مدرسة الحياة
إنّ الحياة مدرسة مجانيّة مفتوحة لعموم البشر للتعلّم وإكتساب معارف ومهارات وخبرات ودربة في الحياة والزّمن كفيل بإفهام من لا يفهم وتغيير عقليّة ونفسيّة من توقظه وتنبهّه الأحداث والمصائب والمحن وشتّى الإبتلاءات التّي لا تنفكّ عن البشر ولا عزاء لأعمى البصيرة الأصمّ الذي يتمسّك برأيه ولا يّغيّر قناعاته وتصرفاته.
إنّ أهمّ ما يُحصّله البشر في رحلتهم الحياتيّة المحدودة في الزّمن علمهم ووعيهم وإدراكهم للوجود والذّات البشريّة وخالق الوجود وما يستوجب فعله في ما تبقّى من مسيرة حياتهم.
لم تتناول فلسفة بشريّة بمقاربة شاملة وجود الإنسان كينونة وصيرورة وما يرتبط بحياته من فهم لحقيقة ذاته والتعرّف على هويّته الإنسانيّة والإستبصار بخالق الوجود وكذلك رؤية الوجود كتجليّات لحكمة وعلم وقدرة اللّه سبحانه وتعالى وكشف لنوايا وإختيارات وأفعال البشر في حياتهم وتدابيرهم .
فما من رؤية وفلسفة بشريّة إلاّ ويعتورها النقص والسهو والغفلة والنسيان فتصيب وتخطأ وتبقى عديد المفاهيم في عداد الفرضيات لا تطاول حقيقة الوجود إذ لم تأتي ببراهين وأدلّة يقينيّة ولكن ضنيّات ومقاربات للفهم وتقريب للأذهان والأفهام.
إستفاد أكياس البشر وعقلائها والأذكياء منهم بالوحي الإلهي حيث المقاربة الشاملة والعلم الظاهر والباطن وتناول لعالم الشهادة وعالم الغيب ،وعالم الأحياء وعالم الأموات
رؤية ومفاهيم وآيات تميّزت بالوضوح وبالدليل والبراهين التي لا ينكرها عاقل يفكّر ويتأمل بكل تجرّد فترسّخ اليقين باللّه عزّ وجلّ وفُهمت مسيرة الإنسان من وجوده العدمي في بطون علم اللّه إلى وجوده العيني الحسّي المعنوي الدنيوي إلى وجوده السرمدي البعدي عند البعث ويوم القيامة.
إنّ الحياة مدرسة والبشر تلاميذ يتعلّمون فيها يفهمون ويدركون ويعلمون ويتحقّقون ينجحون ويفشلون ويعيدون الكرّة ويواصلون سيرهم كما يُذنبون ويستغفرون وبتوبون وكلّ وحظّه وعلمه وفنّه وذوقه وأخلاقه وقيّمه وحكمة أقداره وكلّها تصوغ مصير الإنسان فيتحدّد بذلك وعيه وعلمه وإختياراته وإنصرافه وتوجهّه وسلوكه وشقيّ أو سعيد.
إنّ المقاربة الشاملة والرؤية الشموليّة لوجود البشر بكل تجرّد تُحيلهم في لحظة صدق وصراحة إلى التعقّل والنباهة واليقظة والصحو .
إذّا لا بدّ من فلسفة ورؤية بشرية من صميم مدرسة الحياة تتناول كل أبعاد الوجود البشري تُيسّر الفهم وتُسهّل على الإنسان سلوكه وإنصرافه إلى أبواب الخير دون غشاوة الأبصار ومتاهات دنيا ظاهرها غرّة وباطنها عبرة .
رؤية وفلسفة تتناول وتعالج محاور أساسيّة ترتبط بحياة البشر وهي :
1_ الذّات البشريّة :
هي نافذة البشر على الحياة وهي كينونة الإنسان وصيرورته في الوجود ،بها يعقل ويختار ويتّجه ولكن المفارقة أنّ ليس للذات حقيقة وهويّة بذاتها لذاتها وهي من أسرار وعلم خالقها ولقد إستودع فيها ربّها سرّ الحياة وكفايات وإستعدادات.
وإنّها لا تشاء إلاّ أن يشاء اللّه ، وكذلك الروح فيها وديعة وسوف تُسلب ،فلا حول ولا قوة للإنسان حقيقة إلاّ بربه فكيف ينكره ويستقل بذاته عنه ؟
ولكن من عرف نفسه فقد عرف ربّه ،ومن غفل عنها ولم يُحسن قيادتها وترويضها وتزكيتها فقد خاب مسعاه وتاه عن مقصده وغاية وجوده.
2_ واجب الوجود :
رب العالمين خالق الوجود سرّ ونور الوجود ولولاه لكان العدم والظلام والعتمة .
باعث الحياة وخالق كل موجود بعلمه وحكمته وقدرته .
ليس لعلمه وقدرته حدود فهو اللامتناهي المُحيط الذي لا يّحاط يتّصف بالكمال والجمال ولا يمكن للعقل البشري أن يستوعب وجوده ،ولكن يكفيه الآيات في الآفاق وفي أنفس البشر دلالة وبراهين لفهم حكمة وعلم وقدرة الخالق اللامتناهية .
لا يكتمل فهم الوجود بدون العلم بواجب الوجود وتحديد صفاته المتعالية على صفات البشر ،فهو المُيسّر سبحانه لكل ما نراه من فعل وسير وكدح للبشر فبمشيئته عزّ وجلّ تتيسّر أفعال البشر .
ولكن كيف يُنسى ولا يكون للّه سبحانه إعتبار وحضور في فكر وفؤاد غالبية البشر ؟!
" فشُمُ شذاه فهو في الخلق ضائع ".
مدرسة الحياة فرصة سانحة وأكيدة لفهم أسرار ربّ الوجود والتعلّق به وشُكره وعبادته .
ولا خير في من لا خير فيه.
3_ الوجود :
يعيش الإنسان ويحيا في وجود ماديّ حسيّ ومعنوي يحتويه ويحيط به ويحتضنه .
يُبعث الإنسان من عدم في زمن مقضيّ في الأرحام مضغة مخلّقة تنمو في ظلمات ثلاثة ثمّ يولد ليبعث في الحياة يتطوّر ويحتكّ ويُمارس وجوده في وجود أرحب ميسّر له فهو مطيّته ،منه يستقي أفكاره ويُحقق آماله وتطفح أوهامه وتعلو بالظروف والشواغل والشواغب والإهتمامات فيتعلّق بأحلامه واوهامه لينصرف متّجها صوب ما يحتاجه او ما يفتقده ولا يهنأ له بال ويهدأ طالما بقي متحفّزا ناشطا لنيل مصلحته وتحقيق غايته وتلك هي طبيعته البشريّة التي يتمسّك ويتقيّد بها.
إن في فهم المحاور الثلاثة وتناولها بالدراسة تيسير وتسهيل لإدارك وممارسة البشر في حياتهم ومن سعى لخير البشر عمّق الفهم ورفع الغشاوة عن الأذهان والأفهام .
الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق