الخميس، 14 أبريل 2022

الشاعر والكاتب التونسي الكبير طاهر مشي يكتب الحياة مشدداً على وجهها المُعتم..كي يحتفي ببهائها المتعالي على التراب المُعّفر. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

  الشاعر والكاتب التونسي الكبير  طاهر مشي يكتب الحياة مشدداً على وجهها المُعتم..كي يحتفي ببهائها المتعالي على التراب المُعّفر.

تصدير :

* سيظل  طاهر مشي شاعرا قديرا وقاصا ماهرا،سوى حمل الجسد/ الذاكرة/ رحلة الإنسان من البدايات إلى النهايات متأمّلا الذات والعالم برؤية شعرية مدموغة بسؤال الشعر الحارق والمتقّد بالبحث الأبدي عن الكينونة. (الكاتب)

*هو شاعر تونسي وكاتب مثابر مُجدّد ( طاهر مشي)،يراهن على الكلمة وامداء وحيها، يصطفيها كميثاق خلاص،رميها كنردٍ أكيد من ربحه أو يناوشها كأفعى في جحرها.(الكاتب)

هي سيرة حياة شبابية تعبق يعطر الإبداع، اعتبرها أجمل قصيدة كتبها بحبر الرّوح ودم الكلمات، و جبلها من ترابه ورصعها بفسيفساء متقنة اكتنه أسرارها وعبث بألوانها.

بدا لنا كذواقة يلتهم الزمن ويتأنى في تذوقه،ينافس نفسه بصدق وعناد، ويأبى لا أن يقلب حياته على جمر حارق.

أحب الحياة كعاشقٍ أبدي مهما جانبت توقعاته،وانتصر دوماً على ضعفها وراودها عن أذيّته، وواجهها بملامح ونظرات جُبلت بالتحدي والسخرية والذكاء.

والحياة عنده قطار طويل وسكة ومحطات ولذة ارتحال..والكتابة عنده رحلة لا يرجو منها وصولاً ولا راحة .. هي نسق حياة سبحة لا نهائية..ومحطات عديدة، وظل يُكمل بهجة الاستكشاف،يعاند الصعوبات،ويحوّل التعب إلى ثمار، والثمار إلى لذة..واللذة إلى إبداع مذهل وخلاّق..

هو شاعر تونسي وكاتب مثابر مُجدّد، يراهن على الكلمة وامداء وحيها، يصطفيها كميثاق خلاص، رميها كنردٍ أكيد من ربحه أو يناوشها كأفعى في جحرها.

إن التكامل الجمالي-في قصائد الشاعر التونسي الكبير  طاهر مشي -يكمن في روح البناء الكلية من حيث الشفافية والعمق والتماسك الجمالي بين الأنساق،فثمة قيمة جمالية في الاندماج والتلاحم بين الأنساق الوصفية والمضافة، مما يرتد على إيقاع القصيد بشكل عام، لاسيما في العلاقات الجدلية التي تعطي جمالياتها على الشكل النسقي التضافري الذي تشكله القصيدة

إن خصوصية التجربة الشعرية لدى  طاهر مشي تمتاز باكتنازها بالرؤى والدلالات المراوغة التي تباغت القارئ في مسارها النصي، وهذا يعني أن الحياكة الجمالية في قصائد شاعرنا الكبير ( طاهر مشي) حياكة فنية يطغى عليها الفكر التأملي والإحساس الوجودي، وكشف الواقع بمؤثراته جميعها..

إن الحياكة الجمالية في قصائده -ترتكز على المخيلة الإبداعية، ومستوى استثارتها، الأمر الذي يؤدي إلى تكثيف الرؤى، وتحقيق متغيرها الجمالي.

ذهب في قصائده إلى أقاصي الجمال كما إلى أقاصي العشق، متقناً شهوة الاسترسال وبراعة الومض…يكتب ويكتب وكأن الكلمات تتوالد وتنساب بسعادة إلى ناشره وبسهولة إلى القارئ من أصابعه المتعرشة على قلم لا ينضب حبره.

لا يحاول - -طاهر مشي-أن يسترضي قارئه أو يستميله أو يمجّد قصائده. هو يصافح البؤس البشري، ويروي سقوط الإنسان في هاويته، ويفتح بجرأةٍ ستارة تفضح ما نوّد أن نخفي لإراحة ضمائرنا..يكتب الحياة مشدداً على وجهها المُعتم كي يحتفي ببهائها المتعالي على التراب المُعّفر.

وهنا أقول:

مثل ساحر متمكّن يقود الشاعر الألمعي  طاهر مشي القارئ في كل قصيدة من قصائده، يقوده سيرا حيناً وركضا في الكثير من الأحيان. نتابع الكلمات والمعاني بلهفة الفضول والحيرة ونلتهم الكلمات من بين متون القصيد التهاما، ومن ثم لا نملك فرصة للهرب من فتنة شعره (بكسر الشين)،منذ أول بيت في القصيدة أو أول كلمة في القصة، حتى آخر نقطة في آخر صفحة. لا نستطيع أن نهرب من فتنة أسلوبه الشعري الموغل في الإيحاء، التكثيف والترميز، حيث تتحول اللغة إلى مجرد أداة، وتصبح بالتالي مثل إزميل النحات أو فرشاة الرسام، ولا تكون محور القصيدة، مثلما تعودنا من بعض الشعراء العرب الذين يهتمون باللغة وزركشتها على حساب القصيدة وأشكالها الفنية.

سواء في القصة أو الشعر تكشف لنا أعمال المبدع التونسي الكبير  طاهر مشي (المدير العام لمؤسسة الوجدان الثقافية)عن مدى قدرته على الانتفاع من معارفه الأدبية والثقافية والفكرية، بدون أن يسقط في نرجسية «ذات الكاتب»، التي تقول: «أنا موجود بالقوة». وإنما يستثمر كل ذخائره مراعيا حدود الجنس الأدبي، ومحافظا على الحس الجمالي والأثر الفني للعمل الأدبي.

سألته ذات يوم  قائلا: نسيج نصك الإبداعي (شعر،قصة،خاطرة..إلخ) غني. يتعدد الصور الفنية ومستويات السرد.كيف تنظر إلى التجريب ووظيفته وتبعاته؟

فأجابني -جوابا مربكا-ينم عن قدرة هائلة في التفكير الفلسفي :

في – تقديري-القصيدة الحديثة تحمل أدواتها معها، ما يسمونه تجريباً ينبغي أن ينبع من رائحة النص وشخوصه، بل ينبغي أن توفر الحكاية سبباً للابتكارات فيها، وهكذا كانت نصوص التراث العربي، فالشكل التقني لألف ليلة وليلة يرتبط بظروف الرواة دائماً، والطبيعة الشخصية لأبي الفتح الإسكندري في مقامات الهمذاني يمنح سبباً لتكرار ظهورها، والفضاء المتخيل في «رسالة الغفران» أعطى شكلاً منسجماً لتنقلات النص، ويبقى التجريب مفهوماً مضللاً في الكتابة الجديدة، فلم يعد شرطه تخليق عوالم خيالية، كما تقول قواميس النقّاد، لكنه مضمار تقديم علاقات حديثة مع الحياة المسرودة، وهذا شرط مفصلي يتعلق بنموذجنا العربي، فقد حدث من التفريط والتهويم والنسخ الشكلي ما ضيّع الواقعة وطرح الجزء التوثيقي في السرد، فاكتسب التجريب سمعته المتعالية التي لا تأبه بعلاقات الحياة ولا تقدّم صورة واضحة عنها، بينما تحتاج الرواية -مثلا- دائماً إلى إدارة ناجحة تضع التجريب في محله؛ أو تضحي به لصالح قيمة إبداعية أخرى داخل النص. ولا يعدم التلويح بما يوفّره التجريب من دافعية مرحة نحو الكتابة، في حالتي، لا أكتب شيئاً بدون التحديق بعدّاد المجازفات الذي يحفر في المجهول.”

لقد كشف الشاعر -طاهر مشي- بمهارة عالية من خلال تداخل رموزه عن قدرة شعرية تحقق المزيد من الانزياح والانحراف الدلالي عن النسق العام بلاغياً وتركيبياً ونحوياً وتنسيقها ضمن رؤية النص ومنظوره الذي يتحرك وينمو ويفيض بالرؤى وترابطاتها وتقنياتها المختلفة على التفاعل النصي والدلالي. فهي يكتسب أبعاداً جديدة عبر خلق معطيات التحول الذي تنفتح القصيدة به كلياً إذ تظل العلاقة بين البنية العميقة والانزياح النصي والدلالات المتشابكة والتقنيات والأساليب الشعرية هي المحرك الأساسي للنص الذي تتكامل فيه عناصر التشكيل البنائي في مجمل العلاقات النصية التي توّلد بدورها أسئلة الواقع وأسئلة النص وتتعانق وتتمازج في مكوناتها وأصواتها وأفعالها وأحداثها بشكل يعيد تشكيل تناقضات هذا الواقع ومفارقته ومأساويته وطاقاته المكبوتة ، ليوّلد الشاعر من خلال ذلك تمسكه بالشعر والقصيدة كمنقذ فاعل ومخلص أصيل وليؤكد هويته المتحققة في عمق المشهد ويعمل- جاهدا- على إضاءته وإثرائه وحضوره البهي المتألق في التجلي والرؤيا التي تنطلق منها قصائد الشاعر.

إن الرموز في مجمل نصوصه (وهذا الرأي يخصني) قد تشتبك مع بعضها وقد تتداخل مع الاستعارة بأنواعها لتمنح النص صورة مكثفة..

على سبيل الخاتمة :

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن سمة الشعر التحول والتغير، فهو يجترح الوسائل التعبيرية والقوالب التي بإمكانها احتواء نداء الذات والوجود، والبحث الأبدي عن تأسيس خطاب شعري منبثق من عمق الجرح الكينوناتي، النازف لغة تعبّر عن التوتر والقلق والاحتراق، تلك سيرة الشعرية العربية التي لم تستسلم للعقلية الثبوتية، لكونها تجد حياتها في التمرّد ضد القوالب الجاهزة،والمروق عن السكونية، بل تجنح صوب المغامرة، وارتياد أفق شعري يكتب تاريخ كتابة شعرية ممتدة في ذاكرة الإبداع الكوني.

فنداء الذات والوجود هو نداء إشكالي مادام السفر عبر دروب الإبداع شاق ومربك -كما يحلو لي أن أقول- لكن قصائد شاعرنا المدهش -طاهر مشي تلج عتباتها المزدحمة بالدهشة والاندهاش، عبْر قراءة تحاول القبض على مُمْكِنِهِ النَّصي والتَّنقيب عن جمالياته، رغم استحالة الإلمام بهذا المعطى، لأن الشعر عاص على التحديد واستكناه غوامضه وكوامنه.

هكذا نروم الولوج إلى عوالم تجربة شعرية لها ميزتها في الكتابة، لأن الشاعرالتونسي الألمعي  -طاهر مشي ينطلق من تصور نابع من رؤية عميقة للعملية الشعرية، الشيء الذي يجعلنا نقف حائرين من أي الأبواب القراءاتية يمكن أن ندخل؟ وما هي الآليات الممكن توظيفها لسبر البئر الشعرية العميقة لنصوصه الإبداعية المذهلة والمربكة في ذات الآن، سواء قصصيا أو شعريا، فالشاعر خبر المناطق الخفية للمتن الشعري.

هو ذا الشاعر التونسي السامق  -طاهر مشي كما عرفته.. وعرفته الساحة الأدبية في أصقاع عربية كثيرة.. وحتما سيظل شاعرا قديرا وقاصا ماهرا، سوى حمل الجسد/ الذاكرة/ رحلة الإنسان من البدايات إلى النهايات متأمّلا الذات والعالم برؤية شعرية مدموغة بسؤال الشعر الحارق والمتقّد بالبحث الأبدي عن الكينونة.

محمد المحسن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق