الخميس، 4 ديسمبر 2025

المدينة بقلم الكاتب عدي ابو خبيزه

 لم تكن المدينة يومآ عبارة عن بيوت وأحياء ، أو شوارع و أرصفة ، هذا يكمن في المعنى الكتابي لا الواقعي الذي يتشكل على فن ترتيب هذه المسميات ، المدينة في قلبي أكبر من ذلك وحدودها واسعة في قلبي الذي كان من المفترض أن يكتفي في هذه المدينه ، التي باتت اليوم نوبات حزن متكررة ولم يتواجد بها أي معلم يدل على ان هناك كانت حياه تُعاش ، في مدينتي التي عشت بها ما يزيد عن خمسة وعشرين عامآ بت اليوم لا اعرف معالمها على الاطلاق !!


قد سقطت المدينة ضحية لا مثيل لها ، وعادت كما كانت في اوائل القرن التاسع عشر ، سقطت المدينة وانطفئت أعمدة النور التي تشع بالأمل ، وتداخلت شوارعها على ساكنيها و أختلط اليأس بالوجع وتشكلت غيمة كبيرة من الحزن والفقد لدى الأهالي الذين يمكثون على ارضها ، تغيرت الملامح وتناثرت ذكرياتها رأسآ على عقب ،  ولم يوجد بها سقف واحد يجمع طموح انسان ويحمية من برد الشتاء ، المدينة بكاملها بدون شكل وبدون ملامح تُعيد اتزانها مره اخرى ، بين أزقة هذه المدينة كانت هناك ذكريات لا تحدث مرتين ، وذكريات مليئة بالحب والآمان والرضا ، كانت شوارعها مفهومة وواضحة وساكنيها يمتطون المحبة أينما كانت أشرعتهم داخلها  ، ولكن باتت الذكريات اليوم مبتورة الجناحين ، لأن ثمة شئ لا يتكرر ولا يُعاد مرتين  !!


أمر اليوم خلالها وبينها ، ولكن لآ افهم ماذا حدث و أين ذكرياتي واين مدينتي التي كانت يوما من الأيام أبهى المدن في عيوني ، لا يُقاس الأمر ظاهريآ بقدر ما يُقاس داخلياً ، لم يبقى بيت ولم يبقى من أعمدة النور حتى ولو نصف ضوء ، كل شئ بات اليوم في داخلها مُعتم وغير مُلفت للنظر ، وباتت اليوم مدينتي حزينة تفتقد أحبابها وساكنيها ومن عبروا خلالها ضاحكين ، وهناك من كانت له ذكريات بين الأزقة قبل الغروب والشمس صفراء تلمع على انعكاسات الشبابيك ، اليوم الحزن قد بلغ الفؤاد وبلع الفؤاد حسرةً ومشقة على نزف الذكريات بلا عودة  !!


بين هذه الحجارات المكومة بيوت من العز والمحبة ومن إرتباطات عائلية لا تُقدر بثمن ، هذا الدمار المُخلف لم يكن أبدا سهلآ على أهله وساكنيه ومحبي المدينة ، قد إنطفات الأنوار جميعها وعمّ الحزن على أرجاء المدينة ، وتوالت النكبات على أرضها التي كآنت تشكل رونق خاص لدى سالكيها ، لم يسعني في هذا المقال سوى الشعور بالأسف للمدينة ولأهلها !!


في النهاية الإنسان هو الأداة التي تُشكل كل شئ ، ولكن مهما تعددت الأزمان وبنى الإنسان ، لآيستطيع اعادة ما تم فقدانه من ذكريات عميقة !!


دمتم بخير

مدينة المغراقة

عدي ابو خبيزه



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق