لَنْ تَحُولَ المَسَافَةُ مَا بَيْنَنَا
تصدير
قصيدة "لَنْ تَحُولَ المَسَافَةُ مَا بَيْنَنَا" لوحةٌ شعريّةٌ عاطفيّةٌ مكثَّفة، تستخدم لغةً طبيعيّةً مجازيّةً متنوّعةً وإيقاعًا داخليًّا مؤثّرًا، لتؤكّد على فكرةٍ مركزيّة : قوّة حبّ الأمّ الذي يتجاوز كلّ الحواجز المادّيّة، ويجعل الابن حاضرًا دائمًا في روحها ووجدانها، بل ويجعله مصدرًا لحياتها.
إنّها احتفاءٌ بالروابط الأسريّة العميقة وتصويرٌ لقدرة المشاعر الإنسانيّة الأصيلة على خلق عوالم تتحدّى قيود المكان.
---
الإهْدَاء :
إِلَى امْرَأَةٍ لَمْ تَكْتُمْ بَوْحَ المَاءِ بِدَاخِلِهَا،
إِلَى أُمٍّ هَزَّتْ أَوْتَارِي،
إِلَى طِفْلٍ لَمْ أَعْرِفْهُ وَلَكِنْ أَسْكَنْتُهُ حُبًّا أَشْعَارِي...
---
لَنْ تَحُولَ المَسَافَةُ مَا بَيْنَنَا ... يَا بُنَيْ ... لَنْ تَحُولْ ...
هَوَاكَ الغَمَامَه ... وَرُوحِي الهُطُولْ ...
سَيَأْتِيكَ حُبِّي ... بِأَمْطَارِ قَلْبِي ...
لِتَخْضَرَّ فِي رَاحَتَيْكَ الحُقُولْ ...
بَعِيدًا أَرَاكْ ... وَلَكِنَّ بُعْدَ المَسَافَةِ ضَاقْ ...
فَحَيْثُ اتَّجَهْتُ أَرَاكَ حَبِيبِي،
وَحَيْثُ اتَّجَهْتُ أَرَاكَ المَلَاكْ ...
تُنَادِينِي: "مَامَا" ... فَيَهْتَزُّ كُلِّي،
وَتَصْحُو عَلَى مُقْلَتَيَّ ابْتِسَامَه،
فَأَهْفُو إِلَيْكْ ... أَكَادُ أَطِيرْ،
بِحُضْنِي أَضُمُّكْ... بِقَلْبِي، بِرُوحِي، بِنُورِ العُيُونْ،
فَيَخْضَرُّ غُصْنِي، وَيُثْمِرُ فِيَّ اللِّقَاءُ الحَنُونْ ...
فَهَيَّا تَعَالَ وَخَفِّفْ عَنَائِي،
تَمَلَّكْ جُمُوحِي وَأَطْلِقْ جَنَاحِي،
لِيَأْتِيَكَ صَوْتِي المُعَنَّى يَقُولْ :
سَتَبْقَى حَبِيبِي، وَلَوْ شَرَّدَتْنَا الدُّرُوبُ سَتَبْقَى،
سَتَبْقَى قَصِيدِي، سَتَبْقَى نَشِيدِي،
سَتَبْقَى الدِّمَاءَ الَّتِي فِي وَرِيدِي ...
فَيَا قِبْلَةَ الوَرْدِ وَاليَاسَمِينْ،
وَيَا مَلْجَأَ الطَّيْرِ وَالحَالِمِينْ،
وَيَا مَوْطِنَ العِشْقِ وَالعَاشِقِينْ،
أَيُّهَذا المَلَاكْ، أَيُّهَذا الأَمِيرْ، أَيُّهَذا الحَبِيبُ تَعَالْ،
فَأَنْتَ الضِّيَاءُ، وَأَنْتَ الشُّمُوسُ التِي لَنْ تَغِيبْ،
وَأَنْتَ البُحُورُ، وَأَنْتَ تَبَاشِيرُ فَجْرٍ جَدِيدْ،
وَأَنْتَ البَعِيدُ القَرِيبُ القَرِيبْ...
إِذَا مَا احْتَوَانِي هَوَاكْ،
تَحَدَّيْتُ كُلَّ الصِّعَابْ،
وَأَلْفَيْتُنِي جَنَّةً فِي مَدَاكْ،
فَلَوْلَاكَ مَا كُنْتُ، مَا كَانَ لِي أَنْ أُحِبَّ سِوَاكْ،
وَلَوْلَاكَ مَا كُنْتُ، مَا كَانَ لِي أَنْ أُحِبَّ الحَيَاةْ،
وَلَوْلَاكَ مَا كُنْتُ، مَا كَانَ لِي أَنْ أَفُكَّ القُيُودْ،
أَنْ أَدُكَّ الحُدُودْ،
أَنْ أَسِيرَ عَلَى الجَمْرِ،
وَلَنْ يُوقِفَ السَّيْرَ خَوْفُ الهَلَاكْ...
فَيَا رَاغِبَ القَلْبِ، حُبِّي غَلَبْ،
وَحُبُّكَ عِطْرٌ بِرُوحِي انْسَكَبْ،
أَرَاهُ اصْطَفَى وَرْدَةً فِي كِيَانِي،
وَأَذْكَى شَذَاهُ الهَوَى المُسْتَحَبْ،
فَأَنْتَ لِعُمْرِي مَوَاوِيلُ عُمْرِي،
وَأَنْتَ لِجِيدِي سِوَارُ الذَّهَبْ،
وَأَنْتَ اخْضِرَارُ الرُّؤَى فِي خَيَالِي،
وَأَنْتَ الغَدُ المُشْرِقُ المُرْتَقَبْ ...
بقلم : سليمان بن تملّيست
2015 / 3 / 8 جربة في

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق