** قراءة وجدانية في قصيدة (أخي) لمصطفى الحاج حسين.
بقلم: ((زهرة زميطة)).
يشكّل النصّ الشعري "أخي" نشيدًا وجدانيًا عميقًا في حبّ الأخ، تتدفّق فيه العاطفة الصادقة بلغة شفّافة وصورٍ مفعمة بالحياة والدفء. استخدم الشاعر مصطفى الحاج حسين، البناء التصاعدي للعاطفة، من تمجيد الأخ، إلى الاستغاثة به، فالحنين إليه، ثمّ مناجاته في الغياب، في حوار داخلي يمسّ القارئ في أعمق أعماقه.
في هذه القصيدة، يصوغ الشاعر مرثية وجدانية للأخوّة، تتجاوز البعد البيولوجي إلى الروحي، حيث يتحوّل الأخ إلى وطنٍ، وأمّ، وصديق، ومخلّص من الضياع. يتدفّق النص بلغة شعرية خالية من التكلّف، محمّلة بتراكيب دافئة، تنداح في فضاء الافتقاد، والاعتراف بالفضل، والحنين، والوجع.
يحفر الشاعر ألمه بحنان، مستخدمًا صورًا بليغة مثل: "أنتَ الوطن الذي قذفوني منه"، و"قلْ للموت أن ينتظر عليّ"، ليرسم مأساة البُعد والانفصال، ويحوّلها إلى خطاب إنساني شامل، ينبض بالتأمل والاحتراق الصامت.
تمثّل القصيدة نموذجًا للشعر العاطفي الناضج، حيث تتّحد اللغة بالرؤية، ويتحوّل الأخ من مجرّد فرد في العائلة إلى رمزٍ كليّ للسند والضوء والنقاء الوجودي.*
زهرة زميطة.
** ((أخي))..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
سَيِّدَ رُوحي أَنتَ
نَبْضَ دَمي الوارِفَ بِالعَذوبَةِ
شَمسَ قَلبي
الَّذي بَدَّدتَ ظُلْمَتَه
قَبْلَ أَنْ يَغْزُوَهُ الحُبُّ
كُنْتَ أَنْتَ قَدْ طَهَّرْتَهُ
بِأَغانيكَ.
أَنْتَ الماءُ الَّذي رَوّى وُرودي
والضَّوْءَ الَّذي تَنَفَّسَتْهُ بِحاري.
مَنْ أَنا لَوْلاكَ يا أَخي؟!
كُنْتُ ضالًّا عَنْ وُجودي.
صَنيعةَ صَوْتِكَ أَنا
ثَمَرَةَ وِجْدانِكَ الأنيقِ.
تَعَلَّمْتُ مِنْكَ العَزْفَ
عَلَى أَوْتارِ الحَياةِ
وسَكَبْتَ بِأَصابِعي النُّورَ.
مَنْ كانَ يُحْييني حِينَ أَموتُ؟!
ويُنْقِذُني مِنْ هَجْمَةِ الرِّيحِ؟!
أَنْتَ مَنْ شَيَّدَ قامَتي
وفَتَحَ نَوافِذي عَلَى المَدى
عَلَّمَني والِدي بِنَاءَ الحَجَرِ
لَكِنَّكَ عَلَّمْتَني إِنارَةَ الفِكْرِ.
كَلِماتي اغْتَسَلَتْ بِطُهْرِكَ
وسَمائي اتَّسَعَتْ بِرَحابَةِ صَدْرِكَ
أَنا غُصْنٌ مِنْ أَشْجارِ رُوحِكَ
قَطْرَةُ نَدىً مِنْ فَجْرِ وُجودِكَ.
وَإِنْ كُنْتُ الآنَ أَحْتَرِقُ
لأَنَّكَ عَنِّي بَعِيدٌ
أَنْتَ الوَطَنُ
الَّذي قَذَفوني مِنْه
وَإِلَيْكَ أَحِنُّ وَأَصْبو.
يا شَقيقَ ضِحْكَتي الَّتي غادَرَتْني
أَجْنِحَةَ رُوحي المَخْطوفَةَ
لَثْغَةَ بَوْحي أَمامَ المَجْهولِ.
آهِ أَخي
لِي مِنْكَ طَلَبٌ:
قُلْ لِلْمَوْتِ أَنْ يَنْتَظِرَ عَلَيَّ
وَلَنْ أَنْسى لَهُ هذا الصَّنيعَ.
أَعْطِني فُرْصَةً...
حَتّى أَلْتَقيكَ
وأُقَبِّلَ يَدَ ضَوْئِكَ
وجَبْين نَبْلِكَ
ثُمَّ...
لا بَأْسَ أَنْ أَموتَ
قُرْبَ دَنْدَناتِ عُودِكَ.
يا أَخي...
يا أَكْثَرَ مِن أَبي
يا أُمَّ أَوْجاعي
يا صَديقَ شَهْقَتي
الأُولى والأخيرةَ.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق