السبت، 22 يونيو 2024

هل آن الأوان لوضع خطط مرحلية وأخرى طويلة المدى..للتصدي للحملة الغربية الموجّهة ضدنا..؟! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش المشهد الإعلامي العربي:


هل آن الأوان لوضع خطط مرحلية وأخرى طويلة المدى..للتصدي للحملة الغربية الموجّهة ضدنا..؟!


هل يمكن القول بأنّ الدولة العربية قد وضعت خططا إعلامية واضحة، سواء على المستوى القطري أو القومي؟ أم أنّ ما نلحظه هو مجرّد توجيه استثماري أو تخطيط برنامجي قصير الأمد؟.. وبسؤال مغاير:هل فكّر القادة العرب في وضع خطّة إعلامية دقيقة، من شأنها الرد على الحملات الغربية في محاولة لتغيير اتجاهات الرأي العام العالمي المضادة للعرب، ليس تجاه قضايا سياسية معينة،وإنّما حيال الصورة العربية إجمالا، ليكون ذلك أساسا لتغيير اتجاهات الغرب حيال القضايا العربية السياسية في ما بعد؟

إنّ هذه التساؤلات- البريئة-يمكن أن تطرح على المستوى القطري، كما يمكن أن تطرح على المستوى العربي،فإلى جانب التخطيط الإعلامي في كل قطر عربي، فإنّ التخطيط الإعلامي في عالمنا الراهن، الذي تزداد فيه الفجوة الإعلامية بين الدول المتقدّمة والنامية، وحيث يختلّ فيه التوازن في تبادل الأنباء والأفكار في ما بينها، يحتاج إلى أن يرتفع إلى المستوى الإقليمي حتى يتمكّن من الوقوف في مواجهة التسلّط الجديد لوسائل الاتصال في الدول المتقدّمة.

في ضوء هذه النقطة فإنّ الدعوة إلى تخليص الخطاب الإعلامي العربي من قيود الترهّل، والإرتقاء به إلى مستوى التحديات التي يفرضها الراهن الإعلامي الكوني، ليست مقصورة على هذا القطر أو ذاك، بقدر ما هي دعوة قومية شاملة، ذلك أنّ الإعلام القطري وإن نادى بعضه بشعارات قومية،لا يحقّق الوعي القومي، أي أنّنا على صعيد الأقطار العربية مجتمعة، وعلى صعيد جامعة الدّول العربية، نحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى، إلى ثورة إعلامية شاملة لا تتوقّف عند حدود ثورة المواصلات والتكنولوجيا وفن صياغة الخبر، وإنّما تتماهى مع كل هذا، جنبا إلى جنب مع توعية قومية أصيلة في أخطر مرحلة يجتازها الفكر القومي العربي على مدى تاريخه.

فلأوّل مرّة هناك شعب عربي كامل مسيج بالأكفان، داخل أسوار عالية،هو الشعب الفلسطيني، يتعرّض لحملة دموية مرعبة تستهدف مسخ هويته وسلخه من جلده.

وبالأمس فقط،ولأوّل مرّة هناك شعب مسلم، تعرّض لحملة إبادة جماعية عبر قصف جوّي مرعب اختلط فيه اللّحم البشري بالتراب- هو الشعب الأفغاني- الذي استغاث بكل ضمير ينبض إيمانا بوحدة هذه الأمّة وقدسية هذا الدّين.

ولأوّل مرّة هناك تراجع وانحسار للفـــــكر القومي نفسه،حتى أنّه يتخذ في أحسن الحالات موقفا دفاعيا، يصل بالمواطــــــن العادي إلى حافة الإحباط.. لذلك نحن جميعا في منعطف تاريخي حاسم ومحفوف بالمخاطر، حيث يرقى الإعلام إلى درجة قصوى من الأهمية، لا باعتباره جزءا تقليديا من مهام الدّولة، أي دولة، بل باعتباره جيشا حقيقيا في أشرس المعارك.

ما أريد أن أقوله انّ إسرائيل تحاربنا بجيش إعلامي يستهدف اقتلاع جذور الهوية القومية العربية من أعماق النّفس البشرية،من خلال إرباك خط الدّفاع الأوّل، العقل العربي،ثم إنهاكه وتركيعه خارج حدودنا العربية أيضا، والولايات المتحدة والغرب كله معها، يحاربنا بجيش إعلامي يصوغ الأحداث السالفة والآنية عبر تغطية كاملة تستند إلى خلفيات تاريخية مغلوطة،وتحليلات سياسية مغرضة، من شأنها تشويه صورة العرب وتمجيد العنصرية الصهيونية،ولعلّ أبرز مثال لذلك الصورة الأمريكية عن العرب التي تضعنا جميعا في نمط جامد في أذهان الشعب الأمريكي تماهيا مع أهداف الصهيونية،وقد تجلّى هذا بوضوح إثر حرب 1973،حين صوّر العربي"بالنفطي" الذي يوظّف ماله ‘لابتزاز الغرب’، كما صوّر العربي الفلسطيني "بالإرهابي"الذي يزعج العالم بسلوكه العنيف!

إنّ نقاط الالتقاء والاتفاق بين الإعلام الأمريكي ونظيره الغربي جدّ متشابهة ولا اختلاف بينها إلا من حيث اختيار نقاط الإساءة التي تصبّ جميعها في خانة التجريح لضمير هذه الأمّة ودمغ السلوك العربي بالاهتمام المفرط بالجنس والتخلّف والتعصّب والوحشية.

ماذا يعني هذا؟

هذا يعني أنّ التداعيات السلبية للخطاب الإعلامي العربي حيال نجاح الإعلام الغربي الصهيوني، جدّ مؤثّرة، وهذه مسألة مردّها افتقار الإعلام العربي للعناصر الموضوعية التي يتشكّل منها التخطيط الإستراتيجي القصير والطويل المدّة، التي تصوغ جدلية العلاقة بين هذا وذاك، مما يفضي في النهاية إلى تلميع صورة العرب والارتقاء بمضامينها إلى مستوى أفضل يزيل الظلال والتشويهات عنها.

ولذا بات لزاما علينا ونحن نرنو بأبصارنا إلى أفق كوني قاتم، أن نعيد قراءة ذواتنا قراءة واعية تستجيب للتحوّلات العالمية بكل تناقضاتها، بما يمنحنا هامشا فسيحا لاستجلاء ملامح الواقع الغربي واستبصاره من زاويتين مختلفتين:

الأولى تطلعنا على طبيعة "المنتوجات الغربية"التي سُوّقت إلينا، ونعني منتوجاتهم ‘المأسوية’ التي لا علاقة لها بالجريمة.. أو الانتحار، ولا كذلك الجنون، فهذه البضائع متوفّرة لدينا، ولهم ‘الفضل’ في ذلك، وإنّما نقصد التضخّم والبطالة والعجز في ميزان الدفوعات، علاوة على الحروب والتخلّف وهجرة الأدمغة. والزاوية الثانية تجعلنا ندرك، خصوصا في لحظة صفائنا الذهني، أنّ نفطنا العربي وأموال دولنا الغنية وما تسميه هذه الأخيرة بالمساهمة الفعّالة في استقرار الاقتصاد العالمي، ليس معترفا به على الإطلاق، لأنّ الصّور المزدهرة للمأساة في الإعلام الغربي عكسية تماما، فالشائع هو أنّ الابتزاز النفطي من جانب العرب هو المسبّب في ارتفاع الأسعار والتضخّم والبطالة وبقية الأمراض الغربية المزمنة، وعليه فمن الغباء أن نقبع خلف التخوم، اعتقادا منّا أنّ هذه المساهمة ستعود إلينا بمردود سياسي في قضية الشرق الأوسط! ولنا أن نعتمد من الحقائق والوقائع والمعلومات ما يفيض بها الإعلام الغربي نفسه، وفي مقدمته الإعلام الأمريكي.

ماذا بقي أن أضيف؟

بقي أن نعترف بحقيقة محبطة مفادها أنّ الإعلام العربي ما فتئ يبحث بجهد غير ملول عن مشجب لإخفاقاتنا وأزماتنا بالمحيط العربي، من دون أن يتمكّن من رؤية ذواتنا في مرآة أزماتنا المأسوية، أو ينخرط في اشكالات المجتمع العربي التي تمثّل فلسطين بؤرة التكثيف التاريخي والثقافي والسياسي لإخفاقاته وهزائمه.

وإذن، كان لا بد من فهم صريح لتناقضات الواقع ما دمنا قد غدونا نعيش لحظة كونية موسومة بكل أشكال الانكسار، ومطوقّين بتراكمات دراماتيكية تنهشنا حد النخاع، ذلك في الوقت الذي يشكو فيه خطابنا الإعلامي العربي من حالات الترهّل والتكلّس، حيث لم يرق إلى مستوى التحديات التي يمليها الراهن الإعلامي الكوني بكل تداعياته،وقد أصبحنا تبعا لذلك نؤسّس من دون وعي منا، لمصالحة وهمية مع العدوّ بدل أن نفكّر في صياغة خطة إعلامية محدّدة نعتمد في جوهرها على فهم أساليب الدعاية المضادة لنا كي نتخيّر أساليب الرد المناسب لها.

ما العمل؟

إذا كان التخطيط الإعلامي على المستوى القطري لا يخلو من إشكاليات يمكن لكل دولة معالجتها وفق نظامها السياسي والاقتصادي، فإنّ التخطيط الإعلامي على المستوى القومي العربي في أمس الحاجة إلى توافق إرادة هذه الأقطار بما يجعله يرتكز على القضايا المشتركة وينبع من التخطيط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على مستوى الجامعة العربية ومنظماتها، وهو أمر له أهمية قصوى في ظل الظروف الراهنة، حيث يشكّل عنصرا فعّالا في قضــــية الصراع العربي الإسرائيلي، التي ظلّت حتى اليوم مفتقرة إلى تخطيط إعلامي بعيد المدى على المستوى العربي.

وعليه، فنحن مطالبون- الآن.. وهنا- بوضع خطط مرحلية وأخرى طويلة المدى للتصدي للحملة الغربية الموجّهة ضدنا، التي لا يمكن تفسيرها إلا كونها صدى للصراع الحضاري والتاريخي بين الشرق والغرب، وهي تهدف بالأساس إلى اجهاض المد الإسلامي المتنامي، علاوة على الرغبة في تكريس التخلّف العربي وكل مظاهر الانكسار والتصدّع.. وحتى لا يسوء حالنا أكثر مما نحن فيه، بات لزاما علينا اعتماد تخطيط إعلامي ينأى عن الارتجال، ويتلاءم مع التنمية العربية،والإعلام المحلي والإقليمي الرامي إلى تغيير الصورة، ولن يتأتى ما نرومه إلا من خلال التخلّص من التبعية الحضارية التكنولوجية التي تطبع التكوين الإعلامي، والنجاح في خلق فكر إعلامي عربي لا يرتهن لنفوذ الخطاب الغربي، بالإضافة إلى هذا وذاك أصبح من الضروري التفكير في إنشاء محطة فضائية عربية تتجه إلى الغرب وتخاطبه بالأسلوب المقنع والمناسب، وتردّ في ذات الوقت على الافتراءات،بما من شأنه أن يظهر الحقائق،عبر إيصال الصّوت العربي إلى الأجهزة الإعلامية المباشرة، لاسيما أنّ العديد من الأصوات الإعلامية العربية تعالت في المدة الأخيرة منادية بتجسيد هذا الطموح.


محمد المحسن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق