السبت، 11 يناير 2025

قراءة وتاويل لقصيدة : "المسمار: أغنية الحديد المكبوتة للشاعرة : مجيدة محمدي بقلم الكاتب رياض عبد الواحد

 رياض عبد الواحد Riyad Abdulwahid   

قراءة وتاويل لقصيدة : 

"المسمار:   أغنية الحديد المكبوتة

للشاعرة : مجيدة محمدي 

                               

مقدمة:

قصيدة "المسمار: أغنية الحديد المكبوتة"  عمل أدبي عميق يمزج بين الرمزية والتأمل الفلسفي. تستعمل للشاعرة  رموزًا جامدة - كالمسمار، المطرقة، والسندان - لتجسيد صراع الإنسان مع القيد والقدر. سنستعرض في هذا التحليل كيفية توظيف الشاعرة لهذه الرموز، مع الرجوع إلى النص لدعم كل فكرة بالاستشهادات المناسبة.


التحليل النقدي:

1. البنية الرمزية والتعبير المجازي:

تعتمد القصيدة على توظيف الرمزية لإيصال رسائلها العميقة، اذ تمثل الجمادات معاني إنسانية واجتماعية.

المسمار: يُرمز للإنسان المقيّد بظروفه وقدره المحتوم. تصفه الشاعرة بعبارات تجمع بين الصلابة والهشاشة:

"المسمار،

قلبٌ حديديّ،

نبضُهُ ثِقَلُ المطرقة،

وروحه ظلٌّ مشروخٌ على سندان

ليس له خيار،

هو فقط هناك."

هنا، يُبرز النص ثنائية القوة الظاهرة  والانكسار الداخلي.

المطرقة: تمثل القهر والقوة الغاشمة التي تمارس العنف دون رحمة:

"المطرقة تُنزل حكمها،

صفعةٌ تلو أخرى،

لا تسأل، لا تُصغي،

تدّعي أنها تُنقذه من صدأ الخمود." 


هذه الصورة المجازية تظهر السلطة كقوة متسلطة تُبرر أفعالها.

السندان: صورة للقدر الثابت الذي يتحمل كل شيء بصمت:

"السندانُ الصامت،

ذاك الحجر العتيق،

حارسُ القاع الذي لا يحيد،

يبتلع الصرخات ولا يُجيب."

يبرز هنا دور السندان كرمز للعالم المحايد الذي لا ينحاز ولكنه أيضًا لا يرحم. 


2. المستوى النفسي والوجودي: 


تطرح القصيدة  صراعاً داخلياً للإنسان بين القيد والحرية، مع شعور مستمر بالعجز.

المسمار يعاني في صمت، محاولاً النجاة رغم استحالة الأمر:

"والمسمار يئن بصمتٍ،

يطارد فكرة النجاة

في لحن الشظايا المتطايرة."

هذه العبارة تصور المسمار كإنسان يحاول النجاة لكنه يجد نفسه عالقاً في دوامة الألم.

فكرة الانحناء كقدر محتم تظهر بوضوح في وصف مصير كل مسمار:

"يعرف أن ثقلهُ قدر،

وأن كل مسمارٍ يولد

محكومٌ بنهايةٍ منحنية."

هنا، يُبرز النص الفكرة الوجودية عن عبثية الحياة والقدر المحتوم. 


3. اللغة الشعرية والجماليات:

تجمع لغة النص  بين القوة الشعرية والدقة التعبيرية، مع صور مليئة بالتناقضات:

التناقض في وصف المسمار يتجلى بوضوح:

"صلبٌ كقدرٍ قديمٍ لا يفنى،

هشٌّ كنداءٍ مكتومٍ في حنجرة الجدران."

هذا التصوير يعكس ازدواجية الإنسان، قوي أمام العالم لكنه هش داخلياً.

التكرار المدروس يعزز الإيقاع ويُبرز استمرارية الصراع:

"المطرقة لا تتوقف،

السندان لا يتزحزح،

والمسمار يظلُّ هناك."

هنا، التكرار يخلق إيقاعاً درامياً يوازي وقع المطرقة على المسمار.

التساؤلات الفلسفية في نهاية النص تضيف بعداً تأملياً:

"أأنت الحقيقة؟

أم أنك كذبةُ المثبتين،

آلةٌ في يد السادةِ الذين لا يظهرون؟"

هذه الأسئلة تثير قلق القارئ وتدفعه للتفكير في أبعاد النص.

4. الدلالات الفلسفية:

يغوص النص  في تساؤلات وجودية عن  الحرية والقيد، متسائلاً عن دور الإنسان في قبوله أو رفضه لواقعه:

هل الحرية ممكنة أم مجرد خيال؟

"هل الحريةُ حلمٌ معدنيّ

أم أسطورةٌ صدئة؟"

هنا، تتساءل الشاعرة عن جدوى الحرية في ظل قوى قاهرة كالقدر والمجتمع.

هل المسمار ضحية أم متواطئ؟

"أيكون المسمار متآمراً

حين يخترق الخشب بلا رجفة؟

أهو طاغية،

حين يُثبّت الجدران ويُسكت أبواب الريح؟"

هذا الطرح يعكس جدلية أخلاقية عن مسؤولية الإنسان تجاه الظلم، سواء كفاعل أو متقبل. 


5. الإسقاط الاجتماعي والسياسي:

تحمل القصيدة  إسقاطات على الوضع الإنساني والاجتماعي، أذ  تمثل المطرقة السلطة القمعية، والمسمار الشعوب المقهورة.

المطرقة تدّعي الإصلاح، لكنها تمارس القهر:

"تدّعي أنها تُنقذه من صدأ الخمود."

هذا يعكس الأنظمة التي تستخدم شعارات الإصلاح كذريعة للقمع.

السندان، رغم حياده، يمثل العالم الذي يظل ثابتاً رغم تغير الظالم والمظلوم:

"ذاك الحجر العتيق،

حارسُ القاع الذي لا يحيد."

هذا يرمز إلى بنية اجتماعية أو سياسية لا تتغير، مهما تغيرت الظروف. 


الخاتمة:

قصيدة "المسمار: أغنية الحديد المكبوتة" عمل شعري يزاوج بين الرمزية والتأمل الفلسفي، لتقدم رؤية شاملة عن صراع الإنسان مع القيد والحرية. من خلال استخدام صور حية ورموز قوية، نجحت الشاعرة في نقل إحساس بالعجز والعبثية، مع إبقاء القارئ متورطاً في أسئلة وجودية حول الظلم والقدر والمسؤولية.

****************

"المسمار: أغنية الحديد المكبوتة"/ مجيدة محمدي 


المسمار،

قلبٌ حديديّ،

نبضُهُ ثِقَلُ المطرقة،

وروحه ظلٌّ مشروخٌ على سندان 

ليس له خيار،

هو فقط هناك.

صلبٌ كقدرٍ قديمٍ لا يفنى،

هشٌّ كنداءٍ مكتومٍ في حنجرة الجدران.


المطرقة تُنزل حكمها،

صفعةٌ تلو أخرى،

لا تسأل، لا تُصغي،

تدّعي أنها تُنقذه من صدأ الخمود.

والمسمار يئن بصمتٍ،

يطارد فكرة النجاة

في لحن الشظايا المتطايرة


السندانُ الصامت،

ذاك الحجر العتيق،

حارسُ القاع الذي لا يحيد،

يبتلع الصرخات ولا يُجيب.

يعرف أن ثقلهُ قدر،

وأن كل مسمارٍ يولد

محكومٌ بنهايةٍ منحنية.


من الظالم؟

ومن المظلوم؟

أيكون المسمار متآمراً

حين يخترق الخشب بلا رجفة؟

أهو طاغية،

حين يُثبّت الجدران ويُسكت أبواب الريح؟

أم هو فقط شهيدُ الانحناء،

ضحية القوةِ التي لا تسأل؟


يا لحن الحديد،

أيها المسمارُ العالقُ في فجوة التيه،

أأنت الحقيقة؟

أم أنك كذبةُ المثبتين،

آلةٌ في يد السادةِ الذين لا يظهرون؟

هل تعبت من انتظارِ المطرقة؟

أم أنك تستلذُّ بعناقِ السندان؟

يا هذا القابع بين الضربتين،

أخبرني،

هل الحريةُ حلمٌ معدنيّ

أم أسطورةٌ صدئة؟


المطرقة لا تتوقف،

السندان لا يتزحزح،

والمسمار يظلُّ هناك،

لا ينتصر، لا يهرب،

بل يغرقُ في جسدٍ جديدٍ،

خشبٌ،

جدارٌ،

أو عظمةٌ قديمة...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق