الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

الاعتدال ليس حيادا… بل موقف حاسم ضد الجحود والتطرف مقال رأي بقلم د. كامل عبد القوي النحاس

 الاعتدال ليس حيادا… بل موقف حاسم ضد الجحود والتطرف

مقال رأي بقلم

د. كامل عبد القوي النحاس


في وقت تتزايد فيه حدة الاستقطاب الفكري وتختلط فيه المفاهيم بين الغلو والتسيب يصبح الاعتدال ضرورة وجودية لا خيارا فكريا فالشريعة الإسلامية لم تأت لتصنع مجتمعا متشددا ولا لتبرر مجتمعا منفلتًا وإنما جاءت لتقيم ميزانا دقيقا يحفظ الدين والإنسان والمجتمع معا


التطرف بين الإفراط والتفريط


في ظل التحولات الفكرية والثقافية المتسارعة التي يشهدها عالمنا المعاصر تتجدد الحاجة إلى استعادة مفهوم الاعتدال بوصفه الركيزة الأساسية التي قامت عليها الشريعة الإسلامية الغراء فالاعتدال ليس حالة رمادية ولا موقفا مترددا وإنما هو منهج رباني متكامل يوازن بين متطلبات الروح والجسد ويقيم العلاقة السوية بين الثوابت والمتغيرات ويحفظ للإنسان فطرته وكرامته ويصون المجتمع من الانحراف والاضطراب


الوسطية منهج الشريعة الإسلامية

لقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحارب الإفراط كما تحارب التفريط ونهت بوضوح عن التشدد والمغالاة وتضييق ما وسعه الله على عباده كما نهت في الوقت ذاته عن التفسخ والانحلال والانحدار الأخلاقي والإسفاف والسلوك الجنسي المنفلت لأن كلا الاتجاهين يمثل خروجا عن ميزان الاعتدال الذي أمر الله به فالغلو في الدين والتفلت من أحكامه وجهان متقابلان لانحراف واحد هو الابتعاد عن المنهج الإلهي القويم


تطرف الأخذ وتطرف الترك


ولا يقتصر مفهوم التطرف على التشدد في الأحكام أو إلزام الناس بما لم يلزمهم الله به ورسوله ولا على التوسع في التكفير وإقصاء المخالف وإنما يمتد أيضا إلى تطرف من نوع آخر لا يقل خطورة يتمثل في التفريط وترك الضوابط الشرعية وإباحة الحرام ونشر الفجور والشذوذ والتلاعب بالأحكام القطعية بدعوى التطور والحرية والمساواة المطلقة مع السعي إلى حصر الدين في نطاق ضيق معزول عن واقع الناس واقتصادهم واجتماعهم وأخلاقهم وتشريعهم


الانتقائية في مواجهة التطرف


ومن أخطر ما تواجهه المجتمعات اليوم حالة الانتقائية في التعامل مع التطرف حيث يُدان شكل واحد منه بينما يُغض الطرف عن أشكال أخرى بل يجري تزيينها والترويج لها باعتبارها تحررا وتنويرا وتقدما بينما هي في حقيقتها هدم للقيم وتفكيك للأسس الأخلاقية وهذا المسلك لا يعبر عن وعي ولا عن موضوعية وإنما يكشف عن موقف عدائي من الدين والأخلاق ولا يفضي في النهاية إلا إلى مزيد من الاستقطاب وردود الفعل المتشددة واتساع دوائر الغلو


الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس الخيرية


وقد قرر القرآن الكريم بوضوح أن سبب خيرية هذه الأمة هو قيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا تخلت الأمة عن هذا الواجب فقدت خيريتها وإذا فقدت خيريتها فقدت ريادتها وتتابعت عليها الأزمات والمحن وحين تنقلب الموازين فيأمر بعض المنتسبين إلى الأمة بالمنكر وينهون عن المعروف فإن ذلك يعكس خللا عميقا في الوعي والقيم ومجلبة لعقاب إلهي لا يمكن دفعه


تجاوز القطعيات باسم الحرية


إن رفض قطعيات الدين واستباحة العري والخلاعة والتفسخ الأخلاقي وإباحة ما عدته الشريعة من الكبائر تحت شعارات الحرية وحقوق الإنسان أو غيرها من المسميات والرضا بذلك والدعوة إليه يمثل صورة صارخة من صور الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ولا سبيل للنجاة من هذا المسار إلا بالعودة الصادقة إلى وسطية هذا الدين والالتزام بما جاءت به الشريعة من حلال وحرام دون زيادة أو نقصان فالإضافة تطرف والحذف تطرف وكلاهما خروج عن منهج الله


خلاصة القول


إن الاعتدال الحق هو التزام واع لا تفريط فيه وحزم منضبط لا غلو معه وهو الضمانة الحقيقية لحماية الفطرة وصيانة الأخلاق وبناء مجتمع متوازن يحفظ للإنسان كرامته ويحقق له الاستقرار والقيم في دنياه وأخراه

             د. كامل_النحاس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق