السبت، 7 مايو 2022

قصّة قصيرة وداد،،، بقلم عبد الصاحب إ أميري

 قصّة قصيرة

وداد،،،
عبد الصاحب إ أميري
***
أعتاد الأديب الستّيني (صالح) أن يقضي اللّيالي ساهرا بالمطالعة والكتابة ويحاول النّوم بعد صلاة الفجر، وهذه اللّيلة، تكاد أن تكون كسابقتها من اللّيالي، إلّا أنّ ما كان يقلقه العاصفة التّرابيّة الّتي غلبت على مدينته (البصره،) فكان بين حين وآخر يلجأ إلى النافذة المطلّة على الزّقاق، ما أن يفتح شبّاك النّافذة حتّى يعلو صوت صفير الحارس اللّيلي،
-اغلق الشّباك استاذ صالح ، الغبار يضرّ بصحّتك
-الغبار لا يضرّ بصحتك
-أنا أقوم بواجيي
-الحق مع الحارس الليلي يا صالح،
صحتك تهمني
أبتسم ابتسامة سرور،
غلق الشبّاك ووقف عند صورة امرأة خمسينيّة محجّبة صورتها ملطّخة بالدّماء، سلّم عليها برفع يده إلى الأعلى
-حتّى أنت يا وداد،
-أستأذنك سأكتب اللّيلة قصّة حبّنا لا شكّ أنت معي كعادتك،،
انتخبت اسمك عنواناََ لها
وداد
ودع الصّورة ، جلس خلف مكتبة المزدحم بالكتب الموضوعة على غير انتظام،، وقد تشكّل بعضها تلالاََ، سحب جرار مكتبه وأخرج منها قلمه الفاخر، وحين يسأل عن سرّ ابداعه القصّصيّ، يبتسم ويرد
-الفخر يعود لقلمي، هدية أبي المرحوم، أهداه لي قبل أربعين عاماََ، عندما قرأ أحدى قصّصي
قلمي يكتب بأمر والدي،
خطّ أوّل حروفه على الورق
قصّة قصيرة
وداد،
وبدأ يكتب،(عاش الأديب (صالح)منذ عامين قصّة حبّ عجيبة،، قد يصعب تصديقها للوهلة الأولى،، نلحظ آثارها في صورة السّيدة (وداد) بقع الدّم ، وحرصها العجيب على صالح، تحدّثه الصّورة، بين حين وآخر، هو الأخر يبقى حائراََ امام فصولها، اختلطت أوراقها،لايصدق
أنّ كلّ ماجرى كان حقّا، يحسبه احيانا حلماََ أو وهماََ،
في هذه الغرفة بدأت أوّل فصول قصّة حبّه
علا صوت الصّورة (وداد)
-ذكرت اسمي الحقيقي، ألاتشعر بأنّ متابعيك سيكتشفون أن قلب وداد يهواك
ابتسم ابتسامة ذات ألف معنى
-لا يهمّني ما دمت أهواك
-أحبّك ياصالح
أمر صالح قلمه بالكتابة فانصاع القلم إلى أوامر صاحبه وكتب
اللّيل قد انتصف، وانشغل صالح بوضع الخطوط العريضة لقصّته،
صوت الرّيّاح الهائجة، أقلقته كثيراََ، لم يستمر الأمر كثيراََ، حتّى حلّ الظّلام بالمكان، ما إن أراد الحركة من موضعه حتّى انهار تلّ الكتب،،
صرخات وداد جعلته يقف دون شعور
-صالح،
-ماذا أفعل
-مكانك
هبّت عاصفة هوجاء قلعت الأشجار المحيطة بمنزلة،، وصوت تساقطها أثار ذعر (صالح)بدأ يبحث في الظّلام عن طريق يترك غرفته، إذ سقطت جدع شجرة على نافذة الغرفة، هشّمت زجاج النّافذة
-صالح، كن حذرا ، أحذر الزّجاج
أنتشر الزّجاج في المكان
استقرّ (صالح) في مكانه لا يتحرّك ، وعادت به الأيّام للخلف وسقوط قذائف الهاون على منزله، أيّام الحرب اللّعينة، تقدّم خطوة للأمام عسى أن يجد بابا للفرار، وإذا بالغرفة تهتزّ بشدّة، كأنّ زلزال مسّها، لإختراق شجرة عملاقة غرفته
-فديتك صالح
هشّمت جمجمته، ووقع على مكتبه، غسل دمه الطّاهر أوراقه، وصورة لوداد ، بالدّماء
بدأ صالح يكتب بيد ترتجف خوفاََ من شدّة المشهد
مشهد يصعب تصويره، تجد جثتك على مكتبك غارقة بالدّماء
وانت واقف تشاهدها بأم عينيك، دون أيّ احساس بالنّسبة إليها وكأنّ أمرها لا يهمّك بشيء،،، برمشة عين حدث كلّ هذا، انفصل الرّوح عن الجسد، إلّا أنّ صراخ الأولاد والأهل، كان يعذّبه بشدّة،
وحارس الّليل، يحاول بشتّى الوسائل ان يعيد إليه الحياة، وجود فتاة غريبة تقلّب جثّته يميناََ وشمالاََ، تبكي بحرقة من أجله ،
سؤال كان يلحّ عليه بقوّة
من تكون وكيف دخلت مكتبه
قرأت الفتاة أفكاره وهي الوحيدة بين هذا الجمع كانت تراه،
- أنا وداد أنت لا تعرفني
-وداد
، أتابع نشاطك الكتابي منذ زمن ، أقضي معظم اللّيالي في مكتبك اقرأ ما تكتب، امنيتي، أن تكون لي يوماََ
وضع (صالح) القلم جانباََ ، يستردّ أنفاسه، تناول رشفة من فنجان قهوته المعتاده،، وعاد ينظر للصّورة،
لاشكّ أنّك تتذكّرين أحداث تلك اللّيلة القاسيّة
بتفاصليها
حين وقفتِ على جنازتي الغارقة بالدّماء، و أنت أمامي تمسحين عينيك من الدّموع وتصرخين
-مت ياصالح
سادعو لك بالعودة للحياة،،
المشهد كان عليّ صعبا هضمه، ولدي الصغير، يهزّ جثّتي ويصرخ
-بابا استيقظ
حاولت أن أهدىء الموقف إلاّ أنّ أحدا من الحضور لم يسمعني،،
*، *، ***
عشت أيّاما قاسيّة في غيبوبتي، حاضر بينهم أسمع وأرى كلّ صغيرة وكبيرة وأنتقل من مكان لاخر أسرع من الضّوء، كانت أجمل من العمر الذي عشته عقوداََ، هنا اكتشفت جمال الحياة الأبديّة أن أكون في الوقت نفسه في
عدّة أماكن
شعور عجيب،. بدأت أشعر به عندما ألاحظ ودادا، تدعو وتتوسّل ان أعود للحياة،،
حتّى عادت روحي إلى جسدي وعادت لي الحياة مرّة ثانيّة، ما إن عدت للبيت، أوّل مكان وضعت فيه أقدامي،غرفة مكتبي، تمّ ترميمها دون المساس بمكتبتي و تنظيفها من آثار العاصفة، إلّا أنّ امراََ، واحداََ، ظلّ لي سؤالا، صورة وداد ، إذا كانت وداد روحاََ، كيف أتت بالصّورة،
بقت وداد خلال هاتين العامين أنسي الوحيد، واملي الكبير في أن التقي بها ليكون لنا عشاََ، كنت اقراً لها ما تكتب وتقرأ لي ما أكتب
رنّ هاتفي النّقال، وإذا بها وداد
-ماذا تفعل ياصالح؟
-وماذا أفعل يا وداد، أريد أن أنهى قصتك،
-وهل تعتقد أن لقصتي نهاية،،؟
-لكلّ شيء نهاية
-ونهاية قصّتنا كيف تكون؟
-هل تخمنين نهايتها؟
سكتت وداد وكأنّ على رأسها طائر
وداد
وداد
-ما بالك لا تنطقين
رمى بقوّة قلمه الحبر الثّمين على منضدته محتداََ،وكأنّه في شجار انتشرت قطرات الحبر الأزرق ، على الأوراق، وانتجت اسما (وداد)
نطقت وداد بعد أن أحسّت بغضب (صالح)
-ماذا حلْ بك فجأة، عرفتك رجلاََ منطقيّا ، لماذا غضبت،،؟
نحن ندور في حلقة مفرغة،، نبقى ارواحاََ يعشق بعضنا البعض، قد تكون هذه قسمتنا،، أليس من حقّ الأرواح أن تعشق؟
النهاية.
عبد الصاحب إ أميري
Peut être une image de texte

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق