الخميس، 21 أبريل 2022

قراءة في الديوان الرّابعِ ( طائرٌ في الشّتاتِ) للشاعرة عزيزة بشير بقلم الشاعر طاهر مشي

 قراءة في الديوان الرّابعِ ( طائرٌ في الشّتاتِ) للشاعرة عزيزة بشير

 

 

أللغة العربية، لغةٌ مقدّسةٌ؛ لأنّها لغةُ كتابنا الكريم، وكلامُ ربّنا ولغةُ تاريخِنا وحضارتِنا التي نفخر بها جميعًا على مرِّ العصور "لغة الضاد"؛لِتفرُّدِها بهذا الحرف وهيَ أُمُّ اللغات تفنّن العرب بها منذ ظهورها في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث في وقتِ  تدوينِ اللغة، فترة سيبويه، والخليل بن أحمد الفراهيدي، والأصمعي.حيث اتّخذها معظم الأدباءِ والمفكرين لكتابة أعمالهم الدينيّة في العصور الوسطى، وزادت أهميتُها عند انتشار الإسلام بشكل كبير، وأصبحت لغةَ الأدب، والعلمِ والسياسة وهي الهويّة والدّينُ والوطن كما تقول الشاعرةُ في ديوانها وهي اللغة الحيّةُ الباقية بعد انقراضِ اللغات و لغةُ كَوْنٍ لا قوْم أرقى وأهم لُغات العالم كيفَ لا وهي كلامُ اللهِ-سبحانه  وتعالى - لِخلقِه ومعجزتهُ لرسوله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ؟! فتفنّن الكتّاب والشّعراء في صياغة مُنجزاتهم الأدبية لتظهر اللغةُ العربيّةُ في أبهى حُلّة، كهذا المُنجَزِ غيْرِ التقليديّ الجديد والفريدِ مِن نوعِهِ بأنامل الأديبة عزيزة بشير، الذي يحمل في طيّاته، جمالَ اللغة وحُسنَ الصياغة ورَوْعةَ البيان، تُجسِّدُ بِه مسيرتَها العمليةَ كمعلمةٍ بدأتهُ بِمُخطّطٍ لأنواع الأدب وخصائصِ كلٍّ  مُفرِّقةً بين أنواع الشّعر وبينها وبين النثر  وبأنّ حروف المدّ لا تعتبر قافية بل ما قبلها وكشاعرةٍ وطائرٍ في الشّتاتِ من خلال عَدَسةِ الإعلاميّ الحرّ الذي يلتقط الصّور لِيوَضِّحَ بهِا الخبر راصداً حياةَ الشّتــاتِ مُتَبِّعاً على ما يجري في الوطنِ المُحتلّ، مُقرِّباً المعلومة، مُبسِّطَاً المنهاج لِتُؤدّي دروساً، رسـائلَ كثيرة: -للتّمسّكِ بهذه اللغة التي تحمِلُ على عاتقها لِواءَ الدّفاعَ عنها:

أعرفْتَ يابْنَ العُرْبِ قيمةَ ضادِنا؟ فَلِمَ الجُنوحُ لِغيْرِها، وٓكلامُ ؟!

إنْطِقْ بِمُخْتٓلِفِ اللغاتِ ولا تٓدٓعْ  لُغٓـةٓ الْكِتَـابِ وأُمَّهُنَّ، تُضامُ !

لُغَـةٌ لِكـَوْنٍ لا لِقَـوْمٍ واحِــدٍفانْطِقْ بِهَا؛هٓجْرُ الحَبيبِ مُلامُ!

 

-ولشرْحُ قضيّتها لاستعادة فردوْسها المفقود، راسمةً التاريخَ في لوحات فُسيْفسائية بديعةٍ مِنْ خِلال مَوْهِبَةٍ وَهبَها اللهُ في الشِّعـرِ الملتَزِمِ بِقَضايا أمّتها ومُجتَمَعها وَمِهْنَتها المقدّسةِ كمعلِّمةٍ للأجيال ضمّنتْها ديوانَها هذا(طائرٌ في الشّتات) فالمعلُّم صاحبُ رسالة نبيلة! وهاهي الشاعرة المتميزة يضوعُ من بين أناملها مِسكٌ يهُبُّ بنسائمهِ العطرة؛ ليَجري بنا مع كلِّ بيت، لِيُسافرَ بنا لِنعيشَ معها الجرحَ الفلسطينيّ وفظاعةَ جرائمِ الاحتلال: يهدمُ البيوت وينقضُّ على أصحابها مِن خلال صُوَرٍ التقطَتها؛ لِتعزيزِ الخبر وإثارة الحميّة:

 

-أنظُرْ بِعَينِكَ ثُمَّ قلبِكَ واسْتَدِرْ

قُلْ لِليَهودِ بِأيِّ حَقٍ تَضْرِبوا؟

 

ألدّارُ دارُهُ والبِلادُ بِلادُهُ

والأرضُ أرضُهُ،يا لُصوصُ تَأدّبوا

 

(والقُدسُ)عاصِمَةُ العُروبَةِ كُلِّها

وهْوَ المُواطِنُ،هلْ لِذاكَ يُعَذَّبُ؟

 

‏-وبروْعةِ الصورة تتَجلّى قراءةُ الحدثِ؛ ليسهلَ على المتلقّي سماعُهُ والتّلذّذُ بهِ والاستفادةُ

مِمّا  يحملهُ من معلوماتٍ مُبسّطةٍ بشعرٍ منهجيٍّ جديدٍ أوْجدَتْه في الشّعر، بِحنكةِ المعلِّمِ وبراعةِ الشّاعِرِ ؛ليكون ديوانا كاملاً بما فيه من عِلمٍ

وجمالٍ وحسن توظيفٍ للغة، كما تقولُ في مقدّمتها في الإجابة عن سؤال في أيِّ مكان وبأيٍّ كان في قصيدةٍ في ديوان، في تصويب خطإٍ، في مِرسال نشـرحُ قضيّةً، نُعرّي ظالماً، نجبُرُ خـاطِراً، نُهنّي، نبـارك، نُعزّي، ندعو للتمسُك بالكتـاب،وَبِعُروبتنا وديننا الحنيف، و إلى استخدام أرقامنا العربيّـة المهجورة وتركِ الهنديّة؛ غيْرةً على العُروبةِ حيث قالت :

 

- فَمُخْتَرِعٌ (لصِفْرٍ)...قَــدِّروهُ ( لِأرقامِ العَـربْ)،زيدوهُ قَـدْرا

 

فَمِن (وَنٍّ ….لِنايْنٍ)ذي لِعُـربٍ (9............1)

عـليْكَ بِنَهْجِها فَإليْكَ ذُخْراً !

 

ومِن(واحدْ ... لِتِسعٍ) ذي لِهِنـْدٍ (١ .... ٩ )

تَبَصّرْ يا أخي ،واهجُرْهَا فَوْرا!

 

-إن القصيدةَ للشاعرة العربية عزيزة بشير، هي لوحة فنيةٌ مكتملةُ التفاصيل، تُواكب المُتلقّي للاطّلاعِ على ما يدور من أحداث في العالم العربي، فكتبت عن الأبطال والأسرى

وعبّرت عن كل المناسبات بحُلْوِها ومرِّها،  وعن طالباتها اللواتي تواصلنَ معها بعد ثلاثين عاماً وما زِلن يذكرْنَ تبسيطها الدّروسَ بشعرها المنهجيّ !وتُهدينا باقةَ وردٍ في شكل ديوانٍ متميِّزٍ ألا وهو ( طائرٌ في الشّتاتِ).

- [ ] -رغم وباءِ  الكورونا الذي اكتسَحَ العالم كالطوفانِ الجارف، إلا أنّ بديهتَها كانت حاضرة ممزوجةً بِروحٍ دينيّةٍ مُحبّبة وفكاهةٍ جاذِبة فكتبتْ عن الكورونا والحجْر مناجيةً الله تعالى:

 

إرْحَمْ عِبادَكَ بُكرَةً وأصيلا

كورونَا عشّشَ في البلادِ طويلا

 

لمْ يكْفِ أنّهُ قد أتانَا مُدَجّجاً

حتّى أتى بِعشيرِهِ ….وقَبيلَهْ!

 

يا ربِّ إرْحَمْ فالفؤادُ مُعذّبٌ

والحالُ أغبرُ والنّفوسُ عَليلَهْ!

 

-وتدعو إلى شكرِ اللهِ والنّاس والدّول التي استضافتها في الشّتات وفتحتْ لهم ذراعيها ( ولئن شكرتُم لأزيدنّكم)

وتدردش بحلو القصائد إلى أن يعودَ الطائرُ إلى عُشّهِ بعد تحليقهِ لِعقودٍ في الشّتاتِ:

 

وطَنٌ يُحرَّرُ

والأمانِي تزيدُ

ربّي، وطائرُ في الشّتاتِ يعودْ!

 

-ولعلّي أرى ما رسمت الشاعرة عزيزة بشير، من قصائد، هي رسمٌ لِذاتها في كل بيت وكل سطر، فهي مَوْلودةٌ في حيفا وبلَدها الأصلي جنين/ اليامون أردنيّةُ الجِنسيّة. فأجدها تكتب الشّعر الموضوعيّ، في مُطوّلةٍ متماسكة البناء، بها قصةٌ ذاتية، تحمل بين سطورها قضيةً عربية حيكت بفنّيةٍ عالية ونظمٍ متميز، فتروي قصةً عُمرُها سبعونَ عاماً، قصّتَها وأختَها سلوى المنسيّةَ في البيت زمن النّكبة  لتروي معاناة الشعب الفلسطينيّ المضطّهد مِن خلالِهما:

 

-حِكاية شعْب، حكايتي وأختي سلوى:

 

آآآهٍ! من قبلِ سبعينَ عاماً كنت في اللفّهْ   

في حربِ غدرٍ، وقد مالتْ بنا الكفّهْ

 

نيرانُ تعصفُ والثوّارُ قد سقَطوا   

والبيتُ يُنسفُ، والأعداءُ ملتفّهْ

 

أعطتنِي أمّي لِشخْصٍ وهْيَ هاربةٌ

خُذها بُنيّ فحِملي في العَرا طفَّ!

 

-وقد مرّتِ الشاعرة على كل الجزئيات لتشكِّلَ اللوحة الحزينةَ آنذاك وُتوغلَ في الوصف الدقيق لما يجري من أحداثٍ في ذلك الوقت،

وقد دخلتِ المطوّلةَ بمقطعٍ نثري توطئةً لأحداثِها؛  لِيعيشَ القارئُ الحدثَ برمّته مع الشاعرة، وهذه المطوّلة  صِدقاً قصةٌ كاملة مكتملة  لِما جرى ويجري على السّاحةِ الفلسطينيّة شرحت بها القضيّةَ  ورغم الحيّز الزمنيّ الكبير الذي مرّ على وقوعها لكنّ وضْعَ شعبِها لا يزال على حاله وزيادة، فنجدها تلخّصُ قضية شعبٍ مثابر ومناضلٍ منذ ما يزيد على سبعين عاما،  تكتب التاريخ بأحداثه  بامتياز !

هذا المولود البهيّ جمع أصناف الأدب بتفاصيله وَبِصوَره الشّعريّةِ المنحوتة بدم الوريد، وقد أثْرتْ شعرَها بمداخلة نثرية تصف الحدث؛

لتسافر بنا مع كل مشهد لمنحًى أدبيٍّ متجدد ليكون الجمعُ بين النثر والشعر في مطوّلتها ساردةً ما دار بها من أحداث مُحلّلةً سبَب ذاكَ الضّياع فقالت :

 

ما كانت الأمُّ أن تذهلْ عن ابنتها    

لو ساد أمنٌ، سلامٌ عادلٌ رفَّ

 

ما كانت الأم أن تسخو بطفلتِها  

لو كان عدلٌ، وظلمُ الغدر قد كُفّ!

 

-علّني أرى  الشّاعرةَ بهذه  المطوّلةِ والعديد من القصائد الأخرى  في رحم معاناة شعبٍ لا يزال يتألم،

لكنها عاشت بعيدة بِجَسدِها عن موطنها  ولكن مُتّتبّعةً ما يدور في أزقته وشوارعه بِروحِها بريشةٍ بديعةٍ ومتميزة!

فكتبت: " سبعون عاماً على النكبة" ، "إعلان قيام دولة فلسطين في الجزائر عام 1988 في المنفى"، "إنتفاضة وإباء"، "جنين" ....... والعديد من القصائد الجميلة التي نقلت فيها الأحداث  بإبداع لتُشكِّلَ هذا  المنجز "طائر في الشتات" الذي جمع العديد من المناهج التثقيفية والتعليمية؛ ليكون مُنجزاً شاملاً،  جادت به قريحة الشاعرة الفاضلة في جُلِّ الأحداث التاريخية حيثُ شملَ عدداً  كبيراً من القصائد  شاركت بها الشاعرة رادّةً على  الشعراء والمواقف التي جمعت الأقلام العربية، فتخالُهُ سوقاً أدبيّاً يشدُّكَ إليْهِ! ونوّعت  فيه بتنوّعِ المواقف؛ لتجذبَ القارئ مستعينةً بالصّور، في الفرح والحزن، قصائد رثاء لأصدقاءَ قد رحلوا، وتبريكاتٍ لِمواليد قد وُلِدوا كذلك قصائد عرضت بها مواقفَ إنسانيّةً لِتشعُرَ معها  وجرائمَ للاحتلال لِتثيرَ حميّتَها  ولا تنسى عدوّها وعلماء وأبطال لتتعرّف عليهم وتحذو حَذوَهُم بِمواقفَ نبيلةٍ شاركت بها معيّة المثقفين؛ لِذا يُعتبر هذا المُنجز عملاً أدبيّاً متكاملاً، حمل البعض من النثر، والكثيرَ من الشعر، في صور عدة سواءً شعر التفعيلة أو الشعر العمودي بإمتياز؛ ليتشكّلَ هذا المولودُ البهيُّ، بكلّ ما فيه من جمالٍ للكلمة والصورة، لتَكونَ كلُّ هذه الموادِّ المتميزة التي يحملها   هديةً متميزة للقارئ من منظوري الخاص، حيث يتبيّنُ فيه جمالَ اللغة وميزتها وحسنَ صياغتها وتوظيفها عن دراية وخبرة سنوات عديدة في تخصّصها باللغة العربية. التي ألّفتْ بها العديدَ مِن المؤلّفات.

إن الشاعرة عزيزة بشير من أبرز الشعراء المتميّزين، حيث اعتنتْ باللغة العربية بكُلِّ أشكالها وفي كل كتاباتها بل وطوّعتها لتبليغ رسالتها المستمرة بدراية وحكمة في القول والصياغة!

إن هذا المولودُ المُشرِّفُ، سيكون له أثَرٌ إيجابي بدون شكّ في السّاحةِ الأدبيّة وعلى كل من يتصفّحه، فمنه نستقي عِلماً وأدباً وحُسنَ سلوك وشحذاً للمشاعر والهِمَم!

- أوردت الشاعرة خاتمة متميزة لهذا الديوان حيث تَعتبرُ أن ما كتبته و قدّمته في هذا المُنجز رسائلَ من معلمةٍ وشاعرة وطائرٍ في الشّتاتِ للأجيال ضمّنتها  ديوانِها "طائر في الشتات" لتكون رسالتُها خالدةً تتناقلُها الأجيال، قالت في خاتمة ديوانها:

 

شعرُ المناهج قد سبقْتُ بنَظمِهِ      

بسَّطتُ فيه درُوسَهم; ليَعُلَّموا

 

علَّ الكـريمَ يُثيبُنا بثَوابهمْ:      

عَوْدٌ لأرضٍ، بالجنانِ نُكرَّمُ!

 

أقدم تقديري الكبير للشاعرة عزيزة بشير، وَهذه القراءة كمدخلٍ لِلديوان للاستمتاع بجمال اللغة وَعِطرِهَا المسكوبِ بين السطور؛ ليغوصَ القارئُ في مكامنِ المُنجَز، ويكتشف المزيدَ من الجمال والإبداع في اللغةِ والصورة بكُلِّ أبعادها !

فإلى المزيد منّ التّميّز والتوفيق المستمرّ لِحاملةِ لواءِ الدّفاعِ عن اللغةِ العربيّة والوطن عزيزة بشير وإن شاء الله لِديوانٍ خامسِ قي ربوعِ فلسطينَ بعد التّحرير!

الشاعر طاهر مشّي









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق