أن نكتب-في زمن كورونا-فإننا نحلّق في سماوات الرموز..بكل حرية وتمرد
-إن لكم في الكتابة حياة وعلاج..ورحيق للرّوح..(الكاتب)
"المشكلة قائمة ويجب أن نعيش معها؛ مع الخوف منها بأكبر قدرٍ ممكن من العقلانية والأخلاقية والتعاطف والألفة والتفهم المتبادل إلى أن تُفرَج"
الكتابة تُعطيك فرصةً لاكتشاف نفسك حتّى وأنتَ في قمّة ألمك،تُساعدك على تفسير الأمور والحياة،بطريقة لم تكن لتدركها لولا أنّك خطَطْتَ أحاسيسك على الورق، ليست وصفة علاجيّة بالتأكيد، ولا يُمكن لها أنْ تمسح آلامك أو تنهيَها، ولكنّها تجعل لألمك معنًى وتضعه في مكانه الصحيح كامتحان قاسٍ من امتحانات الحياة الذي قد لا تخرج منه على قيد الحياة لكن تبقى على قيد ذاكرتها.
معظم الكتّاب نجَحُوا في استخلاص مادّة جيّدة للكتابة مِن حياتهم البائسة،كنوع مِن التصالح بين الكاتب والحياة،على شكل نصوص خالدة تحفظ اسم كاتبها للأبد، لم يكُن الألم وحده مَن صنَعَها لكنّه مَن صقل الموهبة وكمّلها. فأفضل الأعمال العالميّة كتبَها مُتألِّمون كفعل مقاومة، وأحيانًا كفعل ثورة.وأحيانا أخرى..كفعل تمرّد..
ولكن..
يحيّرُني أحيانًا ما يقوله البعض عن كون الكُتّاب يعانون، أو أنَّ مجموعةً منهم مِن ثقل العبءِ عليهم، وصلوا مرحلة الانتحار! لكنّها معاناةٌ مستساغة. الأمر عجيب، حتّى لا يُمكن تشبيهُه. قد يكون مثلًا كخوضِ مغامرة، تسلّق جبلٍ بلا حبل، غوصٌ بين سمكات قرش، دخولُ غابة، شيءٌ من هذا القبيل لكنّه ممتعٌ ما يزال. كما يقول حمّور زيادة: “الكتابة هي أجمل ما يتمنّاه الإنسان لنفسه، وهي أسوء ما يعاني منه الإنسان”.
الكتابة لا تقتصرُ على محدوديّات،نضعُها في إطار فوائد، أو نقاطٍ في كتابٍ مدرسيّ. (الكتابةُ الإنسان. الكتابةُ التاريخ. الكتابةُ الحياة)، أو كما يقول هرمان هيسه: “دون كلماتٍ أو كتابةٍ أو كتب لم يكن ليوجد شيءٌ اسمه تاريخ، ولم يكن ليوجد مبدأ الإنسانيّة”.
..ما بين تجاذب الأكاديمي والإبداعي قد تتموقع الذات الكاتبة حسب المقاوم وشروطه.ذلك أنّ الكتابة الأكاديمية تحيل على صرامة شروطها ومحدداتها،فالسسيولوجيا علم له ضوابطه الصارمة التي قد تقدّم نصا أكثر ميلا للموضوعية،لكن النص الإبداعي هو تعبير عن الإنفلات من برودة”العلمي” نحو دفء الأدب وانزياحاته الفنية الرائعة.
هو محاولة للتحليق في سماوات الرموز بكل حرية وتمرد أحيانا.
ومما لا شك فيه أن التلاقح يحضر بهذه الدرجة أو تلك علما أن الكتابة هي نوع من الرحيق الروحي الذي هو بمثابة عصارة شاملة للذات الكاتبة فكرا ووجدانا وتكوينا ومزاجا حتى..
الكتابة بمعنى آخر..بلسم للرّوح حين تتشظى..
ومن هنا،فهي ليست لمن احترفوا الكتابة،فهي بالنسبة لهؤلاء شريان الحياة، بل لمن لم يمارسوها وضاقت عليهم أنفسهم وصدورهم،قلقًا وتوترًا سواء من كورونا أوغيرها،أو ألم بهم جرح أو شرخ في الروح أو النفس أو الجسد يرجون التئامه..
إن لكم في الكتابة حياة وعلاج..ورحيق للرّوح..
على سبيل الخاتمة:
باحثة أمريكية وجدتها فرصة لإلتقاط تجارب الناس خلال هذا الظرف التاريخي العصيب، ومساندتهم في التعامل مع الصدمة وعدم الرضوخ للجائحة (كوفيد 19)،فأطلقت مشروعًا للمجلات اليومية عنوانه "لنروي حكاياتنا في ظل أزمة كوفيد-19"، وهي تعتبر أن هذه لقطات من حياتنا في وقت لا نظير له،وهدفها رصد قصص الناس إزاء كيفية تعاملهم مع الأزمة، وكيف غيَرت حياتهم، ومن أين التمسوا الأمل؟
وفي دراسات سابقة لباحثين من نيوزيلاندا لتقصي مدى فعالية الكتابة التعبيرية في مساعدة البالغين على الشفاء السريع والتئام الجروح بعد العمليات الجراحية،حيث طلب من بعضهم الكتابة عن أحداث وتجارب مؤلمة مروا بها،بينما طُلب من آخرين الكتابة عن نشاطاتهم اليومية الاعتيادية،لمدة 3 أيام بمعدل 20 دقيقة يوميا،فاكتشفوا شفاء جروح 76% ممن كتبوا عن تجاربهم العاطفية المؤلمة،مقارنة بنسبة 42% فقط ممن كتبوا عن أمور اعتيادية أخرى..
وإذن؟
لا عودة إلى حياة "طبيعية"إذا. والذاكرة الإنسانية تعجز عن استرجاع لحظتها "الطبيعية". ولكن لا بأس بتركيب ما نعتبره طبيعيًّا، في مقابل "غير الطبيعي" الذي نعيشه، والنضال من أجله بوصفه كذلك، مع أنه مصنوعٌ مثل أي شيء آخر. وقد يكون فعل شيءٍ من أجل ما نعتقد أنه أفضل مجديًا، لأن الصراع في عالم البشر، لحسن الحظ، ليس بين مصالح فحسب، بل أيضًا بين تصوّراتٍ أخلاقية مختلفة لكيفية الحياة سويةً، تقوم عليها تصوّرات مختلفة للمصالح، هكذا نشعر أن فعل شيءٍ هو أمرٌ واجبٌ قبل التفكير بالجدوى.
..وليس لديَّ..ما أضيف..
محمد المحسن