متاهة الوجدان
أمشي في دهاليز نفسي
كأنّني فكرةٌ تهرب من عقلٍ مثقوبٍ بالأسئلة.
الواقعُ يمدّ لي يده بملمسٍ من طين
والإحساسُ يلوّح لي بريشةِ ضوءٍ
لا تستقرّ في الفراغ.
أُصغي إلى صوتي وهو يتهجّى ذاته
يتلعثم بين «أنا» و «من أكون»
يبحث عن معنىً للاتزان
في رقصةٍ بلا موسيقى.
كلُّ فكرةٍ نبتت في رأسي
تحملُ وجهَ شتاءٍ قديم
وكلُّ شعورٍ يمرُّ بي
يتركُ رائحةَ مطرٍ على جدار القلب.
يا وجعي الجميل
كيف استطعتَ أن تجعلَ الحيرةَ فنًّا
والانكسارَ لغةً يفهمها الضوء؟
أكتبُ لأرى نفسي
لكن الحروفَ تتبخّر قبل أن تصيرَ معنىً
كأنّها تخافُ أن تُعرّي الوجدانَ
أمامَ مرآةِ الوعي.
ثمّ أتمشّى في ظلالي
كأنّي فكرةٌ تاهت عن أصلها
تبحثُ عن جسدٍ يسكنُ المعنى
أو عن إحساسٍ يبرّرُ وجودها
بين الصمت والكلمة.
الوعيُ يلتفتُ إليّ من جهةٍ غير معلومة
ويسألني:
هل أنتِ من تشعرين
أم الشعورُ هو الذي يحلم بكِ؟
الزمنُ هناك
يقطّرُ نفسهُ في ساعةٍ مبلّلةٍ بالاحتمالات
يضحكُ من ترتيبنا للثواني
وكأنّنا نُقنّن الفوضى
في قارورةِ يقين.
الوجدانُ… هذا الكائنُ المائع
يمتدُّ بين عقلي وقلبي
مثلَ نهرٍ من وهم
تتكسّرُ على سطحه المرايا،
فتلدُ من كلّ انكسارٍ وجهًا جديدًا لي
كأنّني مشروعُ كينونةٍ لم تكتمل بعد.
أُمسكُ بفكرةٍ فتذوب
أُمسكُ بشعورٍ فيتحوّل إلى سؤال
والسؤالُ ينبتُ جناحين من الغياب
يحومُ حولي حتى أختنقَ
من المعنى الذي لا يُقال.
كلّ ما فيَّ يتنافر
النورُ يريد أن يهربَ من العين
والعتمةُ تبحثُ عن قلبٍ تليقُ به.
أحيانًا أظنّ أنّني لستُ سوى ذاكرةٍ
تتذكّر نفسها
أو حلمٍ أدركَ أنَّه ليس نائمًا
أو صدىً فقدَ الصوتَ
الذي كان يُبرّره.
هل الوجدانُ وعيٌ مقلوب
أم هو مجرّدُ كذبةٍ
نحاولُ أن نحبّها كي لا نفنى؟
في النهاية
أعودُ إلى متاهتي الأولى
ألمسُ جدارَ الشعور بأطرافِ عقلي
فأكتشف أنّ الحواسَّ كلّها
ليست سوى أبوابٍ مفتوحةٍ على اللاّشيء
ومع ذلك
حين أغمضُ عيني
أشعرُ بأنَّ اللاشيءَ ليس فراغًا
بل احتمالًا نائمًا في رحم الوعي.
هناك، في الصمتِ البعيد،
تتكوّرُ نطفةُ النور الأولى
تُحاورُ الظلَّ وتُسامحه
كأنَّ الوجدانَ كان منذ البدءِ
مرآةً تبحثُ عن وجهِها في الضباب.
ربّما الخلاصُ ليس في الفهم
بل في الإصغاء لما لا يُقال
وفي قبولِ التيه كطريقٍ نحو الاكتشاف.
فمن رحمِ الغموض
تولدُ الحقيقةُ على مهل
مثلَ وردةٍ تنبتُ من حجر
تسقيها دمعةُ المعنى
وتحرسُها رعشةُ الحنين.
هالة بن عامر تونس 🇹🇳

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق