**إمرأة بحجم الحياة**
على ضفافِ شطّ البوحِ، اِلتقينا صدفة بعد عدّ السنين.. اقتربَ مني وبنبرة خافتة، قال لي: ألا تعرفيني..؟؟ قلتُ، ومن تكون يا أنتَ؟ قال: أنا الغريب الضائع في دروب المدائن... ومن أنتِ يا ترى؟؟ قلت : وأنا المدينة التي تنتظر عودتكَ. إن أصلحتِ الأيامٌ حظي وحظّكَ سوف نلتقي في ذاك المكان.. ونطوي الدّربَ بين شرقٍ وغربٍ ذاك الذِي وقفنا بِه في الخيال سوِياً...
قال : أنا أرى فيكِ ما لا تراه العيون، أرى في جمال عينيكِ اتساع زرقة البحر في عبابه، وأنا الربان الذي يقود السفينة بلا شراع . أراكِ نجمةً تضيئين ليالي السُّمار، وأنا الكوكب الدُّرِّي الذي يمهّد لكِ طريق العبور دون شقاء. كلماتكِ إن كانت مدادًا، فأنا القارئ بشغف الفؤاد، وهمساتكِ نهرُ إبداع، وأنا الذي يضوع الحرف غزلاً ثائرًا، يجعل منه إمتاعًا. دعيني أستشعر في نبضكِ الثائر أحجية كل غزلٍ، فأنا سريري مهد الأسرار.
قلتُ له: أنا امرأةٌ بحجم الحياة، أنا التي تنبضُ بالصدقِ نبضًا، في ذاتي، في بيتي، وفي عملي، سرًّا وجهْرًا. أنا التي تجاوزتُ الستينَ عمرًا، لكنَّ قلبي طفلةٌ تلهو بفطرةٍ، بعيدًا عن كلِّ زيفٍ أو غدرٍ. أنا الحنونةُ حينَ تدنو الليالي، أدفئُ القلوبَ كوهجِ شمسٍ في الشتاءِ البارد. أنا المدبِّرةُ حينَ تضيقُ السُّبل، أصنعُ من اللاشيءِ حياةً، تُنيرُ بها قناديلُ الأمل. أنا حينَ أحبُّ، أعطي بلا حدود، أغزلُ للروحِ أثوابًا من الوفاء، وأزرعُ الورودَ في قلوبِ أحبَّتي. فهدوئي ليسَ ضعفًا، بل ملاذا يقي روحي من صخبِ البشر. أنا الأمُّ التي تضيءُ البيتَ كالقمر، والزوجةُ الصادقةُ التي لا يُطفئُ نبضَها الزمنُ، والجارةُ التي تهدي صباحَ الخيرِ وردًا. أنا امرأةٌ صنعها الحبُّ والصدق، امرأةٌ كالحياةِ في نُبلها وشموخها تبنى لها قصورا مرصعة بالدّررِ.
الشاعرة،عائشة ساكري تونس.1_12_2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق