(@)عندما تكون مجهولا للبعض(@)
بقلمي : د/علوي القاضي.
... عملت فترة ليست بالقصيرة في سفارة عربية بالقاهرة ، وكنت مسؤولا عن صندوق يسمى (الخدمة العلاجية) ، وكان منحة من الله لي ، لأنني من خلاله قدمت خدمات طبية (علاج وفحوصات وأجهزة تعويضية وجراحات ،،،، وغيرها) لكثير من المرضى المحتاجين ، بل وكنت مسؤولا عن تصميم وبناء المستوصفات الخيرية والوحدات الصحية بالتنسيق مع وزارة الصحة بل وتجهيزها وافتتاحها والإشراف عليها ، وأصبحت مشهورا فى العمل العام الخدمي الطبي من الأقصر حتى الإسكندرية ، وكانت الإتصالات لاتنقطع يوميا للتنسيق معي من مكاتب وزراء ، ومحافظين ، ووكلاء وزارة ، وصحف ومجلات ، وقنوات تليفزيونية ، للتنسيق فى الإفتتاحات أوالحصول على سبق صحفي
... ورغم كل هذا لم أكن شهيرا لهذا الحد كالممثلين أوأبطال الرياضة ، لكني حصلت على قسط متواضع من الشهرة يسمح لي بان يرحبوا بي في بعض الأماكن التي يرتبط بها عملي
... وبعد كل هذا النشاط خطر لي على سبيل النظرة المستقبلية ، أن أستقيل من العمل بالسفارة ، وأعود إلى أهلي وأحبابى وزملائي وجيرانى ، وأمارس مهنتى كطبيب ، وأفتح عيادتي الخاصة وازيح عنها غبار سنوات الإهمال ، وأحمل سماعتي الطبية واستعمل دفتر الروشتات الملقى فى درج المكتب منذ عشر سنوات يستجير من الوحدة ، وكذلك أخرج جهاز تخطيط القلب من كرتونته ، وارسلت الإعلان بالإفتتاح إلى المجلات الإلكترونية والمواقع ، وامتلأت الجدران باللافتات ، ووجدت ترحابا كبيرا منقطع النظير ، واستكمالا للخدمة الطبية التحقت بالعمل في التأمين الصحي تحقيقا للحكمة (إن فاتك الميري إتمرغ في ترابه)
... وهنا ظهرت المعضلة والصراع مابين شهرتي فى المجتمع من خلال عيادتي الخاصة ، ونظرة المرضى لطبيب التأمين ، فأساتذتنا رحمهم الله وسامحهم نجحوا في توجيه الفكر المجتمعي وترسيخ فكرة أن طبيب التأمين لايفقه شيئا (درجة رابعة) في مهنته ولكنه أستاذ في التحايل الإداري ببراعة ، ليمنح أحدهم إجازة مرضية ، وبالتالى كان المرضى يزورون الأطباء في عياداتهم الخاصة ، ثم يتوجهون للتأمين لصرف العلاج ، ولادور للطبيب ، لافي الفحص ، ولافى الوصف ، وبذلك تحول طبيب التأمين تلقائيا إلى أمين مخازن فقط
... الطريف في القصة ، أننى فحصت مريضا فى عيادتي وفوجئت أن نفس المريض حضر فى عيادة التأمين لصرف العلاج وقد نسى (شكلى وملامحى) ، أعطانى روشتتى وطلب منى أن أصرفها له ، فقلت له (مداعبا) من صاحب الروشته؟! فقال أكيد أستاذك إسمه د/علوى كشفت عنده وكتب لي العلاج ده وعايز أصرفه
... ولابأس ولالوم فأنا في نظره طبيب تأمين أي (أمين مخازن) ، وكما يسمونه العامة (دكتور أجازات)
... الممتع في الحوار أن المريض ، إقترح على (كطبيب تأمين درجة رابعة) في ثقافته أن أقرأ روشتتاتي لأتعلم الطب والعلاج ، وكيف يمكنني وصف العلاج وأنواع الأدوية !
... وكان فى حالة ذهول حينما أعلمته أننى أنا د/علوي صاحب الروشته ، وشعر بخجل شديد مع قليل من الإعتذار وختم لقاءه بجملة (لامؤاخذة يادكتور اللي مايعرفك يجهلك)
... هذا الموقف ذكرنى بقصة مشابهه لتشارلي شابلن
... كان تشارلي شابلن في ذروة شهرته ، لكنه كان مجهولا عند قليل من الناس لأنهم لايعرفون شكله من دون شاربه ، وبذلته السوداء الرثة ، وقبعته
... كان يمشي ذات مرة ، وجد إعلانا عن مسابقة لتقليد شارلي شابلن
... إشترك في المسابقة ودخل المكان ، ولبس ثياب شارلي شابلن التي قدموها له ، وجاءت النتيجة ، ليكتشف أن ترتيبه بين المتسابقين الخامس !
... عندما تكون مجهولا للبعض تصير الحياة أصعب !
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق