وهرب الأسد
رواية هروب الأسد تبدو سخيفة ولا يمكن لأحد أن تعبر بخياله ذلك أن الحقيقة التقليدية تملي على البشر منذ الأزل أنه ملك للغابة والحاكم المطلق و الخادم الوفي للحضور و الغياب إذ يكفي عبور زئيره بالأجواء لترتعد الفرائس وليدرك الغريب أن للبيت حاكما وأن للزوايا قوانين صارمة وجب احترامها والتقيد بها خشية إثارة غضب صاحب الفروة.
هو مشهد ثابت في كل التعاريف فمهمته الرقي بالمجتمع و إحكام تعاليم العدل بين الرعية وإحقاق الحق الى أقصى درجات المرارة فلا فضل لذي الأنياب على العاشب إلا بالقانون ولا حكم للضخم على الضعيف إلا بما تسمح به القرارات و التقارير ولا ظلم على الضعيف ولا صرخة تُسمع لذي الحق أبدا والحاكم مقيم بعرينه فتكفيه حركة بإصبعه لإنصاف الجميع وتوفير الغذاء والنور وشق الطرقات وإقامة الصروح على ميزان العدل والمساواة بناء على أبجديات مهامه وصلاحياته.
ولكن مع هبوب نيران مؤامرات الحاشية المطعمة بمصل البقاء حتى الفناء أو الدمار وتموقع مركزها القيادي بالعرين نسج الأسد لنفسه بدلة الخلود مقيما الفروع على أشلاء الرعية بعدما اختار الطلاء الأمثل والأبهى في تقديره و هو جراح المعارضين ودماء الباحثين عن الهواء النقي فلا هو خدم الرعية ولا هو أرسى قواعد العدل بل ركز كل مساعيه لطمس حقيقة التصفية وآثار الجرائم الكبرى لدرجة فقدان الضمير فاليوم لم تعد الأرواح تعني له ما تعنيه للقادة ولا تحرك سجلات الراحلين فيه ما تفعله بالإنسانيين المتشبعين بالقيم بل غدا الهم الأكبر تجميل مدخل العرين وتلميع جوانبه وبث التقارير للعالم أن الغابة الخضراء بشرفائها في قلب مؤامرة كونية وأن الرعية في قمة الرضا والسعادة وهي التي أعادت إنتخاب الزعيم الخالد بالأغلبية الساحقة دون أن يتخلف أحد.
هو الذي يعتقد أنه من علّم الجميع أن الهروب خيانة وترك المعركة جبن والرحيل عن الوطن مذلة ولكن عندنا أطّل وقت الحقيقة اتضح للعالم أن الواقع ما كان سوى إملاءات تقية مقيتة أفرغت خزائن أهل الدار وباعت للعدو الجو والبر والبحر وراحت تقيم بعيدا على أنغام حب الوطن المزعوم مخلفة خلفها وطنا آخر تحت الأرض وجُدرا ضخمة بذاكرة الناجين من المخالب وقيودا قد لا يتحرر منها طالب العدل أبدا بفعل عمق ندوبها وملوحة جراحها الغائرة.
فالقيادة مهمة يكتبها التاريخ وتدونها الصفحات وتتناقل ثمارها الأجيال فمن الأسود من ترك وطنا أُقيم على أرض خضراء بين صفاء الهواء وشفافية اللوحات طالبا بالمناسبة من الرعية ذكره بخير بعد الختام و منهم من اختار لنفسه زراعة فكر العبيد وتسخير الخدم والحشم لتدريس ما يراه فخامته للأجيال على حساب الحق في رؤية السماء ولمس بنات السحب وانتظار الغلة بعد الزرع . أما يوم الحقيقة الكبرى فهو عندما تتفحص الناشئة أرشيف العشريات ستصطدم لا محالة بمرارة المشهد الحقيقي للقادة متسائلة عن حقيقة الأسود أهي فعلا كذلك أم فقط ضباع أقامت صرحها بطلب الجيف إذ لا تستحق العيش بالغابة فكيف تتولى قيادتها وقتها يصدق الجميع أن الأسد فعلا هرب وأن الصورة بنشرات الأخبار للكلاب التي نحتها وقت مجده في أقبح الصور كانت الأسود الحقيقية والملوك الفعلية للغابة ولكن وبرغم كل الكلمات واللوحات والمشاهد وروايات التاريخ ..... هرب الأسد بمذلة وجبن و بيع رخيس للوطن.
محمد بن سنوسي
من سيدي بلعباس
الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق