الأحد، 28 أغسطس 2022

 قصة قصيرة     *مفاجأة * بقلم الأديبة حبيبة محرزي 

 قصة قصيرة

    *مفاجأة *

تحطّ الطائرة على أرض الوطن الذي تركه منذ أكثر من ثلاثين سنة ليعمل مهندس بترول في إحدى بلدان الخليج كي يحسّن وضع أسرته. فلا يقاسي ابناؤه الفقر والحرمان مثلما قاسى هو وإخوته .

صور أبنائه يمرّرها مبتسما على شاشة الهاتف عندما كانوا يزورونه في العطل مع امًهم فيجنّح بينهم فرحا وسرورا. يقتني لهم الملابس والأدوات المدرسية والأحذية الرّياضيٌة من الماركات العالمية. 

لم يكن يرفض طلبا لزوجته في شراء الاساور الذّهبيّة وعقود اللّؤلؤ والمرجان  وملابس الحرير والعطورات وأدوات الزينة.

لم يعد إلى بلاده الا مرة واحدة ليحضر جنازة أمه. يومها بدا غريبا. إخوته كبروا ووخط الشيب رؤوسهم. لم يتعرف على أبنائهم الذين صاروا شبانا وشابات.

اليوم قرّر العودة. سيراضي إخوته وأواولادهم  سيصادق أبناءه . لن يقسو عليهم حتى إن خابوا في المدرسة وعجزوا عن تسلّق سلٌم العلم والمعرفة فسينشء لهم مشاريع تدرّ عليهم الخير الكثير بتوجيهاته ومتابعته لهم. سيجعل منهم رجال أعمال مشهورين ناجحين.

 هاتف زوجته منذ يومين يعلمها برجوعه قريبا. وعدته بأن تنتظره في المطار لكنها طلبت منه إبقاء الأمر سرّا ليفاجئ الاولاد الذين لم برهم منذ سنوات بسبب انشغالهم ورغبتهم في قضاء العطل في مدينتهم السياحة للتًنعم بالبحر والشواطئ الذهبيّة.

مشى في الرواق الذي تزاحم فيه الأهل والاقارب وقد غرقوا في عناق وقبل ودموع .

مدّ عنقه. لوّح بيده لعلّها تراه، لكن لا أحد يردّ أو يقترب. تقدٌم وهو يقلّب البصر في كلّ اتجاه .

يستلّ الهاتف من جيب سترته .رسالة من حبيبة عمره  تقول ( استقلٌ سيارة تاكسي وتعال .نحن في شقٌتنا  ببيت العائلة ننتظرك. لا تطرق الباب .المفتاح تحت السجاد أمام الباب.)

لم ينتبه الا والسائق يعلمه بانه وصل. نقده الأجرة وجر حقيبته الكبيرة الثقيلة. فتح الباب بتؤدة. صدمه الظلام.

تلمّس الجدار بحثا عن زرّ النور فوجده مخرٌبا .استعان بالضوء الكاشف من هاتفه الجوّال حتى رأى زرّا آخر سليما.. رائحة رطوبة حادّة تصدمه.

يجوب الغرف والمطبخ. قد يكونون هنا أو هناك لإحكام المفاجأة جيٌدا..يرفع صوته "محمود رياض، شيماء....انا هنا ...بابا وصل..."

فراغ وسكون رهيب لا يقطعه الا مواء قطط سائبة جائعة في الشارع. 

 ارتمى على الكنبة وفي نفسه كلام كثير يتزاحم (سيظهرون، الآن صار بينهم سيستغلّ ما تبقّى من عمره في إسعادهم وضمان مستقبلهم ، 

أمّهم فسياخذها إلى الحج ثمّ في جولة عبر العالم ،طالما تمنّت زيارة ماليزيا وأوروبا ، هي سنده وأمينة سرّه 

وماله وعرضه ،سيجازيها خير جزاء) 

فجأة وقع بصره على أوراق منتشرة على الطاولة التي تتوسط قاعة الاستقبال : اقترب مستفسرا وهو يستلّ نظاراته من جيب سترته  فإذا هي صور مطابقة للأصل تقرّ ملكية زوجته لكل ما أنشأ من عمارات شاهقة في المدينة السياحية وديار بحدائق غنّاء وضيعات فلاحيّة شاسعة. 

شعر بدوار وجفاف في الحلق وهو يتأمل ورقة بختم قضائيّ "وثيقة خلع للضّرر " تحتها عقد زواج حبيبته مع صديق عمره المحامي الذي كان يشرف معها على مشاريعه بأمانة وإخلاص .

حبيبة محرزي 

تونس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق