ابن المقفع
»»»ابن المقفع مجوسي الأصل، فقد كان أبوه ( داذويه) الملقب بالمبارك من مجوس مدينة جور الفارسية ، تولى بعض أعمال الخراج للحجاج بن يوسف الثقفي أو لخالد القسرى، فمد يده فيما قيل إلى أموال السلطات فضرب حتى تفقعت يده- أي تشنجت- فسمي بالمقفع و ولد ابنه عبد الله في جور، و كان يسمى أولا( روزيه) و يكنى أبا عمرو ، و قيل إنه ولد حوالي 106 ه، و قد نشأ في بيت يسار و نعمة ورأى في صباه بيت النار العظيم ، يدخله أهله و جيرانه للعبادة، فنشأ كأبيه يدين بمذهب زرداشت، و تفتحت عينه على اضطهاد العرب للموالي أيام الأمويين ، فشاركهم في محنتهم و بؤسهم، و شهد دعوة بني العباس و قيام دولتهم على أكناف الفرس،و تمنى كما تمنى غيره من الموالي أن يرفع عنهم نير الأمويين ، ففي هذه البيئة الفارسية عرف ابن المقفع دين المجوس ، وتلقى الثقافة الفارسية و نهل من ينابيعها الثرة، و انتقل في يفاعته مع أبوه إلى البصرة و عاش في ولاء آل الأهتم وهم قوم يعرفون بالفصاحة و اللسن، ومن ثم تلقى هناك ابن المقفع ثقافته العربية، لقد كانت البصرة إذ ذاك عش الأدب و موطن رجال الحذيث و الفقه و الكلام، و مثابة علماء اللغة، فأخذ عن الأعراب الذين يفدون عليها، و عرف الإسلام لأنه خالط علماء أجلاء من المسلمين ، فحفظ القرآن و درس إعجازه، وقرأ ما شاء من دواوين الشعراء الجاهلية حتى نمت آلته في العربية، فتطلع إلى التخرج في صناعة الكتابة، و كان عبد الحميد كاتبا لمروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية فتقرب إليه ابن المقفع ولازمه و أخذ عنه طريقة الكتابة، حتى صار يجمع بلاغة العرب و حكمة اليونان و صناعة الفرس، ومنذ ذلك الوقت اشتهر ابن المقفع وذاع صيته، فاستكتبه يزيد بن عمر ابن زهيرة وكان واليا على العراق أيام مروان بن محمد، ثم كتب لأخيه داود، و كتب في أيام العباسيين حين اتصل بعيسى بن علي و هو والي على كرمان، و على يديه أسلم وسمي عبد الله و كنى أبا محمد، ثم عهد إليه إسماعيل بن علي بتعليم بعض بنيه، و التحق بخدمة أخيه سليمان بن علي أيام ولايته على البصرة، و اتصل بعد ذلك بأبي الجعفر المنصور اتصال معرفة فترجم الكثير من الكتب، و ظل ابن المقفع في خدمة عمي المنصور سليمان و اسماعيل ابني علي، حتى قتل بالبصرة.
مدرسة ابن المقفع
»»»مدرسة ابن المقفع تجمع بين الأصالة العربية و الثراء الثقافي الفارسي و الهندي، فمكانته الأدبية عالية في التاريخ العربي ، و يعتبر واحدا من أئمة الأدب الذين ساهموا في نقل المعرفة و الثقافة من مختلف الحضارات إلى اللغة العربية ، هي من أبرز المدارس الأدبية في الأدب العربي ، حيث يمتزج فيها التأثر بالثقافات الفارسية و الهندية مع الطابع العربي الأصلي، ابن المقفع الذي عاش في القرن الثاني الهجري الثامن ميلادي، كان مفكرا و كاتبا مهما ، وله دور كبير في نقل الأدب الفارسي و الهندي إلى اللغة العربية بالإضافة إلى ابتكاره لأسلوب أدبي مميز يعكس تلك الثقافة المتنوعة الغنية
ابن المقفع قام بترجمة العديد من الأعمال الأدبية من الفارسية و الهندية ، وكان له دور أساسي في ترجمة { كليلة و دمنة} و هي مجموعة من القصص التي تحتوي على حكم و مواعظ ، وتعتبر واحدة من أبرز الأعمال الأدبية في الثرات العربي، كما قام بتأليف العديد من الكتب ك: الأدب الكبير و الأدب الصغير، اللذين يعتبران من أقدم الكتب التي تناولت أدب السلوك و الأخلاق، و تميز أسلوبه الأدبي بالوضوح و البساطة، حيث كان يهدف إلى إيصال الفكرة بطريقة سلسة و مفهومة للقارئ، بعيدا عن التعقيد البلاغي المبالغ فيه، فكان يمزج بين الحكمة و الفكاهة ، مما جعل أدبه قريبا من الناس من مختلف الطبقات الإجتماعية ،لقد تأثر ابن المقفع بالأدب الفارسي و الهندي ، حيث قام بتوطين الأفكار الهندية و الفارسية في السياق العربي، وهذا التأثير يتضح جليا في الأعمال التي قام بترجمتها مثل ( كليلة و دمنة ) التي تضم حكايات عن الحيوانات تحمل في طياتها دروسا أخلاقية و فلسفية ،و رغم أن ابن المقفع كان من أصول فارسية إلا أنه عمل على تطوير الأدب العربي من خلال تقديم مزيج من الفلسفة، الأدب، و الأخلاق الذي كان له تأثير ملحوظ على الفلسفة الإسلامية خصوصا من جوانبها الأخلاقية .
{{ لا يؤمنك شر الجاهل قرابة، ولا جوار و لا إلف ، فإن أخوف ما يكون الإنسان لحريق النار أقرب ما يكون منها، و كذلك الجاهل إن جاورك أنصبك، و إن ناسبك جنى عليك، و إن ألفك حمل عليك ما لا تطيق، و إن عاشرك آذاك و أخافك}}.
أبو سلمى
مصطفى حدادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق