*نصف حجاب *
قصة قصيرة
رفعت نحوي عينين عسليتين تغشاهما مرارة تساقطت دموعا موجعة. شفتاها ترفان. تلملمان حروفا شردت بين خيام دقّت اوتادها على مشارف باريس. حاولت الابتسام لكن غمازتي خدّيها بدتا باهتتين مرتبكتين.
خلفها فتيات وشبان وبعض أطفال يتحلّقون حول فتاة شقراء تعلّمهم التّحدّث بالفرنسيّة وهي توزّع عليهم إعانات.
خبزا du pain
ماء de l'eau
حليبا du lait
_كيف جئتم إلى هنا؟
سالتها لأصرف نظرها عن المشهد الذي ظلت تتابعه باستحياء وخجل مريع..
تنهٌدت بوجع مكين، ثمّ قالت بعربية فصحى سليمة:
_أجلانا الفرنسيّون يوم سلّمتنا أمريكا وحلفاؤها إلى "طالبان" بعد اتفاقية قذرة. العالم كلّه تخلّى عنّا. تركنا للسّحل والرّجم والشّنق.
شابّ اسمر وسيم. يقترب منا ليكمل بفرنسية متعثرة وهو ينبه غزالة بإشارة من يده إلى ضرورة شد الحجاب ليستر الشٌعر كلّه:
_هربنا من التّقتيل والتّجهيل والتّدمير . أنا عازف سكسوفون. وصلتني تهديدات بالقتل ومنذ أشهر ماتت اختي جلدا في الشارع بعد أن ضبطوها تغني. لأن في عرفهم الموسيقى حرام لكن زراعة الحشيش والمتاجرة في المخدرات واغتصاب القاصرات حلال ..
تلتفت إلى الملجإ الغريب. بدا لها معلٌقا في مشنقة هلاميٌة. لاهو في باريس ولا في الوطن الكسيح. تتابع الصّدقات توزّع على اللاّجئين الّذين لفظهم وطن ثريّ غنيّ. ثمّ تضيف بمرارة :
_ أصبحنا متسوّلين. منذ يومين علمت أنّ شيخا سبعينيا من قادتهم المتنفذين تزوج اختي الصغرى التي لم تتجاوز اثنتي عشرة سنة بعد أن اقتلعها من حضن أمي بالعتف وجرها على الأتربة لتبيت مغتصبة في فراشه القذر نكاية فيّ أنا، لانّني اختفيت بعد أن أهدروا دمي لما ثبتت عليّ تهمة تدريس الفتيات في قبو تحت منزلنا ...
غصة. حجر صوان يضغط على الكلمات فتتهاوى في الصميم المكلوم. أصابني الخرس. .مدّت لي قطعة شكولاطة سوداء مرّة، ومضت ويدها ترفع حجابا بنّيّا ينزلق على الشعر الاسود الحريري كلما حاولت شدّه إلى الأمام.
حبيبة المحرزي
فرنسا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق