(7)التلاعب بالعقول ومهزلة العقل البشري(7)
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بماسبق واستكمالا للدراسة فقد بدأت بعرض فكرة متكاملة عن العقل وعلاقته بكل العلوم ومناحي الحياة ، ثم تلوتها بدراسة تفصيلية لكتاب (المتلاعبون بالعقول) للكاتب (هيربرت .أ. شيلدر) وهو مايمثل نصف عنوان المقالات
... والٱن مع النصف الثاني من العنوان وهو (مهزلة العقل البشري)
... مهزلة العقل البشري هو أحد الكتب الشهيرة لعالم الإجتماع العراقي (الدكتور علي الوردي) ، صدر في الخمسينيات
... وفي هذا الكتاب يتناول (الوردي) قضايا العقل البشري بتنوعاتها ، ونقده لطرق التفكير التقليدية ، حيث يدعو إلى إستخدام العقل النقدي وتجنب التعصب والتفكير الأحادي
... الكتاب يناقش مسألة الصراع بين (العقل والعاطفة) في النفس البشرية ، ويعرض بعض الأمثلة على ذلك من تاريخ الأمم والمجتمعات ، مسلطًا الضوء على إزدواجية الشخصية العربية وازدواجية السلوك الفردي والجماعي ، وهذا ما يعتبره (مهزلة) للعقل البشري
... ويعتمد الوردي في أسلوبه على النقد الساخر والتحليل الإجتماعي والنفسي
... وأهم المحاور التي تناولها الكتاب ، ★ (نقد الفكر) التقليدي والموروثات الإجتماعية ، ★ وتسليط الضوء على (التناقضات) في الثقافة والمجتمع ، ★ والدعوة إلى (التجديد) الفكري وتقبل التغيير ، ★ وتحليل (إزدواجية) الشخصية في المجتمع العراقي خصوصًا والعربي عمومًا
... والكتاب يمثل دعوة للتفكير النقدي والإنفتاح على الأفكار الجديدة ، ومازال الكتاب يعتبر مرجعًا في دراسة المجتمعات العربية وفهم السلوك البشري بشكل عام
... في كتاب (مهزلة العقل البشري) يتناول الكاتب نقدًا عميقًا للعقلية العربية والإسلامية التقليدية ، مشددًا على الصراع بين الواقع الحديث والتقاليد القديمة ، ويركز الوردي في كتابه على قضايا عدة مثل العقل ، والتعصب ، والنفاق الإجتماعي
... ويرى الكاتب أن العقل البشري يحمل تناقضات جوهرية وهو ما يعتبره مهزلة للعقل البشري ، مما يؤدي به إلى الوقوع في (مهزلة) عند محاولة تفسير أو تبرير أمور الحياة بشكل مطلق أو من منظور واحد فقط على الأقل
... وفي الكتاب ينتقد (الوردي) بشدة أساليب التفكير التي تجعل الناس يتشبثون بالأفكار القديمة أو يعادون كل ماهو حديث دون سبب منطقي
... والكتاب يتضمن كذلك تحليلات إجتماعية وسياسية عميقة ويعبر عن رفض الكاتب لأي تحيز سواءً ديني أو إجتماعي ، مشددًا على ضرورة الإنفتاح الفكري والقدرة على التكيف مع المتغيرات
... وتعليقا على الكتاب قال المفكر السعودي (القصيمي) و (ابراهيم البليهي) ، أنه عند الوصول لمستوي معين من الفكر ، ولو أن عقلك وصل له ، واستطعت أن تؤدي مجهود إستثنائى بعد فرمتته ، وتعيد بناؤه من البداية ، وحدة وحدة ، وبناء ذاتك بمعزل عن المدخلات اللى تعرضت لها ، ستستوعب معنى كلمة (مهزلة العقل البشرى) ، وطريقة برمجته فى أغلب المجتمعات والبيئات عبر التاريخ ، وحسب الجينات والحمض النووي وكيمياء الدماغ ، كيف يتم التحول من الأفكار القديمة عند الغالبية العظمى من البشرية ، وكيف يتم فى إطار فهم التاريخ الكوني والأرضي ، وضمن إطار التطور البيولوجي عبر مئات الملايين من السنين حتى عقل الانسان ، كم جاء بفوائد عظيمة ، إلا أن الغالبية الساحقة تحول لنقمة بشعة ، وستفهم المعنى العميق لكلمة مهزلة العقل البشرى فعلا ، وستستطيع أن تستوعب كيف قالها الكاتب وتتجاوب معه
... ويقول الكاتب في كتاب (مهزلة العقل البشري) :
* حين يدافِع الإنسان عن عقيدة من عقائده المذهبية يظن أنه يريد بذلك وجه الله أو حب الحق والحقيقة ، وما درى أنه بهذا يخدع نفسه إنه في الواقع قد أخذ عقيدته من بيئته التي نشأ فيها ، وهو لو كان قد نشأ في بيئة أخرى ، لوجدناه يؤمِن بعقائد تلك البيئة من غير تردد ، ثم يظن أنه يسعى وراء الحق والحقيقة
* العقل البشري مُغلَّف بغلاف سميك لا تنفذ إليه الأدلة أو البراهين إلا من خلال نطاق محدود جداً ، وهذا النطاق الذي تنفذ من خلاله الأدلة العقلية مؤلف من تقاليد البيئة التي ينشأ فيها الإنسان في الغالب
* الذي لا يُفارق بيئته التي نشأ فيها ، ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة ، لا ننتظر منه أن يكون محايداً في الحكم على الأمور إن معتقداته تُلوّن تفكيره حتماً ، وتبعده عن جادة البحث الصحيح
* إن أي إنسان لا ينمو عقله إلا في حدود القالب الذي يصنعه المجتمع له ، ومن الظلم أن نطالِب إنساناً عاش بين البدائيين مثلاً أن ينتِج لنا فلسفة معقدة كفلسفة برجسون ، أو رياضيات عالية كرياضيات أينشتاين
... الإنسان يظلم ولا يبالي ، ولكنه يبتلي بمن هو أظلم منه ، ولهذا يصبح من دعاة العدالة بعدما كان ظالماً
... في كتاب (مهزلة العقل البشري) ، يصف الكاتب (نابليون) عندما جاء إلى مصر فاتحاً ، وبين يديه أوراق بها خطة المناورة العسكرية والتطويق واللف والدوران ، قابله المماليك بسيوفهم الصقيلة وهم واثقون بأنهم منتصرون عليه ، فكان أحدهم يلبس الطاس والدرع على الطريقة القديمة ، وهو شامخ بأنفه يظن أنه سينتصر اليوم كما انتصر بالأمس على حشود الفلاحين والمساكين ، وأخذت الخيول تصهل والسيوف تلمع والغبار يثور ، فخيل إليهم أن نابليون ( الكافر القزم ) سيهزم أمام شجاعتهم النادرة وعقيدتهم الجبارة ، وماهي إلا لحظة من لحظات التاريخ الحاسمة ، حتى وجدنا المماليك صرعى في التراب بجببهم الفضفاضة وشواربهم الطويلة ، فلم ينفعهم آنذاك حماسة أو ينصرهم هتاف
... وإلى لقاء في الجزء الثامن إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...