في يوم اللغة العربية – لغة الضاد
في يومها، لا نحتفي باللغة العربية بوصفها أداة تواصل فحسب، بل نحتفي بها كروحٍ ناطقة، وكائنٍ حيٍّ يسكن الذاكرة والوجدان، ويصوغ الهوية كما يصوغ المعنى. العربية ليست لغة كلمات، بل لغة موقف، لغة تاريخٍ لم يُكتب بالحبر وحده، بل بالدمع، وبالحلم، وبإرادة البقاء.
هي لغة الضاد، تلك التي اختارتها الأصوات لتعلن فرادتها، فكانت عصيّة على الذوبان، عصيّة على الفناء، تمشي بين اللغات مرفوعة الرأس، متكئة على تراثٍ ممتد من الجاهلية إلى العصر الرقمي، دون أن تفقد أنوثتها البيانية أو صرامتها الدلالية. فيها من الموسيقى ما يوقظ الحسّ، ومن البلاغة ما يربك المعنى ليعيد تركيبه في صورة أجمل وأعمق.
العربية لغة القرآن، ولغة الشعر، ولغة الفلسفة حين أرادت أن تكون واضحة، ولغة الثورة حين قررت أن تكون صادقة. بها كتب المتنبي مجده، وبها ناجى أبو العلاء شكّه، وبها صاغ ابن خلدون نظرية العمران، وبها ما يزال الحرف يقاوم النسيان في زمن السرعة والاختزال.
وفي يومها العالمي، لا يكفي أن نمدحها، بل أن نُنصفها: أن نعيدها إلى المدرسة لغة تفكير لا لغة حفظ، وإلى الإعلام لغة وعي لا لغة تزيين، وإلى الفضاء الرقمي لغة إبداع لا لغة هامش. فالعربية لا تشيخ، إنما نُشيخها حين نهجرها، ولا تضعف، إنما نُضعفها حين نُقصيها عن مواقع الفعل والمعرفة.
اللغة العربية وعدٌ مفتوح للمستقبل، وجسرٌ بين الأصالة والتجديد، ومن لا يتقن لغته، لا يتقن الدفاع عن ذاته. فلنكتبها بحب، ولننطقها بثقة، ولنحملها كما تُحمل الرسائل الكبرى: بوعي، وبمسؤولية، وبشغف لا يخبو.
بقلم:
محمد علي الفرجاوي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق