مسكينٌ أنت يا قلبي
بقلم: إبراهيم العمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسكينٌ أنت يا قلبي،
كأنك وُلدت في زمنٍ لا يُجيد الإصغاء،
ولا يُجيد الحب،
ولا يُجيد أن يُربّت على كتف من يتألم بصمت.
لم تعد تجد في هذه الحياة ما يُغريك بالبقاء،
الهوى صار كظلٍّ يتبعك دون أن يُلامسك،
ونار العشق، تلك التي كانت تُدفئك،
أصبحت رمادًا لا يُجيد سوى أن يُذكّرك بما احترق.
أحلام الأرض الخصبة لم تعد تزرعك،
بل مرّت بك كما تمرّ الرياح على أرضٍ لا تُنبت،
ثلوج كانون استوطنتك،
كأنك بيتٌ مهجور في ضواحي موسكو،
وأمطار شباط،
لم تعد ترويك،
بل أصبحت تبكي عليك.
مخالب الزمن حفرت على جدرانك كلماتٍ لا تُقرأ،
قشور الفستق التي لامست شفاه من أحببت،
اختطفها الإعصار،
والأغصان التي سمعت خفقانك،
يبست من شدة الحنين،
كأنها لم تحتمل صدقك.
أوراقك، يا قلبي،
أضحت صفراء باهتة،
فقدت عطرها،
فقدت نداها،
واستسلمت لرياح الخريف،
كما يستسلم شاعرٌ روسي لقصيدةٍ لم تكتمل.
أنت قابعٌ في زاوية الزمن المنسي،
صمتك رهيب،
مهيب،
يموت كل شيء فيك،
وتبقى دقاتك الخافتة،
كأنين بيانو في بيتٍ لا يسكنه أحد.
يبقى بركانك الخامد،
يبقى تمرد لا وعيك،
يبقى ركود المياه عند شطآنك،
وأنا،
أنا لا أستطيع أن أُفسّر ما يغلي خلف شغافك،
ولا أن أُحدّد نوعية الأسلحة التي تُصنّعها،
بهدوءٍ يشبه خيانة الضوء.
أوردتك لا تنام،
ليلاً ونهارًا،
تنسج شيئًا لا يُقال،
ولا يُفهم،
ولا يُوقف.
طال صمتك،
طال رقودك،
وكل يوم،
يزداد خوفي منك،
يزداد قلقي عليك،
يزداد غضبك،
يزداد صمتك،
تكبر عزيمتك،
يرتفع الجدار،
تتراكم الأحجار،
وأنت،
أنت تُصرّ أن ثورتك لن تكون ردة فعل،
بل قرارًا يُشبهك،
يُشبه صمتك،
يُشبه عنادك.
أنت من يختار الوقت،
أنت من يُحدّد المكان،
أنت لا ترتبط بالزمان،
ولا بالمكان،
ولا بالتوقعات،
ولا بالأحكام،
لك موازينك،
لك رؤياك،
لك دروبك التي لا تحيد عنها،
ولا تملك أن تحجب الشمس،
حتى لو استهوتك رؤية الغروب.
أنت تؤمن أن كل ما في الكون،
لا يُغيّر من خاصية الفراغ الذي يحتضنك،
وأن كل ما تراه،
لا يُشوّه نقاء العدم الذي يستوعبك،
وأن كل الضجة التي تحدث في أرجاء العالم،
لا تهزّ نقاء الصمت،
الذي يغلفك،
كما يغلف الثلج مدينةً روسية في عزّ كانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق