الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

** ((الرواية السورية والثورة: بين الجرح والمعنى)). بقلم الكاتب (مصطفى الحاج حسين).

 ** ((الرواية السورية والثورة: بين الجرح والمعنى)).

(مصطفى الحاج حسين). 


في خضم واحدة من أعنف المآسي الإنسانية في العصر الحديث، وُلدت موجة من الروايات السورية تحاول أن توثّق، تفسّر، أو تتجاوز الجرح السوري المفتوح. لكن هذه الروايات لم تكن متساوية في القيمة ولا في الصدق. بعضها اكتفى بلعب دور الناقل الصحفي

، وبعضها انجرف نحو الابتذال أو الدعاية، في حين حاولت قلة نادرة أن تخلق أدباً حقيقياً ينتمي إلى الفن والناس معاً.


انشغلت معظم الروايات بإعادة إنتاج صور الموت، الاعتقال، النزوح، التشريد، الغرق، والسجون، لكنها لم تتجاوز في الغالب  الدور التوثيقي الفوتوغرافي. لم تكن الرواية تُكتب لطرح الأسئلة أو تفكيك البُنى القمعية أو تأمل الجرح الإنساني، بل كأنها تقارير ميدانية تصلح للنشرات الإخبارية أو بيانات المنظمات الحقوقية.


صُوّرت المرأة السورية في عدد من الروايات إما كضحية باغية أو كبغيّة ضحية، دون تعقيد إنساني حقيقي، ودون مساءلة للبيئة أو للخيارات، وكأن الجسد الأنثوي صار رمزاً للعهر السياسي أو بوابة للتكفير عن "العار الوطني"، مما حوّل الروايات إلى مساحات لإثارة الشذاذ والمراهقين لا لمساحات تفكير حقيقي.


بعض الكتّاب مارسوا نفاقاً معلناً، فتذاكوا على السلطة، وغازلوا الثورة، وتحدثوا بلغة رمادية غامضة بدعوى "الحياد الأدبي"، بينما كانت نصوصهم تنبض بالتواطؤ. هكذا خسروا أخلاق الفن ووضوح الموقف معاً.


رغم المأساة الشخصية، لم تنجُ بعض روايات المعتقلين من الإنشائية، السطحية، واللغة الركيكة. ومع ذلك، لاقت هذه الأعمال احتفاءً نقدياً ومؤسساتياً كبيراً، لا بسبب الجودة الأدبية، بل تحت ضغط التعاطف الإنساني، الذي تحوّل إلى بديل عن الذائقة.


الرواية السورية في زمن الثورة انقسمت إلى ثلاث تيارات:

1- توثيقي، صحفي.. يصور الألم دون اختراقه.  

2 - دعائي، فج.. يخدم أيديولوجيات أو رغبات مبتذلة.  

3 - فني، مقاوم.. نادر، عميق، إنساني، يطمح لتجسيد المعنى لا استهلاك الجرح.


في النهاية، ما نحتاجه ليس بكاءً أدبياً على الجرح، بل أدباً يخلخل الوعي، ويفضح بنية القمع، ويمنح الضحايا حقَّهم في الكرامة، لا في التشويه ولا في التسويق.. وهذا ما أضعف من المستوى الفني والجمالي والأدبي، للرواية السورية في وقتنا الحاضر.. ودعاها للبحث عن فرسان، يواكبون عصر

تطور السرد والتوسع في آفاقه.*


  مصطفى الحاج حسين.

           إسطنبول



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق