الاثنين، 13 أكتوبر 2025

مقتطفات من رواية الكاتبة هادية آمنة

 مقتطفات من روايتي

في مساء ربيعيّ، دفعت عارم بناتها أمامها، إلا

 ابنتها شهلة التي كانت تسير خلفها، هكذا تعوّدت الابتعاد عن أنظار أمّها.

نزلن المنحدر المؤدي إلى الواحة، مشت البنات على حوافي مساكب الفول، متضاحكات، متتبعات الفراشات المرفرفة على رؤوسهن.

انحنت الأمّ وقطفت قرناً من الفول، فصصته ومضغت حبّاته الخضراء، ثمّ صرخت في بناتها محذّرةً إياهن من الابتعاد عنها.

في طرف الواحة، كان هناك خوص مسقوف بسعف النّخيل اليابس، حامت حوله دجاجات سائبات تحت حراسة كلب شرس.

ما إن شَعُر الكلب بالقادمات، حتى هرول نحوهنّ نابحاً.

خرجت العجوز العكري من مخبئها، وصاحت فيه منادية. عاد نحوها مبصبصاً بذيله، مشغولاً بالغريبات الخائفات، المحتميّات بأمهنّ وكان بين الفينة والأخرى يدور نحوهنّ مكشّراً عن أنيابه مهدّداً.

ـ شدّي كلبك علينا يا العكري!

طمأنتها العجوز قائلة:

ـ ما تخافوش، ما يعمل شيء.

وضعت طرف عكازها على رقبته، فانصاع الكلب لها متذلّلاً، تاركاً لعارم وبناتها فرصة الدّخول إلى الخوص.

بكلمات مقتضبة، رحبت العجوز بعارم، ثمّ قالت:

ـ الرّبيع ربِّع، والّلبن قراص، خافي على الصبيّة من الترّاس.

الشهوة الجنسيّة عند بني البشر تشتدّ بحلول الرّبيع؛ فهم ليسوا بمعزل عن بقيّة الكائنات الطبيعيّة، وكلّ الحواس تذعن بلا مقاومة أمام تلك الرّغبة الجامحة.

عفّة الأنثى وشرف عائلتها بين فخذيها، لذلك كان التقفيل أو التصفيح ضرورة؛ فبهذه التعويذة يُشَلّ انتصاب العصا، وتتراخى أمام جدار الصد للعضلات المتشنجة الزائدة عن المهبل.

لذلك وجب تحصين البنات من شهوات شياطين الجنّ والإنس. جاءت عارم ببناتها لتصفيحهنّ كما فعلت معها أمّها يوماً قبل زمن انبلاج نهديها.

طلبت عارم من بناتها الجلوس على حصير، فتكومن عليه مستطلعات في خوف، نحو العجوز الشعثاء التي احتجبت لبرهة خلف لحاف قذر متدلٍّ على حبل يقسم الخنّ إلى نصفين.

ثمّ دعت عارم لإدخال أول بناتها، دفعت شهلة أمامها.

من خلف السّتار، سمعن سعالاً وهمهمات، ثمّ صرخة فجفلن واجفات.

خرجت شهلة من المخبأ، محتقنة الوجه، مختنقة بالبخور الذي أسال دموعها.

مسحت قطرات الدّم المنسابة على ركبتها، نظرت لأخواتها بإشفاق، ثمّ جلست على مقعد خشبيّ أمام الخنّ، غير عابئة بنظرات الكلب لها.

شخصت عيون البنات وجلا مما سيحدث لهنّ، فقالت لهنّ أمّهن:

ـ الأمر بسيط، سأكون مع كلّ واحدة منكنّ، وأحذركنّ من الخطأ في هذا القول:

"ولد النّاس خيط وأنا حيط، ولد الناس خيط وأنا حيط."

تُفحّج كلّ واحدة منهنّ سبع مرّات على المنسج المُنحلة خيوطه، مردّدة التعويذة، والويل لها إن أخطأت، لتجعل نفسها خيطاً سهل التّمزيق، وولد الناس حائطاً في صلابته؛ حينها تجزرها أمّها في غضب وخوف.

الأمر كان هيّناً بالنسبة لهنّ، لكنه عصيّ على صغراهنّ دليلة.

• "نعِيد تصفيح هذه الفزغولة عندما تكبر وتستطيع الكلام"، هكذا قالت لها العجوز.

لكن عارم، متوسّلة، ناشدت الصّبر، وفي أعماقها توجّس، ثمّ تحسّست موضع الشّامة، التي ما كانت إلا خطين رفيعين فوق ركبتها، علامة عن جرح التّصفيح المغمور بالرّماد، الذي أسال البعض من دمها كقربان عن دم البكارة التي استطاع الفرنسيّ فضّها.

"هل أخطأتُ في قولي مثل الصغيرة دليلة؟" هي لا تتذكّر، "ربّما."

الأرجح أن هذه الطّقوس لا يسري مفعولها مع أبناء الروامة؛ هم جنس آخر، بعيون ملوّنة، فصيلة غريبة خارقة من البشر، عجنوا بدم الأبالسة، طوّعوا الحديد وركبوه.

لكم كان يُرهبها عواء القطار الهادر، الزاحف كثعبان ضخم، يخترق رأسها ويعصر أحشائها، كما اخترق قضيب الرّومي لحمها ومزّقه رغم تصفيحها

هادية آمنة 

تونس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق