الأربعاء، 15 يناير 2025

عين على نص قصيدة "قبلة على برواز خمس لوحات " للأديب و الشاعر الدكتور حمد حاجي / تونس بقلم الأستاذة سعيدة بركاتي /تونس

 عين على نص قصيدة "قبلة على برواز خمس لوحات " للأديب و الشاعر الدكتور حمد حاجي / تونس 

بقلم الأستاذة سعيدة بركاتي /تونس


جاءت مع قدوم العام الجديد و كم من أمنيات نحملها لكل عام جديد ... 


#القــــراءة : 


_تقول أحلام مستغانمي عن استقبال السنة الجديدة : احتفلوا به كما لو كان عشيقا .

_رسالة رشيقة كانت من نزار قباني إلى حبيبته بمناسبة رأس السنة يقول فيها : شكرا لأنك أدخلتني المدرسة ،وشكرا لأنك علمتني أبجدية العشق  و شكرا لأنك قبلتِ أن تكوني حبيبتي . 

_تقول سعاد الصباح : الحب أكبر من جميع الأزمنة و الحب أرحب من جميع الأمكنة و لذا نفضل أن نقول لبعضنا : حب سعيد في " العام الجديد" . 


الدكتور حمد افتتح عامه الجديد بقصيدة أرفقها بخمس لوحات تشكيلية لفنانين عالميين عنونها بــ:" قبلة على برواز خمس لوحات" أهداها إلى صديقته سعيدة البركاتي التي تعشق الفن التشكيلي حد النخاع . " قبلة على برواز" ، كأنها في سجن البرواز ، أولا لأنها موضوع النص و ثانيا هي نفس القبلة تقريبا في كل اللوحات و لكن كل فنان و كيف رسمها من خلال المدرسة التي ينتمي إليها و الإحساس الذي انتابه حين فكر في رسمها و ربما المناسبة .

الوقفة الأولى تكون مع النص ثم نتدرج في قراءة اللوحات و علاقتها بنص القصيدة . 


شبه الشاعر حبيبته عند مجيئها بمصباح عام جديد فهي النور حين جاءت وبعينيها تذابيل و هذا أول لقاء كان للحواس "النظر" و بداية التواصل بينهما بكل حياء : دفء و صمت و إطراقة المغرم .

عادة يكون أول يوم بالسنة الجديدة باردا و أحيانا تُثلج ،كان مجيئها الدفء المادي و المعنوي للشاعر، كله حنان ،

تذابيل العين تتفق و مشيتها حين قدِمت متبخترة تتمايل ، لما لمحها قبل أن يسبقه الباب و يقبلها حين "نقرت نقرتين بدفة الباب " ،و النقر هو القرع على الباب و هو مصطلح مرتبط بالولوج إلى الشبكة العنكبوتية للتصفح و انتقاء المعلومة في عالم عجيب و غريب ،"فمرحبا بها في عالمه الشاسع ، صدره ، ذاعيه ، بيته ... "  فالشاعر كان بابه مغلقا و النقرتين تبعها تأوه للشاعر "آه...آه" تهليلا و فرحا و تجاوبا و نقرها عزف على أوتار قلبه : التقدم في الاحساس من النظر إلى الوجدان ، ثم يؤكد أن الشاعر لم ير حبيبته منذ مدة طويلة .

حين نقرأ النص كتلة واحدة نستشعر أن الغياب فعلا مدته طويلة : حرارة الانتظار و تأوه الشاعر و غيرته من دفة الباب ثم قدومها على حياء وعينها ذابلة فيه من الرجاء و قبول اللقاء و ماجادت به يدها ...لعل الآه تُستبدل بِ ايه .

يقول الشاعر نور الوائلي : 

فقربك قد أذاق النفس حسا /له الروح دفء و احتماء 

يردف ايليا أبو ماضي في  بيت شعر عن اللقاء بعد الهجر :

إن النساء إن أمرضن نفس فتى/ فليس غير تدانهن يشفيها 

و يقول الدكتور حمد في براويز قبلة : 

و تأتي كرشة عطر ، كما نسمة : خفة الروح بين العطر و النسمة ، كمجدلية على أطراف أصابعها تمشي ، كأنها الملاك رقصت لها الزهور و الورود  و النسيم فاح عطرا من حولهما ، في هدوء كان الشاعر يراقب مجيئها و يكاد صدره ينتفض من تسارع نبضه ، كان كنور الشمس قدومها ، حرير الشمس وما ترتديه من حرير زادها جمالا و فتنة وهي تحمل بيدها صينية بإبريق القهوة ، و القهوة لا تحلو إلا وجليس : تهرق قهوتها : جمال الصورة الشعرية فهي لم تسكبها أو تصبها بالفناجين ، كانت طقوس قرع كما قرع الباب ، ربما ستقرع على نخب هذا اللقاء .

نوع القهوة غير مهم ، سادة ، مع حليب بسكر أو دونه ،كذلك لا عبرة لنوع الوعاء فنجانا كان أو كأسا : عادة الكؤوس للشاي و الفناجين للقهوة ، المهم عند الشاعر هذه الصورة التي جاءت بها الحبيبة ، و هزت مشاعره حد الفيضان .

يقول الشاعر صلاح ورتاني عن اهراق القهوة في قصيدته "قهوتي و حبيبتي" 

قعدت بعد أن أهرقت قهوتي 

تكسر الفنجان بعد الظنون

حملقت فحولقت 

سبحان اللهم ربي 

و لكي شعلة عشق 

وجنون 

أخذ الشاعر حمد حاجي من العصافير مشهدا حين تفتح فمها للإطعام ، فهو يشكو جوعا معنويا ، للحب ،للحنان للإحتواء و الاهتمام من حبيبته "كطفل يترقب الرجوع الى حضن أمه لإطعامه "، ثم تسكن نفسه لدفئها . او فتح الفم للدهشة عند قدومها .. او اشتياقا لقبلة من شفتيها .

لكن !!!

في حياء و توقيرا لحضور الوالدة قبلها الشاعر قبلتين على جبينها ، قبلتان غطى بها الشاعر كل شوقه للقاء ،  قبلة لضمها و اخرى للترحيب بها " على حسب عدد قرع الباب  و تأوهه و العدد 2 يرمز إلى التوازن و اللباقة و الازدواجية و الثنائية و الشراكة . 

بحركة ذكية و بارعة من قلم الدكتور حمد انعطف بنا مائة و ثمانون درجة بين عنوان القصيدة و قفلتها و ما صاحبها من لوحات فنية تشكيلية لأشهر الرسامين العالميين و أشهر القُبل إلى قُبلة على الجبين 

مما يجعلنا ننعرج معه و نبحث في أنواع القُبل و معانيها .

قبلة اليد : للاحترام و التقدير و رمزيتها السحر و الشجاعة هذا إذا كانت على ظهر اليد أما إذا كانت على باطنها فهي بحث صامت عن الممر السري للقلب و هي قبلة الحب الأزلي 

قبلة العين : قبلة الود و الرفق 

قبلة الوجنتين: الحنان و الحب 

قبلة القدم: الخنوع و التذلل

و بعض القبل تقربا للروح و الوجدان ...

يقول ابراهيم ناجي :

يبث فمي سرَّ الهوى لمقبَّل/ أجود له بالروح غيرَ ضنين

إذا كنتِ في شَكٍّ سَلِي القبلة التي / أذاعت من الأسرار كل دفين 


أما قبلة قفلة النص و التي كانت على الجبين : فهي عنوان للسمو ، أكثرها عاطفة وصدقا بما تحمله من احترام و تقدير ، ترمز للحماية ، نراها بكثرة في احتفالات الزفاف ... و حتى على جبين الميت ، و للقارئ حرية البحث و التقصي في عالم القُبل  .

يأتي الانعراج إلى قراءة اللوحات المصاحبة للنص : 

انطلاقا من العنوان عتبة النص : "قبلة على برواز خمس لوحات" و البرواز هو الإطار ، و الصورة إن وُضعت في إطار فقد حصرنا الموضوع الذي تتحدث عنه و  يضيف إليها جمالا  وهو أداة لتوجيه الانتباه للحصول على منظور أجمل للصورة  أو اللوحة .

خمس لوحات : و القبلة واحدة   "قبلة على الشفاه"

#قراءة في اللوحات : 

تشترك الخمس لوحات في الموضوع "قبلة الشفاه " 

+ لوحة الرسام النرويجي ادوارد مونك "1897" "القبلة" : بين العتمة و النور و هذه خلفية اللوحة يلتقيان جسدان في حالة انصهار كلي حد طمس ملامح الوجهين إلى أن أصبحا جسدا واحدا مع فرق بسيط في الفصل بينهما بالألوان و تدرجها ،لوحة من المدرسة التعبيرية .

+ لوحة الرسام الاسباني بابلو رويز بيكاسو  "1969" قبلة بيكاسو"  لوحة بخلفية اللون الأزرق الذي لا يغيب أبدا عن لوحات بيكاسو ، مبالغ في اللون الأسود رغم ما تخلله من اللون القريب من لون الطين للبشرة لا توجد حميمية باللوحة إلا قليلها من طرف المرأة فعيني "الرجل" متجهة إلى مكان آخر بهما استغراب و بعض الريبة ، لوحة تعددت فيها الزوايا الحادة و هذا منهج الفن التكعيبي الذي أسسه بيكاسو .

+ لوحة الرسام الروسي مارك شجال "1915" قبلة عيد الميلاد " بألوان طبيعية غلب على أرضيتها اللون الأحمر حتى أصبح موضوع اللوحة بارزا، ينتبه المشاهد إلى طريقة القبلة و كيف كانت مع باقة الورد بيد المرأة ، كان فيها الرجل على عكس وقفة المراة ارتفعت ساقاه من على الأرض تكاد تلحق به المرأة و باقة الزهور ، و يحلقان في فضاء الغرفة ،  لوحة تنوعت مدارسها بين  التكعيبية و الرمزية .

+ لوحة الرسام النمساوي جوستاف كليمت "1908" "القبلة" ،أول ملاحظة هي ستقع العين على هذا الجسم الضخم للرجل ثم القبلة و هي مرسومة على الخد كانت فيها المرأة جاثية على ركبتيها ،قُبلة احتضنتها الطبيعة بسجادة العشب تحتهما ، تحيلنا هذه اللوحة الأيقونة إلى عنوان القصيدة و الذي ورد فيه مفردة برواز : فالرجل كأنه البرواز الذي أطر اللوحة بحمايته للمرأة و احتوائها تحت ظله .

+ لوحة الرسام البلجيكي رنيه مارجريت "1928" "الأحبة" المكان غرفة فالخلفية تدل على ذلك لكنها عتمة أراد الرسام ابراز الموضوع "القُبلة " و هذا أسلوب شد الانتباه كما ذكرنا أعلاه ، قبلة من وراء أقمشة بيضاء و كأنها أكفان ، أسلوب السرياليين تغطية الوجوه و ترك بقية الجسد يتحاور مع المشاهد " ثنائية الوصل و الحجب " قبلة دون لمس و طمس معالم الوجه و كليمت ينتمي الى عدة مدارس أكادمية ، قبلة فيها من التفرقة أكثر مما تجمع . 


فيتضح جليا مما تقدم أن مواضيع اللوحات " القُبلة" تنوعت و  اختلفت بين الحميمية و الحنان و الوقار و الاحتواء و التفرقة ،تنوعت مدارسها ، فالقبل مفاتيح كهوف القلوب ، و الأعمال الفنية دلت بدلوها و تضمنت في مخزونها من اللوحات ما يعبق القلب بعبير جمالها .نتساءل من اخترع القبلة ، و هل للقبلة تاريخا ؟

سجل التاريخ أن أقدم قبلة وجدت على ألواح ببلاد الرافدين مسجلة إلى نحو 1000 عام و أقدمها منذ 1500 سنة قبل الميلاد في أقدم نص للهندوس عن شخص ما وقع فمه على فمها .

و نعرج قليلا في هذه القراءة إلى "القُبلة" في الأدب العالمي : 

الأولى :دافنش و كلوي للاغريقي لونقس

"و بثمالة أتساءل صهل كلوي قبلتني حقا وكيف حدث أنها نفسها لم تمت من تلك القبلة ؟ "

الثانية :من مسرح روميو و جوليات لوليام شكسبير "اذا لا تتحركي .. حتى انال ثوابي و تزيل قبلة ثغرك البسام آثار الخطيئة من فمي " 

الثالثة :هايدي و جوان من الملحمة الشعرية لـــ  دون جوان لـــ لورد بايرون

" و لأن قبلة واحدة منك يمكن ان تساوي يوم كامل من الصيف ... لتقترب وجوه شفاههم أكثر  ...و تتشبث بقبلة"   

   الرابعة :فارمير و ايوان في عودة الملك لـــ جون تولكين من سلسلة ملك الخواتم  

"و لأن بعض الأحيان كل ما تحتاجه هو قبلة على الجبين لتدع شعرك يتحدث بدلا عنك" 

و القائمة طويلة ...

انطلاقا مما تقدم و من خلال هذه الأعمال الفنية نرى أن للقبلة تاريخا قديما،  ولا يخلو عالمنا من هذه الحركة التعبيرية بأنواعها و تماهيها مع الحياة ، الدكتور حمد جمع كل معاني القبلة في قبلة واحدة و كانت مرسومة على جبين حبيبته ، كما ورد أعلاه في أنواع القبل أن رمزية هذه القبلة تدل على : الصداقة ، الطمأنينة ، المودة ، الاعتذار ، التسامح ... و النص أهداه إلى صديقته " سعيدة بركاتي" ، فهذه القبلة  أكثر قبولا و رقة و أسهل تعبيرا علني عن المشاعر ، ترسم على جبين الصغير و الكبير و على جبين الذكر و الانثى ، و حتى لحظة وداع المتوفي ...

كان النص غنيا بالدلالات الرمزية و اللغوية نجح فيه الشاعر و هذا ليس بالغريب عن الدكتور حمد في إثارة قريحة القارئ للبحث و التقصي في موضوع أشهر القبل لأشهر الفنانين التشكليين . 

""القبلة طقس له آداب و شروط في الممارسة باعتباره عتبة مقدسة لا بد من احسان عبورها إلى فردوس الجسد""".

يقول المتنبي : 

أريقك أم ماء الغمامة أم خمر / بفي برود و هو في كبدي جمر 

أذا الغصن أم ذا العض أم أنت فتنة / و ذيا الذي قبلته البرق أم الثغر 

#السطر_الأخير:

قال أنسي الحاج عن قبلة بلوحة تجريدية "قبلة برانكوزي "  

لن تصبح واحدا مهما أوغل بينكما العناق ، فشل الاتحاد مؤكد .

بقلمي سعيدة بركاتي تونس 

المراجع : 


https://kenanaonline.com/

http://mawdoo.com/

https://www.almodon.com/specialpages/contact-us

https://saqya.com/

https://almotnbi.com/p/118

https://ar.m.wikipedia.org/wiki/

https://arabic.euronews.com/culture/2024/05/31/art-romance-paintings-the-kiss-gustav-klimt

https://www.aljazeera.net/?

https://m.youm7.com/story/ 


#النص 


ا.................... قبلةٌ  على برواز خمس لوحات.................. 


ا===== إهداء إلى أختي وصديقتي عاشقة الرسم

ا==== الرائعة سعيدة بركاتي Saida Baraketi ===

٫ 


تجيءُ كمصباح عام جديد ويوم سعيد 

تَذَابيلَ بالعينِ،

والدفءَ، والصمتَ، وإطراقةَ المُغْرَمِ٠٠ 


وتأتي كَرَشَّةِ عطرٍ كَمَا نَسمةٍ، 

نَقَرَتْ نقرتيْن بِدَفَّةِ بَيتي .. فآهٍ وآهٍ..

ويسبقني القُفْلُ٠٠ يا ويح قلبي يُقبّلُها البابُ من مِعْصَمِ٠٠ 


أرَاقِبُها في هُدُوءٍ..

وتَدْخُلُ كالشّمسِ، تُلْقِي بأنوارِها.. 

صَمْتُهَا لم يَدَعْ كبدي يشتكي ألَمِي٠٠ 


وتحملُ صِينيّةً بيدِ....  

وبأخرى تُمَطِّطُ تَنُّورَةََ رَفَلَتْ في الحرير٠٠

وتَأبَى النّزُولُ إلى الكعب والقدمِ... 


ومالت لإبريقِ قَهوَتِها تُهْرِقُهَا 

لكَأَنَّ الكُؤوسَ رقابُ عَصافيرَ تَصْعَدُ من وَكرِها 

فتُزَقِّقُها في فمِ٠٠ 


وَقُدّامَ أُمِّي، 

كَلاَ شَيْءَ٠٠ من فَرْحَتِي  قُمْتُ......... 

قَبَّلَــهَا قُبْلَتَيْنِ على جبهةِِ، مِبْسَمِي..! 


ا=== أ. حمد حاجي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق