«(2)» الخروج عن القطيع «(2)»
رؤية : د/علوي القاضي.
... وصلا بماسبق ، فإن أصدق ماعبر عن المعنى الحقيقي للخروج عن القطيع الفنان البولندي (توماس كوبيرا) في لوحته الشهيرة لوحة (الخروج عن القطيع) ، ولاأحد يعرف من أطلق هذا الإسم على تلك اللوحة ، هل النقاد ؟! ، أم الفنان نفسه ؟!
... اللوحة تعبر عن مدى صعوبة أن يتحرر الفرد من ثقافة القطيع المفروضة عليه من مجتمع الجهالة والتخلف
... وفى اللوحة يبدو أحدهم وهو يحاول أن يستقل بذاته ويفر من العبودية وسيطرة القطيع ، وهو يصرخ من الألم ، ولكنه يقاوم بإصرار وعناد وعيناه مثبتتان على شيء ما يراه بعيدا ، قد يكون نجمه الهادي وحلمه الكبير ، الذي يسعى لبلوغه كي يصبح إنسانا حرا متميزا
... وهناك الجموع الحاشدة بعددها اللامتناهي ، تمسك بتلابيبه لتمنعه من الفرار ، ولإجباره على الإنصياع لقوانينها ، وهذه الجموع يجمعها نفس اللون ونفس الشكل ونفس الطبيعة ونفس الصفات ونفس الأفكار وكأنها قوالب متشابهة ونمط واحد متكرر
... فى وصف القطيع يقول المفكر الفرنسي (إتيان دولا بواسيه) فى كتابه (العبودية الإختيارية) ، يعيش القطيع فى عالم مستقل خاص به وتنحصر إهتماماته فى ، (لقمة العيش أو كرة القدم أو الجنس أو الدين أو..)
... والدين عند القطيع ليس له علاقة ب (الفضيلة أو الحق أو العدل) ، وإنما هو مجرد إستيفاء للشكل والمظهر) ، لحية ، جلباب ، نقاب ، مكبرات صوت . . إلخ) وفى المقابل فإن القطيع لايهتم بالأخلاق أو السلوك ، فهو بلاحرج يكذب ويسرق ويرتشى ، ويغش في الإمتحانات ، ويتهرب من الضرائب ، ويتحرش بالنساء ولايتقن عمله
... ويحدد عالم النفس البولندى (سولمون أس) مفهوم (عقلية القطيع) فيقول ، هى قيام الفرد بفعل غير منطقى وليس له مبرر ، وذلك فقط لمجرد أن جميع من حوله يفعلون ذلك ، ويقول أيضا ، إن الأغلبية لديها تأثير كبير على الفرد وتحد من إستقلاليته ، وفى المقابل فإن الفرد بطبيعته يميل للتقليد ، ولديه نزعة الخضوع والطاعة العمياء وتعطيل العقل وعدم التفكير النقدى
... والقطعان تقدس رموزها وترفعهم إلى درجة العبادة ، وتصدق كل مايقولونه حتى لو تعارض مع العقل والمنطق
... ويتمثل سلوك القطيع أصدق تمثيل فى واقعة عجيبة حدثت في تركيا ، وملخصها أن خروفا قرر القفز من أعلى جبل ظنا منه أنه سينجو ، وفورا وبلا تردد تبعه باقي الخرفان حوالى 1500 خروف ، وقفزوا جميعاً دون تفكير وماتوا كلهم
... أخي الكريم إقرأ وفكر وتعلم واستخدم عقلك ، واكسر قيودك وكن نفسك ، كن أنت ولاتكن واحدا من القطيع
... وأعلم ياأخي أن قرار خروجك عن القطيع صعب جدا ، وفيه ألم شديد لحظة الإنسلاخ ، لكنه ألم مؤقت سيزول بتشكل شخصيتك واستقلالك وحريتك ، وستجد نفسك تتحرك بلا قيود على مساحات شاسعة من الحرية ، وستنظر للمقطورة البشرية التي لاتمتلك هدفا ، بعين العطف والرحمة
... لوحة (الخروج عن القطيع) ، توضح حجم الصراع الذي يعاني منه الفرد ، لحظة خروجه من المسار الذي يرسمه (العقل الجمعي) ، هنا القطيع عبارة عن أناس كلهم يشبهون بعضهم البعض ، نفس الملامح الغير واضحة ونفس الأحجام ونفس التوجه الفكري ، وكأنهم صورة مكررة لشخص واحد وفكر واحد وثقافة واحدة ، وهذا يدل على عبقرية الفنان ، فالفنان هنا يقصد أنهم يفكرون ويتصرفون بنفس الطريقة لدرجة أن تمايزهم الشخصي تاه واختفى وسط القطيع حتى أن القطيع نفسه مصنوع من الثلج يعني متجمد متصلب وبارد ، خالي من الحياة وخالي من المشاعر كناية عن توقف نموهم الفكري
... وإلى لقاء في الجزء الثالث إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق