(قصة قصيرة)
( جولة )
ينقب داخل أوراقه المبعثرة ، يبحث بجدية .. لم يسمع صوتها رغم أن
بابه كان مفتوحا على غير العادة ، شعر
باجهاد وبعدم القدرة على الوقوف وتصبب وجهه عرقا .
اعتراها القلق ، فنهضت لتستطلع الأمر
وجدته ممددا فوق كرسي فوتيه.. ظهره
منحني ورأسه في حجره تكاد تلامس ركبتيه،واحدى قدميه ممدودة والأخرى
في صدره ..تحسست النبض ،صرخت
بقوة فانتفض معتدلا برأسه حتى أصبح
بمواجهتها ..ظل جسده على حاله ، وحرك يده نحوها بصعوبة بالغة ..حاول
الكلام ولكن شيئا عقد لسانه .
هرولت إلى المطبخ ،وصنعت كوبا من العصير يحبه ويعتاده عند حدوث الأزمات ..!
عادت إليه وقلبها يخفق بشدة ،يرتعش
الكوب بين أصابعها ..تقترب منه وتحيطه بذراعها الأيسر برفق أم حول
الرأس وتقرب الكوب بيدها اليمنى ولسانها يبتهل بالبسملة والدعاء ،تلامس
شفتيه وتستجديه رشفات ..يخرج لسانه الذي تحول للون وردي ويلعق
حبات مشروبه المفضل بتلذذ حتى
بدأ الدم يجري في عروقه ،فاعتدل ..
حاول سحب قدمه اليسرى حتى يضمها
لليمنى ..وجد صعوبة بالغة ،ارتشف عصيره بنهم حتى الثمالة فانتعشت روحه ووقف .
كانت عيناه تدوران في فضاء الغرفة
وهي تقف في ظهره حتى يسترد عافيته ..تخشى عليه السقوط المفاجئ.
حثته على السير نحو غرفة المعيشة
شعرت بقربه للمرة الأولى منذ سنوات ،
تمنت ضعفه الذي يمنحها لحظات حميمية نادرة .
سارا معا حتى أجلسته على كرسيه المفضل ،وجلست بجانبه .
كانت رائحة الشواء تعبق المكان ، ونكهة
البهار الهندي تشحذ رغبته في تناول وجبته المفضلة ،فاتسعت حدقتي عينيه
رغم إرهاقهما و مد يده إلى الديك الرومي بتكتيفته التي ترسل نبضات إرسالها لمراكز الإثارة داخله ،بدا مختلفا
عما كان عليه وهو يلتهم قطع الرومي بنهم ،وهي تمسد فوق رأسه ووجهه وتبتسم قائلة :
سمي يا ابو محمد
غير عابئ بنظراتها تحول إلى ذئب شره يلتهم فريسته بشوق ،بينما هي تلتقط
لقيمات من التشريب الذي يشبع رغبة
سد الرمق ،ثم قامت على عجل لتجهيز
كوب الشاي بالهيل الذي يعشقه .
عادت بأكواب الشاي و بولة المياه المثلجة ،ووضعتهما بجانب بقايا الطعام
والصحون الفارغة ..!
كانت ترتشف الشاي بسعادة وتنظر نحوه
فيرمقها بنظرات بلهاء وهو يتجشأ بصوت رعديد .. يتلذذ حبيبات الشاي
بين فكيه ،ويحرك لعابه في خلطة محببة ،يبتسم للمرة الأولى حين تلتقي
عيناه بعينيها ،يسألها عن حجة البيت
،فيعتريها الرعب وتهاجمها الوساوس
وتستعيد الخبر الذي سمعته من جارتها
الحيزبون الذي صاغته في نصيحة قائلة:
حافظي على بيتك.. دا من ريحة المرحوم والدك .
تتجاهل سؤاله حتى ينتفض غاضبا ويلطم وجهها بثورة قائلا:
بعت وقبضت وحسجل غصب عنك وعن أبوكي ،التوكيل معايا والفلوس
في رصيد حسابي واخبطي راسك في أقرب حيطة ..!
تنهض متثاقلة وتدور بها الأرض حتى
ترتمي فوق سريرها،تجتر أحزانها
و تندب سوء بختها ، ولكنها تتمتم بكلمات بلهاء قائلة:
وهي الفلوس حتروح فين ؟!
تنهشها الذكريات ، وتسري عنها لحظات
الرضا بينما تسمع صوت باب الشقة يرتطم بشدة .
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق