ايها القرّاء الكرام
يُعرّفُ الكلامُ بانّهُ عيارُ كُلّ صِناعةٍ وزمامُ كلّ عبارةٍ وَقسْطاسٌ يُعْرفُ بهِ الفَضْلُ والرّجْحانُ.وميزانٌ يُعْلَمُ بِهِ الزّيادةُ والنُّقصانُ.والكلامُ كَيْرٌ يُمَيَّزُ بِهِ الخاصُّ والعام والخالصُ والمَشوبُ وَيُنْظَرُ بِهِ الصّفْوُ والكدرُ وَسُلَّمٌ يُرْتَقى بِهِ إلى مَعْرِفَةِ الصّغير والكبير وَيوصَلُ بِهِ إلى الحقير والخَطير.والكلامُ آلةٌ لإِظْهارِ الغامِضِ المُشْتَبهِ وأداةٌ لِكَشْفِ الخَفيِ المُلْتَبِسِ.وبالكلامِ تُعْرَفُ رُبوبيةُ الرّبّ وحُجّةُ الأنْبياءِ والرّسُلِ وَيُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شُبُهاتِ المقالاتِ وفسادِ التّأويلاتِ.وَبِهِ تُدْفَعُ مُضِلاّتُ الأهْواءِ والنِّحَلِ وتُبْطَلُ تَأْويلاتُ الأدْيانِ والمِلَلِ.كما أنّ الكلامَ يُنَزّهُ عَنْ غَباوَةِ التّقليدِ وغُمّةِ التّرْديدِ.وهذا ما نَسَجْتُهُ منَ البلاغة بِخيوط البَيان.
إذا شِئْنا
دَعيني في عُيونِكِ أسْتريحُ
فأنــــت النّور والأملُ المريحُ
رأيتُ بكِ الوجودَ على ضِفافٍ
من الأشْعارِ أبدعَها الفصـــيحُ
ومنكِ النّور أشرقَ في كياني
وتحتَ الرّغوةِ اللّبنُ الصّــريحُ
كأنّ تعلّمي اخْترقَ انْحطاطي
فزالَ الجـهلُ وانهزمَ القبـــيحُ
وإنّ الجدّ بالأذهانِ ينْــــــمو
وعجْزُ المرءِ يعْـــقبُهُ الطّــــليحُ
إذا شِئْنا الصّعودَ إلى الجبالِ
علـــينا بالكفاحِ وبالنّـــضالِ
علينا أنْ نعلّمَ ما اسْتطـــــعْنا
لأنّ العلمَ مَفْـــــــــخَرةُ الرّجالِ
فكمْ مِنْ أمّةٍ بالعـــــلمِ قامتْ
فأحْـــيتْ بالثّقافة كـــــلّ بالي
وكمْ منْ أمّةٍ كانتْ فأمستْ
رمــاداً تحتَ خاصِـــــرةِِ اللّيالي
ومن رضيً المهانةَ عاشَ قِرْداً
يُقلّدُ ما يراهُ من الخــــصالِ
أتيتُ منَ البلاغة بالبــــــيانِ
لأرسمَ ما يَفــــوحُ به لساني
وكنتُ ألاحقُ الإلْهامَ جرْياً
أفتّشُ في الزّمانِ عن المـــكانِ
ولمْ أعثرْ على التّرياقِ إلاّ
بُعَـــــيْدَ الفـجْر في بَرّ الأمانِ
وكان اللّيلُ للشّعراءِ مثْلي
جَواداً في مُلاحقــــةِ البــــيانِ
رأى مرّ السّنينَ أخذْنَ منّي
شباباً في الرّبيـــعِ من الزّمانِ
أرى لُغتي تُبادلني الوئاما
كأنّ بيانها أضْــــحى إماما
تُغازلني بأحْرُفها انْشراحاً
وتمْنــــحُني المَودّةَ والوئاما
وجدْتُ بها التّعلّمَ ليسَ صَعْباً
إذا الإعرابُ بيّنَها انسِـجاما
وكنتُ أحاولُ اسْتظهارَ نظمٍ
تراهُ قَريحتي شِعْـــراً وِساما
وما التّحصيلُ إلاّ بذلُ جُهدٍ
بمـــعْرفةٍ تكــونُ لنا لِجاما
علينا أنْ نثورَ على الغباءِ
بِبحْــثٍ في العلومِ عنِ الدّواءِ
فعرْقَلةُ التّعلّمِ في بلادي
سَترْمي بالعـــقولِ إلى الهُراءِ
وعِندئذٍ سنحْصدُ ما زرعْنا
وحصدُ الزرعِ يَحْرُمُ في الشّتاءِ
وإنّ الجدّ في التّدريسِ فرْضٌ
لترقيةِ التّعـــــــــلّمِ بالذّكاءِ
وأمّا إن تركنا الجدّ عَــــمْداً
سَنبْقى كالبهـــائمِ في الوراءِ
محمد الدبلي الفاطمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق