ الدّيارُ بعزِّها باتتْ سُدًى
والحزنُ في الأعطافِ قرّ مُهٍينُها
ماتتْ عُروبتُنا، وشاخَ بهاؤها
أرواحُ تُزهَقُ والعدوُّ يُشينُها
ما مَنْ يُجِيرٌ اليَوْم يهدي نُصرَةٍ
ما من مضمّدِ جرحِها فيزينُها
تمضي عروبتُنا بلا شيءَ لها
وَيْح الزّمانُ فقد سَلاَهَا دِينُها
كم من جبانٍ يعتلي أسوارَها
كم من لئِيم خَانَها وَيُهينُها
ومُجاهِدونَ يُغالبونَ عدوَّهُم
ما من معينٍ أو مجيزٍ يصونُها
هل ضاع في الأعراب دينُ محمّدٍ
حتّى تناولها الغريبُ يخونُها
رحلَ الوفاءُ من القلوب فأقفرَتْ
وغدا فسوقُ الظالمينَ يُدينُها
لكنّ نوراً في الظّلام أخالُهُ
عُربٌ تّهُبُّ ورَبُّنَا سيصونها
ألحقُّ يعلو فانتظِرها لُنُصرَةٍ
فالكُ لُّ يَنْزِفُ ... طينُهُمْ أم طينُها!
////////////////
طاهر مشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق