قصة قصيرة بقلم : محمد الهادي بن عبدالله / تونس
** شقيق شيطانة **
أخذ بيدها الرقيقة وآختفى بها في الظلام البعيد ..غاص بها في سابع أرض ..أصوات غريبة تأتي من هنا وهناك ..صفير وشخير وأنين .. قهقهات متقطعة ، وهرج ومرج ...
- تفضلي هذا بيتنا .
نظرت إليه بآستغراب كبير .
دفعها أمامه ، ومشى بها نحو باب عملاق مشدود بسلاسل
من نحاس .. سلاسل حلقاتها كثيرة وغليظة ..
كانت كأنها في حلم مفزع .. كابوس شديد يخنقها ، يكاد يزهق روحها .
- قف مكانك .
صوت غليظ ينبعث من وراء الباب الكبير .
إرتعدت فرائصها .
ماذا يحدث هنا ؟؟
همس في أذنها: لا تخافي ، تقدمي .
حركاتها المشلولة تنبئ بشدة خوفها .
الفضاء المظلم الواسع يزداد سوادا .
ضوء شاحب ينبعث من بوابة صغيرة مستديرة .
- ما بك ؟؟ لا تخافي ، إنه هو ..
شعر رأسه كأشواك القنفذ . عيناه كجمرتين متقدتين . أذناه كحمار الوحش . أسنانه كالمسامير الحادة .
جحظت عيناها وصاحت : من هو ؟؟
جذبها من يدها وقال لها بصوت خافت : لا تخافي ولا تحزني ، إنه هو ، ستعرفينه فيما بعد .
فُتح الباب على مصراعيه . ظهر تمثال غريب من بعيد . رأس فيل في جسم جمل .
تقدمت معه بخطى متثاقلة نحو ساحة صغيرة محاطة بالصخور السوداء .
يجلس هناك على الصخور شبه رجال ونساء وأطفال .
لم أتمكن من رؤية وجوههم ، لقد أسدلوا عليها قطعا سوداء من قماش خشن .
تفوح روائح لم أعهدها من قبل .
جرت نحونا فتاة كشيطانة قبيحة وحاولت الإمساك بيدي .
خفت وقفزت إلى الوراء .
- قلت لك لا تخافي . إنهم هم .
- من هم ؟؟
- لا تخافي ، مدي يدك وسلمي عليها .
- من هذه؟
- ستعرفينها ، لا تقلقي .
مدت يدها لتقع في يد حرشاء ، مملوءة بدمامل سوداء .
صاحت وأرتدّت إلى الوراء بسرعة . كان الخوف يملأ قلبها
الرقيق .
- يا إلهي ، أين أنا؟
مسح على رأسها برفق وآبتسم .
- أنت يا جميلتي في بيتك .
- بيتي ؟؟
- ماذا تقول ؟؟
- نعم ، في بيتنا الجديد .
- بيتنا الجديد ؟!!
إنبعث ضوء أزرق خافت من وراء حائط كبير ، حجارته رمادية اللون .ظهر شبه رأس آدمي . قهقه بصوت خشن عال ثم آختفى سريعا وراء كومة من تراب أصفر اللون .
- يا له من شقي ..أخي العشرون بعد الألف .
قالها مرافقها بضحكة ساخرة .
ضغط على يدها ، وآستدار بها في مسلك ضيق ، ثم في دهليز مظلم قليلا .
أشار إلى صناديق حديدية كبيرة ، وقال بصوت حزين :
- هذه كنوز جدي . تركها منذ آلاف العقود وآختفى .كان جدي جميلا وحنونا ، وكان يحبنا ونحبه .
- جدتي تجاوزت الألفين من العمر . مازالت جذابة .شعرها كالذهب الوهاج ، لكنه كالإبر الحادة ..
- بيتنا هذا يعيش فيه الكثيرون والكثيرات. . الجميع سيفرح بقدومنا هذا اليوم ..
سار أمامها بهدوء ودخل غرفة صغيرة شبيهة بقلّة كبيرة جدا .جذبها بقوّة حتى كادت تسقط على الأرضية اللزجة .
أغمضت عينيها وصرخت عاليا ...
أخذ أحدهم حفنة بخور وألقى بها في الكانون الموضوع في ركن من أركان الغرفة .
زغردات رقيقة حادة تشق الرؤوس تنبعث من هنا وهناك ...
إيقاعات راقصة تسمع من خلف أزهار وورود كثيرة وكبيرة ، مليئة بالأشواك الطويلة..
تسمّرت عيون بعضهم بوجه الشيخ الذي كان يهمهم بكلمات غير مفهومة .
كان الشيخ يرتعش ويتصبّب عرقا .
ساد صمت لدقائق قليلة .
أدخنة البخور تملأ المكان .
إبتسم الشيخ وقال بصوت حاد :
- كشفتك.. أخرج يا قليل الحياء وإلا أحرقتك . هيا بسرعة .. أخرج أيها اللعين ..ها هو عود الحطب المشتعل في يدي .. سأضعه في عينيك..
- سأخرج ،، سأخرج ...أنا خارج ..
صفير هنا وهناك ، كريح قويّة تعصف ..
جذبها بقوة ، ولكن ..
سقطت على الأرض وأخذت تصيح من شدة الألم .
حضرت شيطانة وآصطحبت أخاها " الجني العاشق " إلى حيث لا نعلم ...
إبتسم الشيخ ، وقال بصوت المنتصر :
- نجحنا .. كان جنيا صعبا ..