السبت، 22 يونيو 2024

حتى يكون الإعلام العربي أفضل أداة لتحقيق الديمقراطية..وأبلغ لسان في التعبير عنها.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حتى يكون الإعلام العربي  أفضل أداة لتحقيق الديمقراطية..وأبلغ لسان في التعبير عنها..


"إن الفن الذي ينظر إليه بعض الشباب الآن تحت أي شعار كان..لا يقل خطورة عن السلاح الرديء…" غسان كنفاني


لمَ لا نستجيب للمتغيرات العالمية وتنخرط في التاريخ، ليس بغرض الاستسلام لتراكماته ودراميته البسيطة، لكن لاعادة بلورته وصياغته والفعل فيه! لم ندرك بعد أن الإعلام سلاح متعدد الاغراض ولعل من أخطرها: الاختراق والهيمنة…

وهذا ما يستخدمه الغرب ضدنا بدهاء متفاديا الحروب وإراقة دماء جنوده؟!

 أليس وطننا سوقا للاستهلاك: تجريبا وتخريبا، انطلاقا من إشباعنا بالمواد الاعلامية الهابطة مرورا بسياسة التمييع والتهميش! 

أليس بامكاننا الارتقاء بالخطاب الاعلامي العربي الى مرتبة التحديات التي يمليها ـ الراهن الاعلامي الكوني طالما ان لأثريائنا المال والنفط وبريق الذهب،ولمثقفينا الكفاءة الفكرية والأدبية ما يؤهلنا ـ للتموقع ـ في الألفية الثالثة بإرادة فذة وعقول مستنيرة!

وظيفة الاعلام..

إن الحديث عن دور وسائل الاعلام ووظائفها في الوطن العربي لا يزال يريق الحبر الكثير لا سيما وأننا نمر بمرحلة متخمة بالتحديات،حيث يحتدم الصراع بين العرب في ـ الجنوب ـ وبين الغرب -في شمال العالم الصناعي المتقدّم بما من شأنه أن يدعونا الى ضرورة تأكيد الذات وإثبات الهوية عبر المحافظة على الأصالة وإنتاج الصورة الحقيقية والفاعلة لحضارتنا ففي ضوء الرؤية العالمية الجديدة للإعلام والتي حوّلته الى مكسب مادي يخضع لقواعد اقتصاد السوق تجد وسائل الاعلام نفسها مدعوة الى مزيد التحرر من قيود السيطرة والبيروقراطية كي يزداد دورها الإيجابي في خدمة الأهداف الوطنية والقومية والإنسانية وحتى تواكب وتعايش قضايا الشعوب واحتياجاتها بصورة أعمق وأقوى. ولعل من خلال طرحنا للتساؤلات التالية نستسيغ مدى أهمية وسائل الاعلام في تفعيل الواقع العربي الراهن محليا واقليميا ودوليا، ومدى قدرتها على مواكبة الراهن الاعلامي الكوني:

ـ الى أي حد يمكن تخصيص قسط من الموارد المتاحة للدولة قصد استثماره في بناء ودعم النظام الاعلامي؟

ـ ما هو مدى الحرية التي يمكن تقريرها لوسائل الاعلام أو ما هي حدود الرقابة على هذه الوسائل؟

ـ هل للقطاع العام كما للقطاع الخاص دور فعال في التنمية الاقتصادية لوسائل الإعلام؟

ـ ما هو مدى التماثل والتوافق المطلوب؟

- وما هو مدى التغاير والتنوع المسموح به؟

*فجوة كبرى

إن طرح هذه الأسئلة قطريا وعربيا أمر مؤكد، فالإعلام وفي عالم ما فتئت تزداد فيه الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية حيث يختل التوازن في تبادل الأنباء والأفكار فيما بينها، يحتاج الى أن يرتفع الى المستوى الاقليمي لمواجهة التسلط المفزع لوسائل الاتصال في الدول المتقدمة، مما يستوجب رؤية مغايرة لما عليه نظامنا الاعلامي اليوم، إذ لا بد من ايجاد معادلة حتى ولئن كانت عسيرة بين إتاحة المجال لاختلاف الآراء وتنوعها وإتاحة تلقي أفكار الثقافات المتعددة وتداولها، وبين ضرورة المحافظة على القيم الأصيلة للشعب وذاتيته القومية، فالتجربة أثبتت أن التناقضات سافرة، بين ما تمنحه دساتير معظم البلدان العربية من حريات: حرية التعبير وحرية الصحافة، وبين ما يشهده الواقع من ممارسات للتضييق على الصحافة وللحد من مقدار الحرية التي تتنفس من خلالها، وظلّت تبعا لذلك الشكوك تحوم حول إمكانية أداء الإعلام العربي لوظيفته المطلوبة وهي إشاعة الحرية والديمقراطية في الحياة العربية. إن الحاجة تدعو الى ترابط المواطنين وتجانس أفكارهم حول الأهداف الوطنية المطروحة، والإعلام له دور بالغ الأهمية في تشكيل الذاتية الوطنية وتقوية وحدتها والتصاقها حول أمهات القضايا، مثل الموقف الاعلامي من الصراع العربي ـ الاسرائيلي في كل أقطار الوطن العربي، كما أن له دورا فعالا في صياغة العلاقات بين الأقطار، فتوتر الأوضاع بين الدول العربية مردّه سوء استخدام وسائل الإعلام، وكذا ـ ايغال ـ بعض المؤسسات الاعلامية العربية في ـ النرجسية وجنون العظمة ـ الى درجة تجعلها تلفق التهم، تسوق الأوهام والأراجيف و ـ تسيء ـ بالتالي ـ دون وعي منها ـ لدولة عربية تصاغ قراراتها السياسية وتنجز مشاريعها التنموية تحت شعاع الشمس ـ وذلك تحت شعار ـ مخاتل ـ: الرأي والرأي الآخر!

*هل عجزنا..؟!

ان عجزنا على اقتحام قنوات الاعلام العالمي التي ـ تصهينت ـ لا يبرّر تقصيرنا في الاهتمام بذاكرتنا والتأسيس لهويتنا ودعم ثقافتنا والتنبيه لمخاطر المد الاعلامي المعولم الذي يهدف الى تخريب القيم الأصيلة للمجتمع وتهميش سلوكيات الأطفال وأخلاقيات الشباب بسبب ما يعرضه من برامج تهدف الى خدمة الغرب وتكريس صورته في عيوننا وهي التي نستوردها من أوروبا وأمريكا لدرجة ثبت معها أن تلك البرامج أكثر تدميرا من أي عامل مؤذ آخر ولعل في قولة ـ غسان كنفاني ـ خير دلالة لما نروم الاشارة إليه: إن الفن الذي ينظر إليه بعض الشباب الآن تحت أي شعار كان لا يقل خطورة عن السلاح الرديء…

إن الأهمية المتنامية للإعلام في عصرنا الحالي كسلطة رابعة توفر فرصة لكل الدول العربية لطرح كل القضايا، ومناقشة أفضل السبل التي من شأنها أن تؤدي إلى حلول يقبل بها الجميع لاسيما وان الإعلام يلعب دورا في سدّ الهوة الرقمية بين بلداننا العربية والبلدان المتقدمة ومعالجة قضايا المجتمع المدني والقطاع الخاص في عصر العولمة.

فالظروف التي تمر بها الدول العربية تفرض على الإعلاميين ضرورة الالتزام بمسؤولياتهم الاجتماعية، وعدم تغليب الاعتبارات المهنية الضيقة على الاعتبارات الأخلاقية العامة، وكذلك العمل للصالح العام، وبث روح التفاؤل والطموح في مجتمعاتنا العربية حتى تحقق ما رسمته لنفسها من سياسات تنموية تحديثية، يمثل الإعلام -ولا شكّ- إحدى ركائزها الأساسية.

ومن هنا يجوز القول إن الإعلام العربي بوسعه أن يرتفع الى مستوى مسؤوليته،إذا ما استخدم على نحو رشيد في تكريس رسالته لخدمة الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والإنمائية وهو بالتالي قادر على أداء مسؤولياته في مختلف المجالات وأن يكون أفضل أداة لتحقيق الديمقراطية وأبلغ لسان في التعبير عنها، بدلا من نشر الأكاذيب وانصاف الحقائق… ومن ثم المزايدة على ـ بلد عربي (تونس) ـ ينحت دربه الحضاري بإرادة سياسية فذة، وتفاؤل خلاّق،ويؤسس بالتالي للارتقاء بحقوق مواطنيه ـ فكرا وممارسة ـ الى منصة الاحترام الدولي.


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق