الجمعة، 27 أغسطس 2021

من يوميات مربية زمن الكورونا بقلم سهام الشبعان حرم بن حميدة

 من يوميات مربية زمن الكورونا

أرقت المربية ليلتها تفكّر ترى هل سيحالفها الحظّ في معرفة ما آلى إليه ملف ابنها الذي يشتغل بمكان ناء و شارك كغيره من الشبان في حركة النّقل لعله يظفر بضالّته
استفاقت على صوت آذان الصّبح صلت و قرأت ما تيسر من القرآن فقرآن الفجر مشهود تعطّرت المربية بالتقوى و التوكّل على الباري انبلج نور الصبح و القى رداءه على الكون و انتشرت رائحة بكر تعم الأرجاء ونهضت الشمس مرسلة أشعتها تبشّر بيوم جديد يحدوه الأمل لم تكن الوزارة بعيدة عن مكان إقامتها و في طريقها إليها كانت تردد دعاء حفظته: باسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، باسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء الا الله، باسم الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله، باسم الله ما شاء الله و لا حول و لا قوة الا بالله"
ففي كل خطوة تخطوها كان الدّعاء سلسبيلا يغذي روحها الطاهرة النقيّة
حملت بطاقة هويتها و لم تنس ذلك المعقّم فهي تحترم كل ما يتعلق بالبروتوكول الصحيّ زمن الكورونا وصلت الوزارة عمارة متشعبة المسالك و المدارج سالها الحارس ماذا تريدين و من تريدين؟؟؟
اريد السيد فلان مدير الشؤون الاجتماعية .ثمّ تبعثرت الكلمات على شفتيها و تلعثمت لا أدري اريد الاستفسار عن ملف ابني
ضحك الحارس و سمح لها بالدخول دون أخذ بطاقة هويتهافيكفي أنّها قالت له أنا أم أتيت من أجل ابني قالتها بكل ثقة في أمومتها و الابتسامة تعلو محيّاها وبسرعة أردف الحارس:
"اصعدي ذاك السلّم الطّابق الأول ستجدين ضالّتك."
سعدت المربية بذلك إذ لا توجد عرقلة لمساعيها صعدت السلم مترجلة دون ان تنتبه لوجود مصعد كهربائيّ متجاهلة ألم المفاصل الذي تعاني منه ...الطابق الاول المدير في اجتماع الطابق الثاني المسؤول مشغول أصابها دوار و توزعت آمالها بين التحقيق و الاضمحلال!!!هل انتظر؟هل أغادر؟ ساعديني من فضلك يا ابنتي هكذا كانت المربية تتحدث مع سكرتيرة المسؤول سرّحت بصرها في المكان تنتظر مساعدة ... املا ... كلمة طيبة تنير عتمة نفسها قالت السكرتيرة اصعدي إلى الطابق الثالث فهناك مسؤول مهتم بملفات النقل اسأليه سيساعدك ... هاقد وصلت و لا تدري مع من ستتحدث لا واسطة لديها فقط تقودها امومتها طلبت الاذن لكن السكرتيرة بكل لطف امرتها بالانتظار لا بأس فقد انتظرت طويلا ما ضرّ لو أضافت إلى حلقة الانتظار سلسلة لم تمانع المربية فقد تربّت على أصول التعامل المحترم ... و اخيرا سمح لها بالدخول دخلت و هي محترمة لكل مقوّمات البروتوكول الصحيّ كمامة بفمها و معقم بيديها و مسافة امان بينها و بين المسؤول الذي ردّ السلام على مضض ثم امر المربية ان تبتعد عنه ثلاثة امتار يريد السلامة لنفسه ردّد .." هناك خذي كرسيّا و اجلسي، لا تقتربي" سلوك صادم منذ البداية فلعلّ الكورونا أفقدت الناس عقولهم و قيمهم و ارتعشت كرامتها ثأرا لنفسها و همست:" أشباه رجال و لا رجال" ثم شقّ المسؤول صمتها قائلا :من أنت و ماذا تريدين؟ فسبق وابل دموع كلامها و خنقتها عبرة اصطدمت بجدار من الذلّ و الهوان ثم و لتواضعها و طيبتها ألصقت التهمة بالكورونا التي أفقدت الناس صوابهم... استجمعت قواها و قالت: أنا أمّ مستعدة ان تتقبّل إهانات العالم كلّه المهم ان تطمئنّ على ملف ابنها الذي ارهقته الغربة و ربّما سوء الطالع لأن والديه لا يملكان المال و لا واسطة لها فقط امومة صادقة تحرّك قلبها لقد درّسته و سهرت الليالي على تربيته ولم يقابل تضحياتها بالخذلان او الفشل بل كان في الموعد مع النجاح انا امّ جئت اسال عن ملف ابني وحيدي بعيد عني و متعب و استسلمت لوابل من الدّموع لكنّ دموعها لم تلامس قلب ذلك المسؤول بل صرخ في وجهها :
ابنك رجل و انت تبكين وضعه!!! فتساءلت ترى هل الرجولة تعني ثصحر المشاعر؟لماذا نعتبر الرجل صخرا جلمودا لا يجب ان يبكي أو نبكي من اجله فهو يتألم يتألم..ثمّ اردف انا اخي بقي في مكان ناء لعشر سنوات كي يظفر بنقلته و كانني بلسان حاله يتّهم ابنها بعدم الرجولة هنا صرخت المربية " ابني رجل و هو سيد الرجال "
و و لكنّه إنسان كائن حيّ يحسّ و يألم فجاة صرخ المسؤول مناديا وداد وداد هل ملف هذا العون وصل في الاجال المحددة فقالت نعم كانت تسترق النظر الى المربية التى اصبح وجهها سابحا في بركة دموع ونزّ عرق غسل ثوبها الأنيق فالتصق بجسدها توسلت رشفة ماء ولم تجد ما يبلّل ريقها كلمة طيبة تبشر بوجود أمل لقد مات الانسان في الانسان وضمرت كل القيم وبعد وجوم نظرت المربية الى السكرتيرة نظرة استجداء وتواشجت امومتهما و أشارت الى المربية أن اتبعيني فساساعدك لتوها نهضت المربية و هي تمطر ذاك المسؤول بعبارات الاعتذار لا يهمّ المهم ملف ابنها ولكن باءت المحاولة بالفشل فقد لحق المسؤول بالسكرتيرة و منعها من الحديث مع المربية يا الله لم يرحمها و لم يترك رحمة الله تنزل عليها تباطأت المربية في سيرها و استرقت السمع نعم قال المسؤول " ما هذا ام تبكي و لها رجل" نعم ليس من حقها البكاء لقد واجه طيبتها بالجحود و النكران و كأنّ هناك ثارا قديما بينهما نزلت المربية و هي شاردة الذهن ضائعة الوجهة ...ترى اين انا وجدت نفسها في مكان غير المكان هل مقرّ الوزارة قد انتقل الى مكان آخر هل أضاعت طريقها و اذا بشيء يصرخ بداخلها ابني محتاج لمساعدتي عليّ ان الاقي وداد مهما كلّفني الأمر... و بينما كانت المربية تحدث نفسها وجدت امامها امراة لا تعرفها سمراء ربعة مبتسمة تبدو على وجهها ملامح طيبة الفتها نفس المربية السمحة الخلق قالت لها دون تكلف :" أختاه هل لك بمساعدة ام أهانوها و لكنها مصممة على مساعدة ابنها ؟"
بقيت المراة صامتة لم تفهم ما يحدث. فاردفت المربية :"هناك امراة في الطابق الثالث تدعى وداد ارادت مساعدتي أخبريها انني انتظرها تحت قولي لها امّ ترجو املا تعيش به الى حين خروج نتيجة النقل"
الغريب ان المراة قبلت المساعدة و دون مقابل انها تشبه وداد .... المسؤول فقط تنقصه اصول التربية و و التعامل مع طالب حاجة ... بقيت المربية تنتظر و هي تردد ذلك الدعاء لانها تعلم علم اليقين انّ الله لن يخذلها و لن يخذل امومتها و فعلا عادت السمراء برسالة شفوية من وداد كانت كمثل الطل على زهرة ذابلة قالت :" ان وداد تقول لك إنّها ستبذل قصارى جهدها لمساعدة ابنك" و طلبت رقم هاتفها لتعلمها بالخبر اليقين دعت المربية للمراتين خيرا و هذه المرة عرفت مسلك الخروج نعم وجدت نفسها امام مقر الوزارة و رجعت الى البيت تترنح.. روحها تغرد انشودة الامومة واثقة من ان ربّ السماء لن يخذلها رفرف قلبها و نزعت عنها قشور الخوف و الهلع و تراءت امامها صور جميلة تتناسل في ثنايا روحها و أحسّت بوقع صوت المطر على روحها... المطر خير و بركة و حياة نعم كانت سعيدة من حين لآخر تلقى التحايا في وجه من تعرفه و من تجهله كانت فقط تحتاج الى جرعة امل تجعلها ثابتة على رصيف الصّبر تنتظر نقلة ابنها الى مكان قريب من منزله و نامت ليلتها و قد تسربت إلى اعماقها الفرحة من كل الجهات لتستقرّ بين ضلوعها نامت وهي تردد وداد انا أم و انت ام و كلانا حنون
بقلم سهام الشبعان حرم بن حميدة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق