الاثنين، 13 أكتوبر 2025

قصة قصيرة بقلم الكاتب : محمد الهادي بن عبدالله / تونس

 قصة قصيرة بقلم : محمد الهادي بن عبدالله / تونس


                   ** شقيق شيطانة **


أخذ بيدها الرقيقة وآختفى بها في الظلام البعيد ..غاص بها في سابع أرض ..أصوات غريبة تأتي من هنا وهناك ..صفير وشخير وأنين .. قهقهات متقطعة ، وهرج ومرج ...

  - تفضلي هذا بيتنا .

نظرت إليه بآستغراب كبير .

دفعها أمامه ، ومشى بها نحو باب عملاق مشدود بسلاسل

من نحاس .. سلاسل حلقاتها كثيرة وغليظة ..

كانت كأنها في حلم مفزع .. كابوس شديد يخنقها ، يكاد يزهق روحها .

  - قف مكانك .

صوت غليظ ينبعث من وراء الباب الكبير .

إرتعدت فرائصها .

ماذا يحدث هنا ؟؟

همس في أذنها: لا تخافي ، تقدمي .

حركاتها المشلولة تنبئ بشدة خوفها .

الفضاء المظلم الواسع يزداد سوادا .

ضوء شاحب ينبعث من بوابة صغيرة مستديرة .

  - ما بك ؟؟ لا تخافي ، إنه هو .. 

شعر رأسه كأشواك القنفذ . عيناه كجمرتين متقدتين . أذناه كحمار الوحش . أسنانه كالمسامير الحادة .

جحظت عيناها وصاحت : من هو ؟؟

جذبها من يدها وقال لها بصوت خافت : لا تخافي ولا تحزني ، إنه هو ، ستعرفينه فيما بعد .

فُتح الباب على مصراعيه . ظهر تمثال غريب من بعيد . رأس فيل في جسم جمل .

تقدمت معه بخطى متثاقلة  نحو ساحة صغيرة محاطة بالصخور السوداء .

يجلس هناك على الصخور شبه رجال ونساء وأطفال .

لم أتمكن من رؤية وجوههم ، لقد أسدلوا عليها قطعا سوداء من قماش خشن .

تفوح روائح لم أعهدها من قبل .

جرت نحونا فتاة كشيطانة قبيحة وحاولت الإمساك بيدي .

خفت وقفزت إلى الوراء .

  - قلت لك لا تخافي . إنهم هم .

  - من هم ؟؟

  - لا تخافي ، مدي يدك وسلمي عليها .

  - من هذه؟

  - ستعرفينها ، لا تقلقي .

مدت يدها لتقع في يد حرشاء ، مملوءة بدمامل سوداء .

صاحت وأرتدّت إلى الوراء بسرعة . كان الخوف يملأ قلبها

الرقيق .

  - يا إلهي ، أين أنا؟

مسح على رأسها برفق وآبتسم .

  - أنت يا جميلتي في بيتك .

  - بيتي ؟؟

  - ماذا تقول ؟؟  

- نعم ، في بيتنا الجديد .

  - بيتنا الجديد ؟!!

إنبعث ضوء أزرق خافت من وراء حائط كبير ، حجارته رمادية اللون .ظهر شبه رأس آدمي . قهقه بصوت خشن عال ثم آختفى سريعا وراء كومة من تراب أصفر اللون .

  - يا له من شقي  ..أخي العشرون بعد الألف .

قالها مرافقها بضحكة ساخرة .

ضغط على يدها ، وآستدار بها في مسلك ضيق ، ثم في دهليز مظلم قليلا .

أشار إلى صناديق حديدية كبيرة ، وقال بصوت حزين :

  - هذه كنوز جدي . تركها منذ آلاف العقود  وآختفى .كان جدي جميلا وحنونا ، وكان يحبنا  ونحبه .

  - جدتي تجاوزت الألفين من العمر . مازالت جذابة .شعرها كالذهب الوهاج ، لكنه كالإبر الحادة ..

  - بيتنا هذا يعيش فيه الكثيرون والكثيرات. . الجميع سيفرح بقدومنا هذا اليوم ..

سار أمامها بهدوء ودخل غرفة صغيرة شبيهة بقلّة كبيرة جدا .جذبها بقوّة حتى كادت تسقط على الأرضية اللزجة .

أغمضت عينيها وصرخت عاليا ...

أخذ أحدهم حفنة بخور وألقى بها في الكانون الموضوع في ركن من أركان الغرفة .

زغردات رقيقة حادة تشق الرؤوس تنبعث من هنا وهناك ...

إيقاعات راقصة تسمع من خلف أزهار وورود كثيرة وكبيرة ، مليئة بالأشواك الطويلة.. 

تسمّرت عيون بعضهم  بوجه الشيخ الذي كان يهمهم بكلمات غير مفهومة .

كان الشيخ يرتعش ويتصبّب عرقا . 

ساد صمت لدقائق قليلة .

أدخنة البخور تملأ المكان .

إبتسم الشيخ وقال بصوت حاد :      

  - كشفتك.. أخرج يا قليل الحياء وإلا أحرقتك . هيا بسرعة .. أخرج أيها اللعين ..ها هو عود الحطب المشتعل في يدي .. سأضعه في عينيك..

  - سأخرج ،، سأخرج ...أنا خارج ..

صفير هنا وهناك ، كريح قويّة تعصف .. 

جذبها بقوة ، ولكن ..

سقطت على الأرض وأخذت تصيح من شدة الألم .

حضرت شيطانة وآصطحبت أخاها " الجني العاشق "  إلى حيث لا نعلم ...

إبتسم الشيخ ، وقال بصوت المنتصر :

   - نجحنا .. كان جنيا صعبا ..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق