الأحد، 8 مايو 2022

قصة للأطفال : برّوكة/ تأليف الأديب محمد الهادي بن عبدالله

 قصة للأطفال : برّوكة/ تأليف : محمد الهادي بن عبدالله

****************
كما حكتها الجدة، بعد أن أخذت مجلسها على الرمل الرطب ، ليلة صيف منعشة ، ونحن من حولها كالكتاكيت
الصغار ، على درجة عالية من الإنتباه والتشوق.
كان لباسها التقليدي يزيدها وهرة وجمالا .
ففي ليلة من الليالي حدثتني جدتي حديثا خياليا حلوا .
قالت :
يا ولدي سأحكي لك " خرافة برّوكة " .
تجمعنا انا واخواتي حولها وبدأت تحكي :
كان يا ما كان ..كان في قديم الزمان رجل يسكن بيتا متواضعا مع زوجته وأبنائه الخمسة .
كان الوقت ضحى عندما طرقت الباب عجوز شمطاء، مقوسة الظهر ، كثيرة الشعر الأشعث..خرجت الزوجة لترى من الطارق ، فإذا بالعجوز تدخل باكية وتقول :
- اين إبن أختي ؟ أين إبن أختي ؟
بقيت الزوجة مستغربة من هذا الأمر.
من تكون هذه العجوز ؟ لم يخبرها زوجها بأن خالته مازالت على قيد الحياة .
قدمت الزوجة للضيفة طعاما فاكلت ، وشرابا فشربت، وبقيت تنتظر قدوم إبن أختها الذي لا يزال يعمل في حقله البعيد .
سلم الأطفال على خالتهم العجوز ..اعطتهم حلوى ملونة ففرحوا بها ..جروا هنا وهناك ولعبوا حتى عاد ابوهم من عمله ..
عاد زعرور من العمل ، فقامت العجوز وآحتضنت الرجل وبكت ثم قالت :
- نسيت خالتك يا زعرور ؟ طالما حدثتك أمك عني ..هكذا نسيتني !..
إستغرب الرجل من حديث العجوز، ولكنه تقبل الأمر شبه مكره ..لا يهم إنها إمرأة كبيرة عاجزة ..سيقبلها ضيفة ..
قالت" بروكة" لزوجها زعرور :
- يا رجل أظن أن هذه العجوز دبة ، ستأكلنا ..
قال زعرور :
- احسني الظن بالعجوز يا إمرأة..نعم هي خالتي مرجانة ..
طالما اعطتني بيضا وحليبا وخبزا..
ومضت ثلاثة أيام والعجوز تظهر للعائلة الكثير من الود ..
واليوم لما عاد زعرور من عمله إعترضته العجوز ، وفي غفلة من زوجته ، قالت له :
- يا آبن أختي ، أطعمني إبنك الصغير ..
قال زعرور مبهوتا :
- كيف ذلك يا خالتي ؟ امه" بروكة" لا تقبل ..
قالت العجوز ضاحكة :
- لا تعلمها ، قل لها بأنه ذهب ولم يعد ..سيعوضك الله بخير منه ..
إحتار زعرور في أمره ولكن العجوز أصرت على موقفها .
أخبر الرجل زوجته بطلب خالته الغريب .
قالت الزوجة :
- هذا ما كنت أخافه ، إنها دبة بحق .. الحل الآن ان تخفي إبنك وتأتي لها بجثة حيوان فتطبخه لها وتأكله.
فعل الرجل ما أشارت به عليه زوجته .. ثم أخفى إبنه في مكان آمن فوق السطح ..
كنا نستمع لحديث جدتنا بآستغراب وبتعجب..كانت الخرافة شيقة جدا ..
بعد اسبوع أخر جددت العجوز نفس الطلب ..أن يطعمها زعرور إبنه الثاني ..
فعل الرجل كما فعل من قبل ..
وتواصل طلب الخالة ، حتى أكلت كل الأطفال ..في الحقيقة أكلت كل الجثث التي جلبها زعرور من أماكن بعيدة ..أما أطفاله فإنهم بأمان في مخبإ فوق السطح ..
كانت "بروكة" زوجة زعرور خائفة ..فهذه العجوز شريرة لم يقدر زوجها على التخلص منها .. لقد آستغلت طيبته وكذبت عليه ..
في صبيحة هذا اليوم دخلت العجوز على زعرور مبتسمة عندما كان وحيدا ، وكانت زوجته فوق السطح تهتم بشؤون أبنائها ، قالت له :
- يا آبن أختي ، يا عزيزي ، اطلب منك طلبي هذا ولا تخيب رجائي ..اريد منك ان تطعمني زوجتك " بروكة"..
فهي سمينة ، كثيرة الشحم واللحم ..تشبعني شهرا ..
إرتعش بدن زعرور وكاد يبكي وقال لها :
- كيف سأفعل ذلك يا خالتي ؟ فهي ثقيلة ، كيف ساضعها في القدر؟
قالت العجوز مبتسمة :
- سأعينك على وضعها في القدر .
لكن زعرور خاف من آكتشاف خطته ، فقال لها :
- سأفعل ذلك وحدي يا خالتي ..سأطبخها لك ..
وآلتحقت " بروكة" بأبنائها فوق السطح ، أيضا ..
كان زعرور في هم وضيق مما جرى له مع هذه العجوز الشمطاء..هذه الدبة السوداء ، آكلة اللحوم دون شبع ..
كان زعرور ينتظر دوره أيضا..ربما تطلب منه طلبها الأخير ، ان تأكله هو ..
نعم ، كان الأمر كما توقع ...
بعد عشرة أيام قالت له :
- سامحني يا بآن أختي..أنا جائعة ..اريد ان أشبع من جديد ..انت .. أنت كذلك سمين مثل " بروكة" ..كان لحمها لذيذ الطعم..الليلة اريد ان أتذوق من لحمك ، فهو طري شهي ..
لم يتفاجأ زعرور بطلب العجوز .. لقد كان مستعدا لهذا الأمر..لقد أحضر جثة إحتياطا لما قد يحدث ..
قال زعرور :
- حاضر يا خالتي العزيزة ، سيكون عشاؤك من لحمي أنا الليلة ..وخرج ..
أكلت الدبة اللحم حتى شبعت ثم نامت ..
وآلتحق زعرور بعائلته فوق السطح ..
كانت الشمس دافئة في هذا اليوم الربيعي .
جلست الدبة أمام البيت وبدأت تبكي وتنوح وتقول :
- اين انت يا آبن أختي العزيزة ؟ رحلت وتركتني وحيدة اقاسي الجوع والعطش ..
وبدأت تبكي وتشهق : آي ..آي ..آي ..
نفشت شعرها كالغولة ، وآحمرت عيناها وكشرت عن أنيابها ونظرت هنا وهناك فلم تجد أحدا..
إسترسلت في البكاء والنحيب..
رق قلب زعرور لحالة خالته المزعومة فنطق دون وعي :
- أنا هنا يا خالتي مع " بروكة " واطفالي ..
أتى الصوت من أعلى..رفعت الدبة بصرها فرات كل العائلة فوق السطح ..
كانت المفاجأة كبيرة لما رأت هذا المشهد ..
أشعلت النار في شعر رأسها ، وصاحت منفجرة مهددة :
- سآتيك يا آبن " الزبرطع والنبرطع " ..إبق هناك سآكلكم..
وهمت الدبة بالصعود فوق السطح ..كان جسمها ثقيلا ..
وآنهال عليها زعرور وزوجته وأطفاله بالحجارة ، حتى أردوها قتيلة ..
هكذا تخلصوا من شر هذه العجوز الشمطاء، هذه الدبة السوداء ..
في الاخير قالت جدتي :
- "خرفتنا هابه هابه، كل عام تجينا صابه."
وكأننا افقنا من حلم ممتع ، قلنا لجدتي:
- هل هذه القصة حقيقية ؟
إبتسمت وقالت :
- لا يا أحفادي..حكاية قديمة قدم الزمن ، حكاها لي جدي ..وجدي حكاها له جده ..وجده حكاها له جده الآخر ..إنها خرافة نقضي بها الوقت ..نحكيها
للصغار حتى يأخذوا منها العبر ..
قبلنا جدتنا، وضحكنا وقلنا :
- خلصنا من الدبة ..فالحكاية كذبة في كذبة..إنها خرافة حلوة ..
***** إنتهت الخرافة ********
محمد الهادي بن عبدالله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق