السبت، 13 ديسمبر 2025

قصيدة بعنوان *** من يقتل ، خلف أشجار الزيتون بقلم الشاعر / محمد الليثي محمد – مصر .

 قصيدة بعنوان *** من يقتل ، خلف أشجار الزيتون

كنت في مساحة الفارغ 

ما بين الموت والحياة

كنت وكان قلبي

يستند على شجيرات

صغيرات بلون البنفسج

كأنه فرح بموتي القادم

يخرج من صدري 

بلا هدف 

يدور 

يدخل  ظلي

كأنه يدخل بيته 

فتدب الحياة في ظلي

فيشدني السراب 

إلى نافذتي

كأني غيب 

ينقصه الغيب

لأملك المعنى 

وأفكار القبيلة

كغيمة تفكر في البكاء

دون فعل

ثم تحلم بالفجر 

في ظلمات السكينة

كانت تودعني 

على أطراف المكان

كان صوتها واضحا على باب الخريطة

كنت أبحث عن السعادة 

بين أسوار الاشتياق

في المحطة كنت بلا حقائب

أو ذكريات

 أو   غد

سوف أشترى حقيبة الذكريات

لينتصر الماضي

كلما أبصرت الظلام

من بعيد

كنت أعيد تشكيلا 

جسديا المريض

آخر الركاب

كنت أحمل نفسي 

وتحملني مع معطفي

فارفعه لكي أخبأ الإيقاع

خطوة وخلفها خطوة

فركبت الحافلة

فاختفت الخطوة 

وأصبح جسدي هو الخطوة

دوري  الآن في انتظار 

الماضي البعيد

في مدخل صغير لليل

الذي ينتج الليل الكبير

وأنا مختلف مع ظلي

في وقت ساعة الميناء

ولون شرفات المنازل

والبيوت كائنات لا تعرف الحب

وصوت أجراس الكنائس 

وأنا خارج من صلاة الجمعة

يحملني منتصف النهار

إلى وقت التأمل

هل في هذا المكان حفرت لي؟

وفراشات تغني 

أغنية حزينة 

وأنا أرى الشمس 

للمرة الأولي

من طرف الشارع القديم

اكسر الملامح

وكل المرايا

ومياه البحر

ويوميات أخبار الثياب

قد أحتاج إلى صدي جديد

حين يختارني الصمت

في همس العبارات

وخروجي من الحكايات 

إلي براح طيرا يغني

بلا هدف أيضا 

لم يبقي غير هوامش الكلمات

ورعشة الجنون

والموت خلف أشجار الزيتون 

_______________---------------------------------________________

بقلم الشاعر / محمد الليثي محمد – مصر .


أَشُمُ حَرفًا...وأَضُمُ حَرفًا بقلم الكاتبة عائشة لنور

 *** أَشُمُ حَرفًا...وأَضُمُ حَرفًا***

قَالَتْ...

    يَا حَصَاد السَنابل...

    وَبَحّة النَايَات...

    مَازال...

    ايِمَاني بِكَ كَشهقَةِ الفَجر ومِيلاَد الشَمس...

              سَرَحتُ بِخيَال الحُروف...

              غَازَلتُ عُكَاز المَشِيب...

              نَادَمتُ السَماء...

              رَاقَصتُ القَدر...

              سَكَبتُ لَهفَتِي...

  بِحِبرٍ لا يَجِفُ مِدادهُ...

  وَالرُوحُ بِالهَمسِ لا تَكتَفِي...

  لَوَنتُ طُغيَان الصَبر ،غَزَوتُكَ لَحنًا...

  يَا فَقِيدَ أَصَابِعي، تَعَال في طَيفِ القَصيدة وفَجرْ الموَاعيد...

  وَحدَكَ تَعْبُرُ حَوَاجزَ الغَزل...

        وَمازلتُ...!!

 أَنتَظِرُكَ على شُرفةِ الكَلمَات...

 أَشُمُ حرفًا...وأَضُمُ حَرفًا...

  كُل حَرفٍ يَسجُنُ غُربَتِي...

  وكُل عِطرٍ شَمَمتُه يُطَوِقُ رُوحِي...

 كَيف..!!؟

أُقنِعُ الحَرف، أن يَتَكِىء على السطر... لِيَتنَفس عِطركَ...

  العَالق على الوَرق..


                                       بقلمي عائشة لنور



- تجربة "المتاهة" للفنانة التشكيلية : هيفاء الحاج صالح في نسخها 1 ، 2 و3 - بقلم الكاتب : جلال باباي

 -  تجربة "المتاهة"  للفنانة التشكيلية : هيفاء الحاج صالح في نسخها 1 ، 2 و3 -


" جملة من  التأويلات البصريٌة والتحوٌلات النفسية نراوح مكانها بين الابيض و الأسود و الالوان الساخنة"


        ▪︎ الوجدان الثقافية:


        لمٌا استدرجت ناظري وخيٌرت ان أتناول تجربتها التشكيلية ، كنت مقتنعا أن عالم الرسامة و الدكتورة: هيفاء الحاج صالح ، استثنائي ومتفرٌد بكل ما حوى وتضمٌن من تاويلات وتحوٌلات لافتة وجذاٌَبة لاستزيد من إمعان التفحٌص في اللوحات التي حَوَت تجربتها الفنية :" المتاهة 1 -2 "  من دار الثقافة قصور الساف و مرورا بالمكتبة العمومية بمدينة الشابة ثم وصولا  إلى محطتها الثالثة بمدينة أكودة في ضيافة الصالون الثقافي الشجرة وبالتحديد بفضاء دار الثقافة أكودة حتٌى ينتهي الأمر بقراءة لافتة للمتاهة 3 التي   أذابت  شيئا ما من حيرتي وتعرٌي ما خفي من رغبتي الجامحة لتلمٌس فحوى الرسوم ونوايا الفنانة التي أتقنت عبر تجلياتها التشكيلية و فسيفساء رسوماتها  في دغدغة فرشاتها حتى تشفي غليل اختيارها لاقتناص الفكرة وابلاغها للملاحظ والمتامٌل في ثناياها من خلال شدٌه للكشف عنها وهي تتخفٌى تحت خطوطها الملتوية التي تشكٌلها المتاهة ، وقد استحسنت كثيرا اختيارها لللونين الابيض والاسود كقيمتين ضوئيتين للتعبير عن ثنائية في جانب الاحاسيس والمفارقة بين بعدين لا يتشابهان لتختزل الرسامة المسافة بينهما وتخاتلنا بأسلوبها الفني المغاير ثم ترتجل متاهتها باقتدار فهي الفتنة والدهشة و لعبة الكرٌ والفرٌ  التي اقامت نواميسها الفنانة ثم والاكثر من ذلك الرغبة في إزالة القلق عن المتيٌمين بالعزلة حينا واستدراج الفرح إلى المتقبٌل الوهن احيانا أخرى .     

       مازلنا نترقٌب إحالتنا على بوٌابة رئيسية ثانية لهذه المتاهة لننطلق عبرها في صياغة ملحمة الرسامة الإبداعية قادم الجولات التي ابقت متاهتها مفتوحة على مختلف التاويلات  حين التقينا الفنانة هيفاء الحاج صالح افتراضيا في بداية مطافنا لرفع اللٌُبس عن سرٌ التسمية وتعرية أسرار واغوار هذه المتاهة  التي شدٌتنا لفقه تجاويفها صرٌحت لنا قائلة وبثقة في النفس : "  في حقيقة الأمر أن بدايات وصولي إلى مفهوم "المتاهة" كان عبر مراحل، فاهتمامي في البداية كان معتمدا على "العين" بكل ما تحتويه من مفاهيم عن النظرة الأحادية و النظرة المتحررة و دور كل منها في فهم العالم، ثم انتقلت لاحقا إلى الاهتمام بالشكل الدائري الذي يذكرني بشكل بؤبؤ العين إلى أن وصلت إلى الشكل الكروي للأرض، ثم وصلت الى الشكل الخرائطي و العالم المسطح من جديد كرؤية نقدية عن العالم الذي يظهر فيه الشكل الخرائطي حدود وقيود من جهة للعالم، وفي نفس الوقت تواصل واتصال بين العالم والذي كان واضحا في الخط والخيط الراسم لشكل الخريطة. ربما كانت هذه الكلمة القادح لتجاربي اللاحقة في المتاهة، فبالرغم من أنها (الخريطة) كانت قريبة جدا من أعمالي السابقة إلا إنني لم اهتم بها كعنصر رئيسي بقدر رسمي للشكل التجريدي الواضح في الخط والخيط الواضحان في اعمالي التشكيلية المختلفة...."

        ثمٌ تضيف في مجمل كلامها قائلة:".....و هذا ما دفعني للاهتمام بها في أعمالي  ولما يظهره الشكل الخرائطي من رمزية واضحة للعالم. و ربما أيضا لما وصلت إليه من مفاهيم تجعلني اخص بالتساؤل عن الضياع والولوج والخروج في العالم، والرحلة والسفر والتشابك والتشعب والامتداد والافتراضية... و قد حاولت من جهة أخرى أن أجد مفهوما أوسعا يشمل كل المفاهيم التي مررت بها، إلى أن وصلت الى المتاهة التي تعد الملمة لكل هذه المفاهيم،  خاصة وأنّ الأعمال التشكيلية تجعل من القارئ يتوه داخل خطوطها."

     هكذا تستدرجنا خطوط الطول والعرض ذات السواد غالبا و التي تخترق بياض القماشة وكانها خريطة طريق ، توهمنا بالنفاذ إلى نهاية المسار ربٌما ينجلي في بعض الاحيان ماخفي جرح في لون الأحمر الداكن كانها ذاكرة صدئة او وجع متقادم يراكم فوق المسار ليقطع مع النبض العادي والروتيني للحياة ." هذا واستطاعت على مرٌ ارتحالنا معها في سفر المتاهة ، ان تنفلت فرشاة الفنانة نحو منعطفات بشتى الأحاسيس و الرؤى عبر تخلصها من تعريجات و ارتساماتها التجريدية بالالوان الباردة متمثلة في الأبيض و الأسود إلى الإبحار على متن الألوان النارية الساخنة ( الأصفر و الأحمر و البرتقالي) و الإتكاء على اقتحام جريء لعالم التشخيص و تدبرها في التعلق بتلك الفتاة ناعمة الملامح و حضورها الملكي بين الحين والآخر 

ليتراءى ئى لنا اشتغال الرسامة هيفاء الحاج صالح بعمق على تطوير ملحمتها التشكيلية " المتاهة" .لنبقى على شوق مترصدين  لمقاربات أخرى في شأن تجربة هيفاء الحاج صالح وما جاور متاهتها من دلالات وتقاطعات خطوطية تخاتلنا رويدا حتى نستمتع بصريا وعاطفيا مع محاملها الفنية الفاتنة التي تحلق خارج السرب كأبهى ما يكون. وتؤثث لها مكانا مخصوصا في الخارطة الإبداعية الوطنية و استثنائيا في المدوٌنة التشكيلية  ◾


     🖊 بقلم الكاتب : جلال باباي



** سأخبر ربّي ** بقلم الكاتبة سلوى السّوسي/تونس.

 ** سأخبر ربّي **

ترابط في صدري...

تسافر في تفاصيلي...

تسحب إليك ظلي...

إليك رحلي...

وعلى كتفيك حلّي...

الآن وقد صرت كلّي...

تحرق بالهجران أرضي

تحتي ومن حولي...

قلّي...بربك قلّي...

كيف أستجير من الجوى...

و الوجد يقتلني...

وماء العين يغلي.. 


تمهّل إلى حين

يموت الحنين...

و أمحو خطوط اليدين

و سطور الجبين...

و أطفئ في المزار شمعتين...

تمهّل إلى حين

أخبر ربّي...

قد يخرجك من صلصالي...

أو يبدّل الطّين غير الطّين...


سلوى السّوسي/تونس.



منزلة المرأة الفلسطينية في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة الأستاذة سعيدة طاهر الفرشيشي " المرأة الفلسطينية" 1 بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 منزلة المرأة الفلسطينية في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة الأستاذة سعيدة طاهر الفرشيشي " المرأة الفلسطينية" 1

قد لا يحيد القول عن جادة الصواب،إذا قلت أن المرأة الفلسطينية ليست مجرد ضحية للظروف، بل هي صانعة تاريخ وحارسة هوية ومربية أجيال. إنها تجسد التناقض الإنساني العظيم: تجمع بين ليونة الأم وصلابة الجبل،بين حزن الفقد وتفاؤل المستقبل.مكانتها في المجتمع الفلسطيني مركزية، فهي نواة الأسرة وقلب النضال،وفي المجتمع العربي تعد رمزاً للعزة ومصدر فخر.ورغم كل التحديات والمآسي،تظل المرأة الفلسطينية تثبت يومياً أن الصمود خيار،وأن الحياة بصناعتها إرادة، وأن الكرامة بقيمتها كونية.وهنا نؤكد أن مستقبل فلسطين،ستحمل معالمه بصمات لا تمحى من عطاء وصبر وإصرار نسائها.كما ورد في القصيدة التالية الموسومة ب " المرأة الفلسطينية" للشاعرة التونسية أ-سعيدة طاهر الفرشيشي :

.

المرٱة الفلسطنية


إن سٱلنا عن الصبر

عن الجلد،عن الإرادة

حتما سنجدهم

عند الفلسطنية وبزيادة

فهيٌ الٱمٌ الحنون المعطاة

وللٱبطال ولاٌدة

لا يخيفها قتال

تعشق النضال

لحد الشهادة..

بالبسمة تودع

ٱباها،بعلها،وليدها

فلحظة الفراق

ٱضحت لها عادة

راضية بقدر

جعلها في كلٌ لحظة

تذود عن ٱرضها

عرضها،هويتها 

وبغيرهم لن ترضى

يهددها الموت

في كلٌ حين

يرسل لها ومضة

ٱوجبته حرب

شعارها الإبادة

تلك هيٌ خصال

 المرٱة الفلسطنية

صاحبة الشجاعة

والرٌوح النضالية

بصبرها،وجلدها

من ٱجل الحريٌة

حق لها اليوم

وسام الريٌادة

سعيدة طاهر الفرشيشي

تناغما مع هذه القصيدة الرائعة أقول : تعتبر المرأة الفلسطينية-كما أشرت-ركيزة أساسية في نسيج المجتمع الفلسطيني،إذ تمثل نموذجاً فريداً يجمع بين القوة النضالية والعمق الثقافي والقدرة على التحمل في وجه ظروف استثنائية.لقد تشكلت شخصيتها وترسخت مكانتها عبر تاريخ طويل من النضال الوطني والتحولات الاجتماعية.وتسلط هذه القصيدة التي بين أيدينا ( المرأة الفلسطينية) الضوء على أبرز الصفات التي تميز المرأة الفلسطينية،وتستكشف منزلتها متعددة الأوجه داخل المجتمع الفلسطيني وأيضاً في إطار المجتمع العربي الأوسع.

لقد أبدعت الشاعرة في رسم صورةً بطولية للمرأة الفلسطينية،وإبرزت دورها كرمز للصبر والتضحية والنضال،متجاوزة ببراعة،الصورة النمطية للأم الحنون فقط،لتجعلها مصدر الإرادة ومدرسة الشهادة وحارسة الهوية.أما الفكرة الأساسية فهي إعلاء مكانة المرأة الفلسطينية كشريك أساسي في معركة الدفاع عن الأرض والعرض والهوية،وتمجيد قيم الصبر والجلد والتحدي في وجه الحرب والإبادة.

هذا،واستخدمت الشاعرة لغةً واضحةً ومباشرةً،بعيدة عن الغموض،مما يناسب الطابع التعبوي والبطولي للنص.ونلمس ذلك من البداية:  "إن سألنا عن الصبر..حتماً سنجدهم عند الفلسطينية وبزيادة".فهي تخاطب القارئ بشكل مباشر،وتؤكد الفكرة بثقة تامة..كما وظفت التكرار لدعم الفكرة وتعزيز الإيقاع،كتكرار كلمة "عن" في البيت الأول: "عن الصبر،عن الجلد،عن الإرادة".

وتكرار الهوية والارتباط بالأرض عبر العبارات المترادفة: "أرضها،عرضها،هويتها".

وتجلى الإبداع أيضا في الطباق والمقابلة،بين الحياة والموت: "لا يخيفها قتال" مقابل "تعشق النضال لحد الشهادة"،بين الفراق والابتسامة: "بالبسمة تودع..فلحظة الفراق أضحت لها عادة"

وبين التهديد والتصميم: "يهددها الموت في كل حين" مقابل "راضية بقدر..تذود عن أرضها".

يشار إلى أن القصيدة مكتوبة على نمط "شعر التفعيلة" أو الشعر الحر،حيث حافظت على تفعيلة بحر المتقارب ولكن مع مرونة في عدد التفعيلات في كل سطر،وهو أسلوب شائع في الشعر العربي الحديث.و-كما أشرنا-يُعَد موضوع تمجيد صمود المرأة الفلسطينية وتضحياتها موضوعاً رئيسياً في الأدب الفلسطيني،حيث كثيراً ما يتم تصويرها كرمز للقوة والأمومة والنضال.

صيغت هذه القصيدة في  (7 ديسمبر 2023) ويُحيل تاريخ صياغتها إلى الظروف الفلسطينية الراهنة وما تشهده من حرب مدمرة وتحديات عصيبة،مما يجعلها ( القصيدة) وثيقة تعبوية وحضارية،وتؤكد الشاعرة من خلالها أن دفاع المرأة عن أرضها وعرضها وهويتها هو دفاع عن الوجود نفسه،وبدونه لا معنى للحياة.فقد تجلت  المرأة بين ثنايا القصيد كـ"أم الأبطال" و"بطلة".. وجمعت بين الأدوار التقليدية (الحنون) والثورية (المقاتلة)،مما يعطي صورة متكاملة للمرأة المناضلة.

القصيدة أولا وأخيرا،خطاب تحريضيٌّ ناعم،يعتمد على الإقناع العاطفي والفخري،دون صراخ أو شعارات جوفاء.إنها تحتفي بالمرأة الفلسطينية كـ"أسطورة حية" تمثل أعلى درجات التضحية والإيمان.واللغة بسيطة لكنها موحية،والصورة واضحة لكنها عميقة،والإيقاع منتظم لكنه يحمل نبض الألم والأمل.

خلاصة القول :قصيدة "المرأة الفلسطينية" للشاعرة التونسية الفذة أ-سعيدة طاهر الفرشيشي،قصيدة وظيفية ذات بُعد وطني، نجحت في توظيف أدوات الشعر التقليدية (لغة، صورة،إيقاع) لتقديم نموذج إنساني مشرِّف، يجسد الأنوثة المقاومة التي تبتسم في وجه الموت،وتحمل جراحها بيد،وبيد الأخرى ترفع راية الهوية.

من جانبي أؤكد أن المرأة الفلسطينية تشكل رمزاً بارزاً للصمود والشجاعة في مواجهة التحديات الاستثنائية،حيث تزاوج بين دورها الأساسي في الحفاظ على نسيج الأسرة والمجتمع تحت ظروف صعبة،وبين مشاركتها الفاعلة في النضال الوطني والاجتماعي والاقتصادي.كما تُمثّل(المرأة الفلسطينية)نموذجاً لإنسان يعيش بكرامة تحت الاحتلال،يحمل هموم وطنه دون التخلي عن دوره الأسري والاجتماعي،مما يجعلها ركيزة لا غنى عنها في حاضر فلسطين ومستقبلها.وشجاعتها ليست في المواجهة فقط،بل في الاستمرار بالحياة والإبداع رغم كل المحن.

لك مني يا شاعرتنا السامقة ( أ-سعيدة طاهر الفرشيشي) باقة من التحايا،وسلة ورد تعبق بعطر فلسطين.


متابعة محمد المحسن



هكذا _تنسى الأمور بقلم الشاعرة الفنانة ليلى_السليطي

 هكذا _تنسى الأمور 

كلُّ ما في الأمر مُرّ

هكذا تُمـلي الأمـورْ ...

فاحجبِ الآلامَ حتى

يَقطعَ المرُّ الجـذور...!

إنني أنذرتُ عقلي

عنْ مراسيل الصدور 

كلما الحزنُ دعـاني

للبُكــا بعد السـرور

أكمدُ عينَ الوَجيف 

يَصغرُ الجرحُ الكبير...!

كمْ حديثٍ لليــالي

لمْ يرى للصبح نور...

ربما أُبقيـه حبرا 

بين طيّات السّطور 

ربما ألقيه صوتاً

عندَ أسماع الحضور

هلْ لذكـر الراحلين 

منْ عبير أو عطورْ..؟

أم لدرب التائهين

منْ ملاذ للطيور...

أو لظل العابريـن

من رنين كالأثـير...

أم لحلم العاشقين

فجرَ أفق يستنير...؟

منْ له خيطُ شراعي

سوفَ يحظى بالمرور

إلا منْ ظلّ يكابر

إذْ رماني بالسعير

قد رمى الأعتابَ لكن

تبقى أنفاسُ الضّمير

إنـه بحر انفعــالي 

لا يُجيرُ ..أو يَجور 

كل منْ يرجو انكساري

أو حصادي أنْ يبور 

لنْ ينال الظفر مني

أو يُـكنّى بالظفيـر ...

إنّ في نبضي وتين 

من شرايين البحور

ذلك الكلسيّ دمعي

كالصخور في الغدير 

كلما طافَ الخيالُ

أيقظ الماءَ الشعور

فسرى كالغيم يمضي 

بين أجفـاني يَـمور 

صورة الماضي الكئيب

دعها في طين القبور 

لنُصلّي للغيـــاب 

هكذا تُنسَى الأمـور....!


ليلى_السليطي



الخميس، 11 ديسمبر 2025

اليوم العالمي لحقوق الإنسان في الجزائر بقلم الأديبة زهراء كشان🇩🇿

 اليوم العالمي لحقوق الإنسان في الجزائر 

في كل عاشر من ديسمبر تستعيد الجزائر نبضها الإنساني وهي تحتفي باليوم العالمي لحقوق الإنسان ذلك الموعد الذي يذكرنا بأن الكرامة ليست شعارا بل ممارسة يومية تُبنى في المدارس والإدارات والبيوت والشارع وفي هذا اليوم تتجدّد الدعوة لترسيخ قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وهي قيم حملها الجزائريون في تاريخهم النضالي وما زالوا يسعون لتجسيدها في واقعهم المعاصر إن الاحتفاء بهذه المناسبة هو فرصة للتأمل في مسؤوليتنا المشتركة: أن نصون صوت الضعيف ونحمي حق الطفل في الأمان وحق المرأة في المشاركة وحق المواطن في العيش بكرامة فحقوق الإنسان في الجزائر كما في العالم ليست هدفا بعيدا إنها مسار طويل يبدأ بخطوة واثقة نحو إنسانية أرحب وأكثر عدلا.


بقلمي زهراء كشان🇩🇿


الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

إعترافات كاتب..شاهد على محطات سياسية من تاريخ بلاده..موغلة في الدياجير..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 إعترافات كاتب..شاهد على محطات سياسية من تاريخ بلاده..موغلة في الدياجير..!

لم أكن في حياتي،”بورقيبيا” ولا “نوفمبريا” ولم أركب حصان الثورة لأركض في مضمار الإنتهازيين..


لمن خانته ذاكرته أقول أن العاصمة الفرنسية باريس شهدت سنة 2013 تدشين النصب التذكاري للزعيم بورقيبة في قلب العاصمة الفرنسية في ذكرى استقلال تونس*، و بعيدا عن خفايا هذه المبادرة الفرنسية و أهدافها،إلاّ أنّها أعادت إلى السطح شخصية بورقيبة ودوره في استقلال البلاد و في الحركة الوطنية..

ولكن البعض منا،وأقصد بالتحديد-راكبي سروج الثورة في الساعة الخامسة والعشرين-اختاروا أن يكون عيد الاستقلال مناسبة لمحاكمة بورقيبة  وفترة حكمه و لم ينظروا إلى الفترة البورقيبية كمرحلة تاريخية لها حيثياتها و ظروفها الموضوعية وتناسوا-عن سوء نية-مكتسبات دولة الاستقلال في الصحة و التعليم و بناء مؤسسات الدولة و مجمل المنظومة القانونية و التشريعية والمؤسساتية و مستوى التحضر و الوعي السياسي الذي بلغه التونسيون مقارنة ببعض الدول التي تشبهنا أو تفوقنا في الامكانيات.

وهنا أقول: لم أكن في حياتي،”بورقيبيا” ولا “نوفمبريا” ولم أركب حصان الثورة لأركض في مضمار الإنتهازيين،بل طاردتني

مخابرات-النظامين-( بورقيبة وبن علي) ودفعت ثمنا باهضا “لمراهقتي” الثورية-…بعد ما يسمى تعسفا على الذكاء الإنساني-بـ “الربيع العربي” أدنت أيضا بكل عقوبات جهنم من لدن “دعاة النضالية” وزعماء الطابور الخامس..وهذا موضوع آخر يستدعي الحبر الغزير..وسأتولى الكتابة عنه إن بقي في العمر بقية..

وهنا أضيف: لم يكن الزعيم الراحل بورقيبة ملائكيا ويذكر التاريخ أنه نكل بخصومه بقسوة،وقمع اليوسفيين معارضيه اللدودين،وعلى رأسهم صالح بن يوسف الذي ناله الرصاص الغادر بجينيف( سويسرا) كما لم يسلم من بطشه،لا اليساري ولا الإسلامي،ولا البعثي..إلخ،بعد أن نصب نفسه الزعيم الأوحد والقائد الذي لا يسأل عما يفعل،غير مكترث بدماء الشهداء ممن دافعوا عن استقلال تونس بالظفر والناب..!..

تربع على الحكم وجثم على رقاب الجميع..

لكن..متى كان الفعل السياسي ملائكيا؟ ومنذ متى كان الحكام العرب من سلالة الأنبياء..؟!

ومن هنا،لايجوز إلباس الماضي برداء الراهن إن أردنا استشراف المستقبل برؤية تنأى عن المشاحنات والمناكفات السياسية التي تصب الزيت على النار،و” تبدع” في التصريع..بمعنى إثخان الجرح ورش الملح عليه بدل لملمته وتضميده.،فالتونسي اليوم مريض بما مرضت به البلاد من احتقان وعنف تجاوز كل الحدود المتعارف عليها في مجتمعنا.

والمتتبع لما يكتب وما ينشر خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكل بلا منازع المرآة العاكسة لكل انفعالات التونسيين والتونسيات يلاحظ بسرعة علامات التشنج الواضحة في الخطابات وفي السلوكيات من كل الأطراف بدون استثناء..

وبين واقع إجتماعي و إقتصادي صعب و سلطة تهب رياحها دون أن تسقي رحيق أحلام شباب الوطن وماء المتوسط الهادئ،آثر آلاف الشباب البحر واختاروا الهجرة بحثا عن مرسى لأحلامهم التائهة،قبل أن يكتشفوا أن للكون حافة و للأرض منتهى يقود للهلاك أين إنقلبت مراكبهم و إنغمرت أمنياتهم بأمواج الموت التي حفظت مسارهم  وإقتاتت مراكبهم لسنوات عديدة.

ما أريد أن أقول ؟

أردت القول،أن السياسي عليه أن ينظر إلى المستقبل و يعالج مشاكل الحاضر الحقيقية  ويترك الماضي للخبراء و المختصين لفحصه  وبحثه.مشكلتنا الحقيقية أنّنا نستهلك كثيرا من الوقت للحديث عن الماضي و لا نتحدث عن المستقبل و استحقاقات الحاضر بل بعضنا يطنب في الحديث عن الماضي هربا من الخوض في تحدّيات الحاضر الصعبة،وتداعياته المؤلمة..

الكل يهرب من الواقع المؤلم،يحتضن طموحاته مرغما ويمضي بها.

من اعتقد أنّ الدين هو الحل لحلحلة الملفات العالقة ارتدى جلبابا “أفغانيا” وأطال لحيته وانتهى إلى أنّ الديمقراطية كفر وضلال..!

أما الذي يرى في “البروليتاريا” قوّة ضاربة وقادرة على ترجيح الكفّة لصالح الفقراء والجياع فانبرى ينظّر ويرمي-اللوم-جزافا على الناخبين الذين لم يهدوا له أصواتهم،وأشاحوا بوجوههم عن برامجه”الثورية الواعدة”..موضّحا أنّ الطريق إلى جهنّم مفروش بحسن النوايا..

البعض منا أصيب بالفصام أيضا : يصفّق -للنهضة-صباحا..وينتصر للقوى التقدمية عند المساء..!..وقبيل النوم يلعن بورقيبة ويكفر بن علي،ثم يلعن ثانية أم الإنتهازيين وخالاتهم من الرضاعة..والأمم المتحدة..وكلّ قوى الخراب في هذا الكوكب الأرضي الكئيب..

خلاصة القول…

أرفض منطق العدميّة السياسية فلكل مرحلة انجازاتها و اخفاقاتها و على البعض أن يعي الفرق بين الاختلاف والعداوة مع رجال تلك الحقبة..

ألم يكن بن علي يخاف بورقيبة حتى وهو ميت  وكلنا يتذكر ما حصل في جنازته التي غيّبتها تلفزتنا الوطنية حينها حيث كانت تبث باستمرار مشهد غروب الشمس..!

وإذن ؟

غربت شمس بورقيبة،وأفل نجم بن علي،وظلت تونس تضيء على الجميع..وما علينا والحال هذه،إلا أن نترك-أمواتنا-نائمين في مرقدهم الأزلي،ونفسح المجال للمؤرخين لصياغة التاريخ برؤية تحليلية-نقدية تنأى عن السباب،التخوين والتكفير..

وكل عام وتونس ترفل في ثوب التحرير،والتحرر من قيود الماضي اللعين..


محمد المحسن



**جفاء القلوب** بقلم الكاتبة عائشة_ساكري

 **جفاء القلوب**

بقلمي عائشة_ساكري 🇹🇳


قلبي بركان ثائر 

من جفاء الخليل

الذي طالما مددت

له يداي وفتحت له 

جوانحي المكسورة....


هاقد بنيت له منزلة 

ليستوطن داخلي

وهذا الفؤاد الأسير

إن طال الشوق به،

هامَ وثارت عواصفهُ

ولكن ليس في قافيتي

غير عزة نفسٍ وكبرياء 

توقف ثورتِي........ 


أنا ما أطبقتُ جفنَيْ ساعة، 

أنتظر هسيس الوجد 

الذي يقيدني.... 

مالي أراك لا تبالي بغايتي 

تجاهلت وصالي

وتركتني وحيدة، أصارع 

عسر الحياة الظالمة

  

يا من جعلت البعد 

يطيل  المسافة التي  

كانت بيننا............  

وكأننا في هذا الكون 

غرباء الديار قطّ.....لم 

نلتقيا......


ياما حلمت باقتراب

يضم شملنا.......

هذا الذي ملك الفؤاد 

تركني هائمة....شريدة 

وألم الحنين ينهش

 عظامي...المتراميه....


 تونس_10_12_2023



هايبون بقلم الكاتبة فائزة وشتاتي / تونس


هايبون 


فوق جفون الليل


حين يسدل الليل ستار الظلمة على الكون كانت تنزوي  بغرفتها تقلب صفحات الذكريات و هي ترتشف من الفنجان قهوة بلا سكر ، لعل مرارتها تخفف من قساوة ما فات و يساعدها طول السهر على قهر الزمان الذي لم تر منه سوى النكبات .

توقد الشموع، تشغّل إسطوانة تحبّها فقد ترفع بعض الحزن عن صدرها   وبين الحين والآخر تطل من خلف الستائر الشفافة.

الفوانيس تكسر عتمة الليل، والشارع العريض بدأ يخلو من المارّة… لم يبقَ سوى بعض الشبان الذين يعيشون نسقًا مقلوبًا: ليلهم نهار، ونهارهم ليل....


فوق جفون الليل 

لا تعرف النوم 

هواجس ثرثارة


فائزة وشتاتي / تونس


بِلا وَداع بقلم الكاتب سعيد إبراهيم زعلوك

 بِلا وَداع — 


بِلا وَداعٍ…

تَفَلَّتَتِ اللحظةُ مِن كَفّي

كما يَفلِتُ الضوءُ من نافذةٍ ضيّقة،

وكان قلبي يحاوِلُ أن يَحتفِظَ بصوتِكِ

ولو كظلٍّ يَرتجفُ على جدارِ المساءِ.


بِلا وَداع…

تراجَعَ الطريقُ عن خطاي،

وأصبح بابُكِ بعيدًا

كمدينةٍ أطفأتِ الغربةُ آخرَ قناديِلها.

لا نداءٌ يَهتدي إليه قلبي،

ولا حلمٌ يَكمُلُ بلا ملامحكِ.


بِلا وَداع…

ظَلِلتُ مُعلَّقًا

بينَ سطرٍ يكتُبُكِ خشيةَ النسيان،

وسطرٍ يَمحوكِ خوفًا من الألم.

بينَ قلبٍ يَنتسِبُ إليكِ

وقَدَرٍ يَشيِّدُ بيننا جدارًا

لا يراهُ إلا مَن يَخافُ الفقدَ مثلي.


بِلا وَداع…

ما زلتُ ألتقطُ رنينَ خُطوتِكِ

كأنه آخرُ ما تركَته الريحُ في المكان،

وأُنصِتُ لصدى البابِ

كأنَّه يُغلِقُ فَصلًا مِن عُمري

أكثَرَ مِمّا يُغلِقُ الغرفة.


وبِلا وَداع…

أكتُبُكِ الآن،

لعلَّ الكلمةَ تُمسِكُ ما أفلت،

ولعلَّ القصيدةَ

تُصبِحُ الوطنَ الوحيد

الذي لا ترحَلينَ عنه.


وها أنا…

أمدُّ يدي في العَتمة،

لا لِأُلَوِّحَ لكِ،

بل لأتأكّدَ أنني ما زلتُ هُنا،

وأنَّ الطريقَ

لم يَبتلِع أثري بعد.


فإن رَجعتِ يومًا…

ستَجِدينَ القلبَ

بابًا قديمًا يُصِرُّ على الفتح

ولو انكسرت مِفصلاتُه.


وإن لم تَعودي…

فلن أنكسر.

سأتركُ اسمَكِ يمضي مع المطر،

وأمضي — وحدي —

كمن يُدرِكُ أخيرًا

أنَّ بعضَ الحكايات

يمضي فيها الإنسانُ

بِلا وَداع.


سعيد إبراهيم زعلوك



ذكــــــرتك بقلم الأديب سعيد الشابي

 ذكــــــرتك

ذكـــــــرتك ســـــــعاد

وللـــــرقص جنــــــون

في فــــــضاء به صخب

به فوضى محمومة ، وضوضاء

وللشــــــموع فيه عــــربدة

خــــــرساء ساكـــــنة

كــأنا في صمـــــــتي

بذات الركـــــن ألتهـــــــب

في حـــــانة أختنـــــــق

لأني فيـــــــك أفكــــــر

في صفحات مــــاض أقلـــــب

أدرس ...أفحـــــص

دروســـا ، كنت أستوعب

لكنني ، تغابوت وقتها

رافـــــضا مفهــــــومها

وندمت اليــــوم ، 

أن عصيــــت ، 

وما أنجزت

مــــا يعنيه فحـــــواها

وأنزل حينها فاتحا مرساها

فنرتــــاح ـ سيــــدتي ـ

وتــــذوب في أعـــماقنا 

 مـــــــــعاناتنا

ويهمـــــــلنا التأريــــــــخ

كمن عــــــاشوا قبــــــلنا

دون تحســــر ، ولا نـــــــدم

أنت أيــــضا تـــــغابوت

 حـــــين ظننت

أن مثـــــلي ، لا يفهم

وندمت ، أنك لم تجرئي

على كسر باب الحيرة، والحذر

خوف خطـــر ، وراءه ينبثق

وفر بـــنا الحلم

وهو في أعماقنا يتخبط

 

سعيد الشابي


أيا أميرة البر والبحر..سكب الغيم خيبات العمر على جسدي.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 أيا أميرة البر والبحر..سكب الغيم خيبات العمر على جسدي..

الإهداء : إلى تلك التي آتتني من غربة الصحو..ألبستني وجعي..ثم توارت خلف ازدحام الصباح..


-أميرة مملكة الأمس /ما زِلتُ أسحب حزني /إلى غيمة بحسنها أمطرتني..(مظفر النواب)


جاءَ الشتاء يحمل 

                           سلة شوق 

وحبات من الثلج..

         لمح وجهي 

               في قبوي..

 سكب خيبات العمر 

على جسدي.. 

 وأيقظ زهرة لوز 

   للبسمات البهية

بعدَ قليلٍ أتصفح 

       دفتر عمري..

وأبكي..قليلا

أو أراني..

         أضُمُّ ذِراعيَّ

 عَليك..

"لم يبق جرج لم ينَل

 مني.."

                           ومنك

أيا أميرة

 البر

 والبحر..

يارفيقة الدرب

سأُبقي أنوار قلبي

               مضاءة..

في عتمات الصمت..

 مصالحةً 

بين صحوِ الصباحِ

             وصَحوي

وأيقي رياح الجنوب..

بوصلتي...

ودليلي

وأسألُ عن طيف

رافق دربي..

       أزمنة الزرع

والضرع..

يوم كانت الحقول

       تنام بحضني..

     والطير يهجع

          على كفي..

.يا لهُ مِن زمانٍ 

            مضى

بين ألفٍ مِن السَنوات الفَتِية

يا لهُ مِن زمانٍ بهي

توارى..

بين منعطفات الدروب

                     القصية..


محمد المحسن


*صورة الحسناء المرافقة للقصيد..تعبيرية ليس إلا..



الثلاثاء، 9 ديسمبر 2025

يا سيدة اللّون والكون..أسندت روحي على وهج العشق فيك..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 يا سيدة اللّون والكون..أسندت روحي على وهج العشق فيك..!

الإهداء:إلى تلك التي مازالت تتجوّل في خراب يسكنني..ووحدها تراه..!


تصدير : أحلّق على تضاريس حبّك.على ارتفاع تصعب معه الرؤية،ويصعب معه النسيان.

 وأتساءل رغم فوات الأوان : أتراني أرتكب آخر حماقات عمري،وأهرب منك إلى الوطن؟ أحاول أن أُشفى منك به،أنا الذي لم أُشفَ بكِ منه؟

"أريد أن أحبك هنا في بيت كجسدك مرسوم على طراز أندلسيّ.أن أُسكن حبك بيتاً يشبهك في تعاريج أنوثتك العربية،بيتاً تختفي وراء أقواسه واستداراته ذاكرتي الأولى.تظلل حديقته شجرة ليمون كتلك التي كان يزرعها العرب في حدائق بيوتهم في الأندلس.."


..في الأفق البعيد،يلوح ضوء باهر

                              يسربله السّحر

ذاك الأفق البهيّ

              متشحا بباقات من الحسن

هوذا الحسن..

                يتوهّج في سحر عينيك

        وإنّي لأقرأ هذا المدى العندميّ

على شفتيك..

* * *

يا إمرأة

إنّ فيك لسحر السّماء

            وجوع الحياة

وكون من التيه

       والبوح والموج

والرغبات..

ياسيدة اليمّ

امنحي كلامي لغات السّفن

     امنحي قلبي لغة سافرة..

يا سيدة اللّون

أنيري ضوء الكون المعتّم

 في أجوائي

علّني أفتح بؤبؤ الرّيح

                      وأستوطن الذاكرة

* * *

يا سيدة البحر

"أسندت روحي على وهج العشق فيك"

أستنجد الوجد..

    أحتسي لغة الكوثر 

        في كأس الهديل..

خذيني بقربك..

 "كي أقرأ روح العواصف"

        حين يعانق النورس

 زرقة اليمّ

.. ويسرج القلب أفلاكه..

للرحيل..

* * *

يا سيدة البحار..

على جدائلك بروق

 البحر 

والملح..

وفي سماوات عينيك

              ذاك الفضاء البدائيّ

أراه متشحا بالغيم

والصّمت

والنّور

والنّار..

            وأنا..

            أغذّ الخطى بين جرح

وجرح

               وأقتفي أثرا للمرايا

لكنّ الدرب إليكِ..

       غدا دروبا لا تؤدي إليكِ..

كنت أرى وجهكِ..

في المنام

    أراه على صفحات البحار..

وكنت أقول : غـدا..

      أقول غدا ربّما قد أراها..

            إن قدّر اللّه حسن النوايا..

لكنّ السنين تعدو

والأمنيات تمضي

                   وكل الرغبات تنأى..

والقوافل أسقطتتني 

                      في منعطف للثنايا..

* * *

يا سيدة الكون

 واللّون

ها أنذا على مرمى..نبضتين من القلب..

 أتصفّح دفتر عمري..

        أكفكف غيمي

أسرج وجدي..

       إلى جهة في المحال..

وأسري إليك.. 

لكأنّي في غمرات البنفسج..

أولد الآن..

ولا شيء في نشوة الشوق.. 

يثبت أنّي أحبّك..

                              غير الكتابة..

       ذبل الزّهر ولم يجيء الربيع..

رحل طائر البرق..

                      ولم ينهمر الغيم..

مثلما وعدتني الرؤى..

                  كما وعدتني رؤايَ

ترى..

      هل أظلّ أحبّك إلى آخر العمر..

وهل..؟!

وتظلّ في تضاعيف الرّوح 

محرقة للسؤال..


محمد المحسن


*صورة الحسناء المرافقة للقصيد..تعبيرية ليس إلا.



معلّم صامت بقلم الكاتب رشدي الخميري/ جندوبة / تونس

 معلّم صامت

في حضرة الشّتاء، تلقي المدينة وشاحها القديم وتدخل في طقس من الخشوع، كأنّها تنصت لخطى السّماء وهي تعيد رسم وجه الأرض. يغتسل الإسفلت بماء له رائحة البدء، وتتماوج الأرصفة كأنّها تجرّب ثقل الذّاكرة حين تبلّلها الأمطار الأولى.

الأشجار، تلك الكائنات الوقورة، تهدم صمتها ورقة ورقة، وتعيد ترتيب ظلّها على الأرض، كأنّها تتدرّب على صيغ أخرى للوقوف، وعلى شكل جديد لجسد يتهيّأ للانبعاث.

الوديان تفتح أفواهها، تتلقّى سيلا يتدفّق بحنين قديم، وتطرد عن مجاريها ما خالطها من رماد الفصول، كأنّ الماء ينظّف عروقها ليذكّرها بأنّ الحركة قدر لا يتخلّى عنه النّهر مهما أثقله الجفاف.

والأرض وهي أمّ الكلّ، تهبط نبضاتها إلى وتيرة عميقة، تلتفّ حول نفسها مثل امرأة تصلّي في صمت طويل قبل أن تنهض بيتها من سبات.

وفي هذا السّكون المبلّل، يستعيد النّاس صلتهم بالعناصر الأولى: يمدّ أهل المدينة والرّيف خيوطا رقيقة بين أرواحهم، يعودون إلى موائد الأهل، وإلى بوّابات البيوت التي سدّلت عليها المواسم. كأنّ الشّتاء يناديهم بأسماء كانوا قد نسوها، فيتذكّر كلّ منهم جذوره، وينصت لصوت الأرض وهي تخبره بأنّ الرّحلة لا تستأنف دون وقفة تنقّى فيها الرّوح من شوائب الاندفاع.

الشّتاء ليس بطئا… إنّه عمق آخر للوقت.

فصل يعلّم الجسد أن يتقوقع قليلا ليحمي نوره الدّاخلي، ويعلّم القلب أن يهدأ، أن ينصت لارتجافة باهتة في صدره قبل أن يشرع في الرّكض من جديد.

حتّى الحبّ… يتخفّف من بهرجه، ينزوي في زاوية دافئة، يترك للقلوب فرصة أن تتذكّر كيف ينبض العشق حين يقرئها المطر درسه الأوّل في الرّهافة.

العصافير، سفراء الضّوء، تتوارى لا خوفا بل توقا إلى اكتمال نغمتها.

تراجع خرائط أغصانها، تعيد تنسيق أجنحتها، تجرّب لحنا خافتا لن يذاع إلّا حين ينشقّ الرّبيع عن جلده ويفتح نافذته للسّماء.

فكلّ كائن في الشّتاء يمارس طقسه الخاصّ من الإعداد: من الحشرة الصّغيرة الّتي تلمس سرير الطّين، إلى السّنبلة الّتي تحتضن بذرتها كأمّ تصغي لوليد لم يولد.

وسيمضي الشّتاء…

لكنّه قبل الرّحيل، يترك في الهواء أثرا يشبه الحكمة، وفي التّربة أثرا يشبه الوعد، وفي أرواحنا أثرا يشبه اليد الّتي وضعتها الطّبيعة على كتفنا، تطمئننا بأنّ الرّبيع ليس هديّة مجانيّة، بل ثمرة صبر شتويّ طويل.

ومتى حلّ الرّبيع، ستنهض المدينة من تحت غطاء البرد كمن استيقظ من رؤيا، وستمتدّ الطّبيعة في كامل جسدها، كأنّها تستعيد ما فقدته من ألوان ونبضات.

لكنّ الشّتاء قاعدة هادئة قامت عليها هذه القيامة الخضراء.

ها هو الشّتاء… ينزل كضوء بارد، يلمس الكائنات لمسة تشكيل، ثمّ يمضي...ليبدأ كلّ شيء آخر.

رشدي الخميري/ جندوبة / تونس


أَثَرُكَ خيرٌ وأَبْقى بقلم الكاتبة جميلة مزرعاني

 أَثَرُكَ خيرٌ وأَبْقى

يا سائِحًا في خِضَمِّ الجمال 

تائهًا حائرًا 

تبحثُ عن الكمال 

دعْ جمالَ الرُّوحِ يَطْغى 

وجمالَ القلب 

بمشاعرِ الصّدق يَنْدَى 

لا يَفْتِنَنَّكَ عالمُ المادّيات 

فيُنْسيكَ جوهرَ المعنى 

أَزِلْ عن الشِّغافِ قاذورات السَّوْء

يبقى النّقاءُ أسْلَمَ وأَصْفى 

كُنْ للودِّ أَهْلًا 

ألّفْ بين قلوبِ الوَرى 

إزرعْ غِراسات الوفاء

في كلِّ وتينٍ ينبتُ فسيلة

بالأخلاقِ تُرْعَى

أَبْسِطْ وجهكَ بالبَشاشة

تَجِدْ حولكَ الخَلْقَ يَسْعى  

بمقاليدِ الوَقار 

لشخصكَ تُرْفَعُ القُبَّعة 

كنْ عزيزًا مُكَرَّمًا 

حكيمًا حليمًا 

سِمَاتُ الجمال فيك 

ثراءًَ وغنًى 

فيَعْلو شَأْنُك 

وقَدْرُك في القلوبِ مَرْسَى 

وَهَبَ الله لك عقلًا وقلبًا سليمًا

أمدّكَ بالبصرِ والبصيرةِ 

وإلى الصّراط هَدَى 

فلن يصيبنّك السّّوْء 

وحالكَ في الجمالِ اهْتَدى 


جميلة مزرعاني 

لبنان الجنوب 

ريحانة العرب



ارحل عنّا يا استعمار بقلم الشاعر محمد علقم

 ارحل عنّا يا استعمار


...........................


لا آمــان..ولا استقـرار


إلا بعـــودتنــا...للـــدار


اسمـع وافهـم يـا محتل


أنـت بقـايـا الإستعمـار


ارحــل عنّــا لا تغتـــر


واتــرك هـــذه الـديــار


ميـراث جـدي لـن يباع


المـوت دونـه باستمرار


مـوطنـي نقــاء وطهــر


لـم يكـن يومـا للأشرار


بيــدر جدي لـن ننسـاه


قمـح البيـدر لنـا تذكـار


زيت بلادي شفاءودواء


يشفي من كل الأضرار


إنْ غنَّ البلبل مع الفجر


صـوته العـذب كالقيثار


كنّـا نحيـا بتلك الارض


أرض الخيـر والعمــار


هجّــرونــا فـي الخيــام


وشتتــونــا فـي الأقطار


ملّكـوهـا لمن لا يستحق


خـاوة ضـاعت يـا للعار


أيـن الحق وأيـن العـدل


كلـه من دول الإستكبار


ظنواالشعب يقبل بالأمر


مثـل الحـاكـم بـإستهتار


ثورة شعب ليس إرهاب


يــا مــن لـديكـم القـرار


شعـب لا يعـرف اليأس


شعــب الثـورة والثـوار


لـن يليـن ولـن يستكيـن


تــوّج بـأكـاليــل الغــار


لن يرض بغير الارض


لـن يحيـد عن المســار


عـــودتنـا لكـل الارض


مهمــا طــال الانتظــار


لا تطبيــع ولا اعتـراف


ارحل ارحل يا استعمار


محمد علقم/17/7/2017


بين الانتظار والغياب بقلم الكاتبة هالة بن عامر تونس

 بين الانتظار والغياب

أسمع صدى... 

خطواته في خيالي

قبل أن تطأ أرض البيت

ألمسه في الهواء


شوقي يندفع

وخوفي يهمس :

 <<ربما يأتي بقلبٍ

 لا يعرف دفء حضوري>>


أقف عند حدود توقعاتي

على حافة الانتظار

لأتعلم كيف أجاريها 


أراقب نفسي لأتعلم

كيف أحب بلا استسلام

وكيف أنتظر بلا يقين

حتى يكتشف حضوره

أن قلبي لم يبرح مكانه.


هالة بن عامر تونس 🇹🇳



يمزق أحشائي بقلم زهور ربيحي

 يمزق أحشائي

صوت عنيد

والقاضي حكم

بالمزيد

امازحه

ياحبيبتي كيف

انسج قصصي

اشعاري

أحبك

في الايياب والذهاب

أحبك

موسم رحمة بلا عذاب

أحبك اكتمل النصاب

الغرام جنحة

يغتاله صمت

أكيد

 وصهيل بداخلي

يجرني

أستحضر بريق

عينيك

وعشقك

في ليالي الوعيد

السهر

وترانيم قصصنا

الماضية

كالشمس وحرقة

أشعتها

أدمت جوانحي

والرحيل

مبكر

يانبيل ........

ابن الوليد

والفراق اللعين

دموع

أحبك

من الوريد

إلى الوريد

على الخد شهيد

زهور ربيحي


2025.12.09



تيه بقلم الكاتب يحيى محمد سمونة - حلب.سوريا

 تيه


حرر لي النقيب سهيل برقية رد على البرقية التي ناولته إياها، فاستلمتها منه و انطلقت مسرعا كي لا يستمر في تخوفه مني [ أنا رجل مسالم في كل أحواله، و كان من طبعي في حياتي المدنية أنه إذا كنت أسير في شارع خاو من مارة و صادفت أمامي من بعيد فتاة أو امرأة تسير بمفردها في ذات الشارع فإنني أبتعد إلى أقصى الطريق مبتعدا عنها كي لا ينتابها شيئا من خوف مني لأنها إن إرتاعت مني أكون مسؤولا عن ذلك أمام ربي ]


صحيح أنني استلمت الورقة من يد النقيب و انطلقت مسرعا، و لكن !!!! أين هو طريق العودة إلى المحطة و هذا الظلام الذي يكتنف المكان ؟! 


مسألة العودة إلى سيارة النقيب غير واردة على الإطلاق لما في ذلك من شك و خوف متبادل بيني و بين النقيب 


و مسألة السير قدما نحو الأمام أو نحو المجهول أيضا غير واردة لما في ذلك مخاطر التيه في صحراء موحشة مرعبة 


بت أتقدم خطوة و أتراجع أخرى، أراوح في مكاني خوفا و قلقا و رهبة و انكماشا   


و يستجيب الله دعواتي، و يأتي الفرج من بعيد، حيث أن عنصرا من عناصر إحدى المحطات اللاسلكية أراد تحضير إبريق من الشاي، فأشعل "بابور الكاز" الذي ما لبث لسان النار أن تعالى منه، فأبرق وجهي على إثر ذلك و انطلقت مسرعا نحوه و قد أن أخذت نفسا طويلا و عميقا كناية عن شكري لله 


كان لا بد لي من الوصول إلى مصدر تلك النار التي هي الآن لي بمثابة النور الذي يجب الوصول إليه قبل أن يخبو ثم أتيه في تلك الصحراء مرة أخرى 


وصلت إلى حيث مصدر النور و وقفت و أنا ألهث، و كان ذاك العنصر الذي أشعل النار شابا تبدو عليه ملامح العنفوان و لهجته تقول أنه من مدينتنا، و سألني، مرددا كلمة خير خير خير إن شاء الله [ سألني ذلك وقد لمح امتقاع وجهي و اصفراره رغم اللون الذي تضفيه النار على الأشياء ] 


- وكتب: يحيى محمد سمونة - حلب.سوريا 


إشراقة شمس 98

لا يغيب – رسالة إلى بدر شاكر السيّاب بقلم الكاتب سعيد إبراهيم زعلوك

 لا يغيب – 

   رسالة إلى بدر شاكر السيّاب


سعيد إبراهيم زعلوك


ظل يمشي فوق الرمال،

يبحث عن اسمه بين صمتٍ لم يُقْرأ بعد،

عن نبضة ماءٍ تتدرّب على الصوت،

عن نهرٍ يَحْفَظُ كل ما لم يُقال.


في بويب يلتقي الماء بالسماء،

تتشكّل خفقات قلبٍ لم يولد بعد.

المطر يهمس للحجر،

والريح تحتضن الغياب،

والنخيل يراقب كل سرٍّ لم يُكتب.


خطاك تتبعها الريح،

والقرى تعيد نبضك على أبواب مهجورة.

الغياب يصبح حضورًا،

والحروف تتدحرج على الحجر،

كأنها تعرف الطريق إلى من لم يُنسَ.


المطر الذي صرتَه لا يسأل عن أحد.

لكنه يروي الأرض والروح،

ويزرع في القلوب خضرةً تتجاوز كل كلمات.

يترك للريح ممرًّا من الضوء،

ويغني المكان بصوتٍ لم يسمع بعد.


عد… ولو بظلٍّ يهبط على وجه البصرة كندبة قديمة.

عد… ولو بصدى ينطق اسمك في الليل، ثم يغشاه الصمت.

عد… ولو بريح تمر على بويب فتنهض الأحجار من نومها.

ولتظل النخلة خضراء،

تحكي عنك لكل قلبٍ لم ينسَ.


تغيّر الشعر بعدك،

لكن المطر بقي،

يحفظ كل الحروف.

يزرع في النهر كل سرٍّ لم يرحل،

ويغني الأرض بصوتٍ لا ينقطع،

ويظل النهر يتذكر اسمك قبل كل صباح.


التراب ينصت،

والسماء تتكلم بصوت المطر.

الليل يمر فوق وجهٍ لم يُرَ،

وكل شيء يهمس: ما مضى لم يُنسَ.

كل غياب يحمل البذرة التي ستنبت من جديد.


كلما نزل المطر،

تذكّرنا السياب.

أصبح المطر أغنيةً لا تنتهي،

ونهرًا لا يعرف النهاية،

ونخلةً لا تعرف الخريف،

وأرضًا تحمل في كل قطرة ماء قصة وطن.


نم… فالتراب ينصت،

والريح تحمل اسمك.

المطر الذي صرتَه يزرع خضرةً في ذاكرة العراق.

يبقى مطرًا لا ينقطع في قلوب من أحبّوك،

ويبقى المطر صديقك الأبدي.

يحفظ ذكراك، ويروي الأرض والروح معًا.


في كل نهر، في كل نخلة، في كل قطرة ماء،

كما نحفظ الحب بعد الرحيل،

كما نحفظ المطر بعد عطش طويل،

كما نحفظ الحضور بعد الغياب،

وكما تبقى أيقونة لا تعرف النهاية.


وفي اللحظة الأخيرة،

تعلو الريح،

ويهطل المطر كقصيدة أخيرة،

تسري في العروق،

وتترك للسماء والأرض

معًا،

اسمك ينبت في كل قلبٍ يحنّ،

كأن السياب لم يرحل أبدًا.



أيتها الرياح بقلم الكاتب المنصوري عبد اللطيف

 ****أيتها الرياح****

هلا عصفت


بكبار قومنا


سدنة وطننا


ايتها الرياح


الهوجاء


هلا نظفت ذاكرتنا


َمن صفعات الزمن


المر


 من تداعيات


الفقر الظلم القهر


 ايتها الرياح


هلا مسحت دموع


شعب


تدفقت وديانا


سقت حقولا


جسدت معالم


جرح عميق


عجزت  على توزيع


ورود


على  أطفال


ظلوا الطريق


تاهوا في غياهب


الحرمان


افتقدوا الامان


ود فء الصديق


ايتها الرياح


هلا زلزلت


اقدام طغاة


قهروا البلاد


والعباد


المنصوري عبد اللطيف


ابن جرير 19 /12/2025


المغرب



فناؤكَ في الهوى عينُ البقاءِ بقلم نادر أحمد طيبة

 فناؤكَ في الهوى عينُ  البقاءِ

..................   ............    ...............

جراحُ    الناس ِ    تبرأُ   بالعزاءِ

            وجُرحي قاتلٌ  ،  فمتى  برائي؟

يُعزِّيني الصديقُ ،وليتَ  شعري

            أهل ْ تشفي  التعازي  كربلائي؟

أقولُ  لهُ :   رويدكَ     لا تُعزِّي

          فقد يئسَت جروحي من شِفائي

وأصرخُ    :   لاتواسيني  رجاءً

           ولا تعجَبْ  رجوتُكَ مِن رجائي

أنا   نبعٌ    مِنَ  الأحزان ِ  قلبي

            فدعْني   أختمرْ     ألماً   بدائي

ولا  تذكُرْ     تفاصيلَ   انهياري

             أمامي لو سحمتَ  ، ولا ورائي

لقد غاضت دموعي في المآقي

            وجفَّت  في   شراييني  دمائي

سلَت   سُعدى  وهذا  ما  براني

            ولطَّخَ   مُهجتي   بدمِ   الشقاءِ

تمنّيتُ     المنيَّة     يا سُعيدى

            بلا  وجلٍ  لأصدُقَ  في  وفائي

لِماذا الهجرُ  يا سُعدى  الأماني

            تبَخَّرَتِ     البقيَّةُ    مِن  هنائي

يُصبِّرُني  بُعيدَكِ   حُسنُ  ظنِّي

             وإيماني       بأحكامِ    السماءِ

ونصحٌ  في    تراتيلِ   التجلِّي

             فناؤكَ  في الهوى  عينُ  البقاءِ

فأفنيتُ   الحياةَ   ، ولم  أُبالِ

             وصارَ جهادُ  نفسيَ مِن  مُنائي

وحجُّ الديرِ مِن عاداتِ  روحي

            وتزكيَةُ    الجوارحِ      بالدُّعاءِ

ولم  تقنط  شفاهي  مِن صلاةٍ

             تُسبِّحُ في الغدوِ ، وفي العشاءِ

أصومُ  الدهرَ  عن  قالٍ  وقيلٍ

             وأُزكي      بالمحبَّةِ     كبريائي

فمَن مِثلي  انا  مجنونُ سُعدى

            أُغازلُها     بصحوي   وانتشائي

وأفرحُ  حِينَ  تختبرُ  اصطباري

            على  خوضِ الغمارِ  لدى النداءِ

بَلى قولي  لها   في  كُلِّ  عصرٍ

             مِنَ   الذَّروِ   المُقدَّسِ   للصَّفاءِ

فهذي    قصَّتي    يا مَن  تُعزِّي

             أزلَّ    جسارتي   حُسنُ  الظِّباءِ

وذي  حالاتُ  روحي مُنذُ بدوي

             بصيفي    تعتريني      والشتاءِ

فدعني في الهوى حِلفَ المآسي

            فجرحُ    الروحِ    ممنوعُ  العزاءِ

محبتي  والطيب  .....نادر أحمد طيبة


** ((مرآة القلب)).. قصة: مصطفى الحاج حسين

 ** ((مرآة القلب))..

قصة: مصطفى الحاج حسين. 


وقفت أمام مرآتها، أخذت تُصفّف شعرها الخَرنوبِيّ بعناية. 


فجأةً، توقّفت يدُها البضّة عن الحركة، تسَمّرَ المشطُ السابحُ في نعومة الشَّعر. حدّقت مليًّا، قرّبت خُصلةَ الشَّعر من عينيها، أمعنت أكثر، تفرّست، حتى تأكّدت من بدء غزو المشيبِ لشَعرها.

 

صُعقت، تراجعت، وندَّت عنها صرخةُ ذُعرٍ حادّة:


- لا.. لا.. لا يُمكن، لا يُعقل.. لا أُصدّق.. أنا لم أَكبَر بعد.. ما زلتُ شابّةً!

  

أنتِ تمزحينَ.. مُؤكّد أنَّكِ ترغبينَ بمداعبتي.. المستقبلُ ما زالَ ينتظرني

، لم يتجاوزني قطارُ الصّبا.. أعرفُكِ، أنتِ مهووسةٌ بمثلِ هذه الألاعيب..

 

ولكنّكِ اليوم ثقيلةُ دم، غليظة، تافهة، وسخيفة!  

الجمالُ بعضٌ من أسراري.. لن يسمحَ للتجاعيد أن تحطَّ على وجهي!  

ما هكذا يكونُ المزاح!  

سخيفٌ قولُكِ هذا.. أنا لا أُصدّقُكِ!، ولا أُحبُّ طريقتكِ هذه... خاصّةً عند الصباح!  

كثيرونَ يتمنَّون أن أُجيب على تحيّاتهم...

  

ما زال (مصطفى) يُحبُّني ويكتب عنّي الشِّعرَ والقصص...

 

منذ فترة كتب عنّي قصّة "حبّ أعمى"، وهو الآن بصدد تحويلها إلى مسلسلٍ تلفزيوني، أسمعتِ؟.. مسلسل تلفزيوني عن حُبّه الأعمى لي!


لكنّني أصدُّهُ بقوّةٍ،  

لأنّني كُلّما صددتُهُ، كتبَ الأجملَ والأكثرَ عنّي...  

بل أنا أصدُّهم جميعاً...  

أجعلُهم يتزاحمونَ!  

قلتُ لكِ ألفَ مرّة: 


- لا أحتمل خفّةَ دمكِ لحظة استيقاظي، وأنتِ تعرفينَ أني أنهضُ معتكرةَ المزاج، لا أقدرُ حتّى على تبادل التحيّة...  

فلمَ تحاولينَ إغاظتي وإثارةَ حَنَقي؟!


هل حقًّا نحنُ صديقتان؟!  

إذاً، لماذا تزفّينَ الخبرَ لي بفرحةٍ؟!

 

- نعم... نعم...  

لنفترض أنّكِ فعلاً تقولينَ الحقّ، لنفترض أنَّكِ لا تمزحين، ولكن لماذا تزفّينه بهذه الفرحة؟!  

ولِمَ تبدينَ قاسيةً؟!

كان بإمكانكِ تخفيفُ الصّدمة عنّي، بإمكانكِ أن تُداري، أن تنتظري، لتجدي فرصةً مناسبة...  

أنتِ لم تُؤبهي لمشاعري،  

لم تَكترثي بما سيحلّ بي،  

أتُسمّينَ قولكِ صراحة؟!  

اللّعنةُ على الصّراحةِ حينَ تكونُ قاتلةً...


أعرفُ... أعرفُ أنّكِ لا تقصدينَ ذبحي، ولكنّني ذُبِحتُ، يا صديقتي...

  

أنتِ هكذا دائماً، تقولينَ ما تعرفينَ دون لفٍّ أو دوران


آهٍ، أيّتها الصّديقة... أنا لستُ عاتبةً عليكِ، لا ذنبَ لكِ، على أيّ حال، كنتُ سأعرفُ الحقيقة عاجلاً أم آجلاً، كنتُ سأكتشفُ الأمرَ بنفسي، لأنّ إحساساً قويّاً كانَ ينمو بداخلي،ويصرخ

، كلَّ يومٍ عشراتِ المرّات

... بل أكثر... أكثر بكثير.


- ولكن... لا.. 


يجب أن أفعلَ شيئاً، أيَّ شيء، لكي أُوقِفَ زحفَ الخطر عنّي، رُبّما أقبل أوّلَ عرضٍ من أوّلِ رجلٍ سأُصادفهُ في صباحي...


لا... هذا مستحيل!  

أينَ كبرياؤكِ يا "ندى"؟!  

عليكِ أن تظلّي عصيّةً على الجميع.*


  مصطفى الحاج حسين.  

        حلب 1993م



لِماذا لا تَسْمَعُني؟.. بقلم الكاتب عماد الخذري

 لِماذا لا تَسْمَعُني؟..


لِماذا لا تَسْمَعُني؟

أَلَمْ أَكُنْ مُنْذُ قَليل

أُنْصِتُ إِلَيْكْ؟


لِماذا لا تَفْهَمُني؟

أَلَمْ يَكُنْ لِحَديثي

وِجْهَةٌ إِلَيْكْ؟


لِماذا لا تُعيرْ

إِحْساسي؟

فَإِنَّ في صَمْتي

لَعِبْرَةً لَوْ رَأَيْتْ


ماذا جَنَيْتْ

إِنْ كُنْتَ سَمِعْتُني

حَتّى انْتَهَيْتْ؟


أَنا لا أَهْذي

بِلِساني، بَلْ

بِقَلْبي أَكْتُبْ

كَما اهْتَدَيْتْ


أَنا لا أَخْجَلُ مِنْ

نَظْرَةٍ عَبَرَتْ

وَلَمْ تُبْدِ أَثَرا

لِما عَبَّرْتْ


أَنا أَبْحَثُ عَمَّنْ

يُنْصِتُ إِلَيَّ

كَما أَسْمَعُ إِلَيْكْ


بقلمي: عماد الخذري

تونس – 08 / 12 / 2025



نعم_كلنا_نحتار بقلم الكاتبة/نادياغلام

 نعم_كلنا_نحتار 


قد تتشابه الأشياء فى بعض الأوقات 

الأسود و الأبيض، القرب و البعد

الوجوه، المواقف و حتى التغيرات 

و قد تتشابك الأمور وسط دوامة الحياة 

فتحتار أي سبيل أو مسلك تختار. 


نعم .. كلنا .. نحتار 

في عالم تشابهت فيه

شموس و عواصف الفصول 

ورود و أشواك القلوب

ابتسامة الأقنعة و الوجوه 


و كلما كبرنا تتغير فينا أشياء 

تسقط تصورات و تولد أفكار 

تتكسر أسوار و تبنى أبواب

نتغرب عن كل ما هو مزيف. 


و رغم كل المتشابهات و المتغيرات

أن تظل ثابتا و أنت تدرك تماما

ما الذي يجري حولك ..

و ما الذي يجب عليك فعله 

و أنت تقترب من روحك أكثر 

هو قمة الحكمة و الثبات 


و وحدها العنقاء تخرج من الرماد

مرفوعة الرأس بعزة و إصرار. 


من_همس_قلمي 

الكاتبة/نادياغلام



ذكرى حبيبٍ .. بقلم الشاعرة / رفا الأشعل

 ذكرى حبيبٍ ..


تبسّم صبحٌ .. والضّيا باتَ غامرَا

فأبدى جمالاً يلفتُ العينَ ساحِرَا


يصبّ ربيعٌ في الطّبيعة سحرهُ 

وذا الرّوضُ حولي رشّ فيه أزاهِرَا


دنانيرُ تبرٍ في المياهِ تناثرتْ

وقطرُ الندى يكسو الزّهور جواهِرَا


وشمسٌ بآفاق السّماء ضياؤها 

كتبرٍ مذابٍ قدْ همى متناثِرَا


وذكرى حبيبٍ قدْ تماهتْ بخاطري

كطيفٍ سرى مسرى النّسيم مُحَاذِرَا


خيالٌ نفى عن ناظري هانيء الكرى

فكمْ مَنْ ليالٍ بتُّ أرقبُ ساهِرَا


أراقبُ ليلا لأ تغيبُ نجومه

يمرُّ على شاكٍ من الوجدِ حائِرَا


سقى الله عهدًا كان فيه يزورنا 

وللحبّ سحرٌ  يجعلُ العيشَ فاخِرَا


بحارٌ وأقطارٌ تفرّقُ بيننَا

وقلبي إليه كم يطير مسافِرَا


ألحّ عليّ الشّوق حتّى أحالني 

خيالاً بدرب العشقِ يضلعُ عاثِرَا


لقد فرّقَ الواشونَ بيني وبينكمْ

 ولسْتُ على بعد الأحبّةِ صابرَا


أليسَ الّذي في  الحبّ  عشناهُ ثابتًا ؟

فَهَلْ يا ترى ذاك الهوى كانَ عابِرَا


فإن يكُ مرّ الدّهر غيّرَ ودّكمْ

وأودى بهِ الهجران فارتدّ فاتِرَا


(فإنّي لباقي الودّ لا متبدّلٌ)

(سواكمْ بكمْ ).. والدّمعُ يكوي المحاجِرَا


هجرتمْ  .. ولا أقوى على الهجر مثلكمْ

تعبتُ .. وكم أشكو هوى صارَ جائرَا


يهوّنُ عنّي طارقَ الهمِّ أدمعي

بحبرٍ جرى .. فالدّمعُ حرفٌ تناثَرَا


سطوري قوافٍ في هواكمْ سكبتها

وحيكتْ كما حاك الرّبيعُ أزاهرَا


                   بقلمي / رفا الأشعل

                   على الطّويل

أنتحار شمعة بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل

 أنتحار شمعة

في منتصفِ الطريق

تركتِني وحيدًا

أنظرُ إلى دموعِكِ المنهالةِ

وخيوطِ الدخانِ الأسودِ المتصاعدِ

أنرتِ ذاك المكانَ في دقائقَ

لكن انطفأ من بعدِكِ ذاك القلمُ

شحَّ الحبرُ

فتساقطت الكلماتُ

الواحدةُ تلوَ الأخرى

في خريفٍ طويلِ الأمدِ

جفّت فيه أوراقٌ وورودٌ

واختفتْ فيه جميعُ الحروفِ

امتلأ فنجانُ قهوتي

بدموعِ أحزانِكِ

كنتِ في السابقِ نورَ كلماتي

واليومَ أنتظرُ تفتحًا

وبريقَ ورودِ الأملِ

في بُستانِ الصفحاتِ

لكي أنقشَ في كتابي

خاطرةً أو شعرًا

يُحكى أو يُروى

في قصصِ الخيالِ عنكِ

أنتِ ضوءُ البؤساءِ

ونورُ العلماءِ

لولاكِ لما سَهِرَ فيكِ قلمٌ

وما ازدهرتْ فيها تلك الحياةُ

لولا دموعُكِ

لما كتبتُ عنكِ الآن

أنتِ تبقينَ دائمًا

نورًا يُضيءُ

في ذاكَ الظلامِ...


بقلم الشاعر رضا بوقفة  شاعر الظل

وادي الكبريت

سوق أهراس

الجزائر

الشعر اللغز الفلسفي والقصة اللغزية الفلسفية



وضوح بقلم الكاتبة سعيدة شباح

 وضوح

و لو خيروني لقلت الأبيض لوني 


نقاء و طهر


 و فل تفتح وقت الأصيل 


و أزهو بلون السحاب يغطي السماء 


كثيفا يعلن بدء الهطول 


و لا أبتغي البين بين 


 لأني للون الرماد أنا لا أميل 


فإما وضوح و إن كان مرا 


و إلا فبعد و هجر جميل 


أنا لا أحب الضباب يسلسل روحي 


و أكره كرها شديدا 


من يتبنى نصف الحلول 


جسارتي هي بعض خصالي 


و إن كانت خصالي شيئا قليل 


و لا شيء عندي يساوي الوضوح 


و إن شئت قولا فإني طبعا أقول 


تخاف النعاج عواء ذئب فتأبى الثغاء


 و يسمع للخيل صوت الصهيل 


و ما قيمة المرء دون وضوح 


و ما قيمة السيف دون صليل ؟


سعيدة شباح



أرى عَالَمًا ... بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف... تونس.

 أرى عَالَمًا ...

 (من غَزَلِ الشَّبَابِ زَمَنَ الدّرَاسَةِ، قَبْلَ أَكْثَر من نِصْفِ قَرْنٍ ) 

أَرَى عَــالَـمًـا في نـَاظِـرَيْكِ ومَعْـلَمَا 

وسِـحْـرًا يُـنَاجِي بِاللِّـحَاظِ تَبَـسُّمَا 

أَرَى الجَنَّةَ الفَيْحَاءَ مَاسَتْ وأَيْنَعَتْ 

بِــوَرْدٍ بِــهِ غَـيْـمُ الـمَـحَـبَّـةِ خَـيَّـمَـا

وسَالَـتْ بِـهَـا الأَمْوَاهُ عَـلَّ خَرِيرُهَا 

سُكُونَ الوَرَى لَحْنًا، فَسَالَ مُنَغَّمَا

كَـأَنَّ عَـقِـيقَ الـبُـؤْبُـؤَيْنِ جَـزِيــرَتَا

 نَـبَــاتٍ بِـهِ طَيْفُ الـظَّلَامِ تَبَسَّمَا

بِبَحْـرٍ لَهُ قَـلْبُ السَّبِـيكَةِ صَفْـحَةٌ 

 وعَـالَــمُـهُ حَـلَّ الـدِّمَـاغَ تَكَرُّمَا.

كَذَا شَاءَ مَلَّاءُ النُّعُوتِ لِوَصْفِكُمْ 

بَدِيعًا... وقَلَّدْتُ الصِّيَاغَةَ أَنْجُمَا.

حمدان حمّودة الوصيّف... تونس.

خواطر : ديوان الجدّ والهزل



... حنين... بقلم الكاتبة 🇹🇳هالة بن عامر تونس

 ... حنين...

لقد  ترك في البيت خياله يتجوّل في أنحاءه، كأن نفسه تُقيم في الأشياء وتمنحها سرّ حضورٍ لا يغادر. 

سفرُه ليس غيابًا… بل مساحة يتوسّع فيها الشوق، لأدرك كم يتكئ قلبي عليه كي يستقيم نبضه.

أنتظره كما تنتظر النوافذ أول خيط فجر، حضورًا يعيد للصمت معانيه، وللأماكن لونها الذي شحب. 

يمضي بجسده، ويظلّ عطره مقيمًا في كل زاوية، يوقظ الحنين، ويُذكّرني أن بعض الغياب ليس سوى طريقٍ أطول نحو عودةٍ أثقل بالمحبة… وأقرب ممّا كان.


🇹🇳هالة بن عامر تونس



الاثنين، 8 ديسمبر 2025

( الإنسان في وجهه ) بقلم الكاتب عمر أحمد العلوش

 ( الإنسان في وجهه )

الوجه مرآة الإنسان ومفتاح الأسرار ، الوجه هو مفتاح الشخصية وبوابة الأسرار ، ومجتمع القوى المختلفة التي تتصارع أو تتآلف لتصوغ هوية الإنسان . فيه يتجلى الحب والبغض ، الصداقة والعداوة ،  الرحمة والقسوة ، الذكاء والغباء ، القوة والضعف ، السرور والحزن ، الصحة والمرض ، الأمر والنهي ، الهدوء والقلق .


كل تعبير على ملامح الوجه هو انعكاس لمعنى أعمق يتجاوز الحدود الظاهرة. فهو ليس مجرد لوحة من تفاصيل عضوية بل هو مرآة تعكس أعماق النفس البشرية حيث تختبئ المشاعر والقرارات وتتجسد التناقضات التي تجعل من الإنسان كائناً فريداً ومبهماً في آنٍ واحد.


لكن، هل نحن نتحدث عن الوجه فقط؟ أم أن هذه المعاني هي الإنسان ذاته؟

الوجه لا ينفصل عن الروح بل هو انعكاس مباشر لما تحمله من أفراح وآلام من صراعات وآمال . إنه الصفحة الأولى من كتاب الإنسان الذي تقرؤه العيون قبل الكلمات. وفي كل تجعيدة أو ابتسامة قصة تُروى بصمت وحكاية تُحفر في الذاكرة.


الإنسان هو الوجه، والوجه هو الإنسان، كلاهما لغة بصرية وصوت داخلي يروي أسرار الحياة في كل نظرة وملمح .

قال تعالى:

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ﴿٣٨﴾ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴿٣٩﴾ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴿٤٠﴾ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴿٤١﴾} سورة عبس .


✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش



مِكْثَارُ قَــوْمِـهِ بقلم الشاعر مشهود رائد الشوق

 مِكْثَارُ قَــوْمِـهِ:

إِذَا الْأَمْـرُ لَا يَعْنِيكَ دَعْـهُ لِأَهْلِهِ

                فَلَا لَـوْمَ يَأْتِي ثَـمَّ لَا مَـدْحَ يَقْرُبُ

وَيُهْلِكُ مَنْ لَا يَطْلُبُ الْحَقَّ بَاطِلٌ

               إِذَا جَابَ فِي أَمْـرٍ كَمَـنْ يَتَذَبْذَبُ

وَأَكْـبَـرُ ذِلِّ النُّـطْـقِ قِيلٌ وَقَالَـةٌ

                  وَأَيُّ أَدِيـبٍ فِـيهِـمَا يَتَقَلَّبُ

وَإِيَّـاكَ وَالْإِفْرَاطَ فِي الْمَدْحِ وَالْهِجَا

            إِذَا جَاوَزَا الْمِـقْدَارَ فَالْـكِذْبُ يُجْلَبُ

سُـكُوتُكَ تَكْرِيمٌ لِـنَـفْسِكَ، يَا فَتَى

           وَإِنْ كُنْتَ مِكْثَارًا فَـمِـثْلُكَ يُحْرَبُ


مشهود رائد الشوق 

ديوان العجائب



مقدمة فلسفية بقلم الكاتب أيمن أصلتُرك

 بقلم Ayman Asıltürk 

مقدمة فلسفية

في زوايا الحياة المظلمة، حيث تتكاثر الوجوه وتتناقص القلوب، يبقى سؤال الأخ أكثر الأسئلة إيلامًا. فالأخ ليس مَن يجمعك به الدم، بل من يساندك حين يتخلى عنك الجميع. ومع كثرة الأقنعة وتبدّل الوجوه، بات العثور على الأخ الحقيقي معجزة، كأن الزمن يعيد تعريف الأخوّة على مقاس الغدر لا الوفاء.

.مفارقات فلسفية 

.. الأخ الحقيقي

أبحثُ منذ الولادة

عن الأخ…

عن الألم…

عن قلبي

وعن نفسي

وعن الطريق

في زمنٍ امتلأ بالغدر،

فلم أجده.

وإن بانَ لي ظلُّه

اختفى،

وكأنّه شيطانٌ يمشي

بين البشر.

وإن حاولتُ أن أمسكه،

كان الغدرُ طبعه،

والجرحُ إن شُفي

ترك أثرهُ في الروح.

وحين مزّقتُ الماضي

وأحرقتهُ كي لا يعود،

عاد مولودًا

في كل حالٍ…

وفي كل حالة.

أينَ الأخُ الحقيقي؟

أفي قبرِ الأحلام؟

أم بين لعنات النساء؟

أم في أصوات القيلِ والقال؟

لستُ أدري…

من يكون؟

وكيف يكون؟

أهو من الوالدين؟

أم نتاجُ خلوة؟

أم من رحمِ أمّ؟

أم من صرخةِ ألم؟

أم من غدرِ الزمن

وغدرِ الإنسان

ومعرفة القلم؟

أينَ الأخ؟

فما عدتُ أجد

غير البكاء…

والألم…

والألم.

مات القلب،

وكنتُ وحيدًا…

وما زلت،

وكنتُ وحيدًا

حتى وأنا في الرحم،

وسأبقى وحيدًا؛

فلم تلد لي الحياة

ولا الأمُّ… أخًا.

أخ… أخ…

كلمةٌ تُكتب بلا معنى،

لم يعد لها نقشٌ جميل،

ولا ظلُّ وفاء.

صارت دواةً بلا حبر،

وعينًا جفّ فيها الدمع،

ولسانًا لا يعرف

سوى اللدغ،

وقلبًا أسودَ

كسوادِ ظُلمة القلب.

سأبقى أبحث… وأبحث،

لعلّ الله يمنحني أخًا

من وجع الحياة،

ومن صرخة القلب،

ومن حلمٍ

بلا أمل.

فما عاد الأخ…

ولا عاد زمنه،

ولا وُلد من جديد؛

فبعد الموت

لا حياة.

خاتمة فلسفية

في عالمٍ تتغير فيه المعاني، صار الأخ الحقيقي فكرة أكثر منه إنسانًا، وذكرى أكثر منه حضورًا. وقد يهب الله للإنسان أخًا من غير دم، أو صدفةً تشبه الرحمة. لكن يبقى اليقين واحدًا:

أن الأخوّة ليست نسبًا… بل فطرة صدقٍ يضعها الله في قلب من يشاء..


بقلم الأديب والشاعر Ayman Asıltürk 

06/12/2025...أيمن أصلتُرك



دراسةٌ لِبَعضِ القصصِ من المجموعةِ القِصَصِيَّةِ الجَدِيدَةِ "سرير يوسف هيكل" للشَّاعرةِ والأديبةِ "شوقيّه عروق -منصور " - - بقلم : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل - فلسطين -

 دراسةٌ لِبَعضِ القصصِ من المجموعةِ القِصَصِيَّةِ الجَدِيدَةِ "سرير يوسف هيكل" للشَّاعرةِ والأديبةِ "شوقيّه عروق -منصور "  -   


    - بقلم : الدكتور حاتم  جوعيه  - المغار - الجليل  - فلسطين -


مُقدِّمَة ٌ: الشَّاعرةُ  والأديبةُ  والصَّحفيَّةُ  القديرةُ  والمُخضرمة   " شوقيّه عروق -  منصور" أصلها من مدينةِ الناصرة ، متزوِّجة ٌ من الكاتبِ والأديبِ والمؤَرِّخ المعروف الدكتور " تميم  منصور" وتسكنُ في  مدينة "الطيره "- المثلث .  أنهت دراستهَا الثانويَّة  ودرَست بعدَ  ذلك عدَّة َ دورات - طباعة  وغيرها ،  ودرست أيضًا موضوعَ اللاهوت والفلسفة وحاصلةٌ على شهادةِ البكالوريوس ( b.a) في الفلسفةِ واللاهوتِ وعلم النفس- من الأكاديميةِ العالميةِ  للدراساتِ اللاهوتيَّة .  وهي من أوائِل ِالشعراءِ والأدباءِ المبدعين والصَّحفيِّين  المَحَلِّيِّين ،  وتُعتبرُ من رُوَّاد وَجهَابذةِ الصَّحَافةِ منذ ربع قرن تقريبًا ، ولها  الكثيرُ من التقارير والأعمال الصَّحفيَّة واللقاءاتِ المُمَيَّزة الحاصلة على السَّبَق الصَّحفي ( سكوب )  .     هي  تكتبُ الشِّعرَ  والخواطرَ والقصَّة َ القصيرة َ والرِّواية َ والدراسات النقديَّة  والمقالات على مختلفِ أنواعِها : السِّياسيَّة ، الإجتماعيَّة ، الثقافيَّة ، والفنيَّة ... وغيرها. وقد  أبدَعت وتميَّزَت في كلِّ الفنون والألوان والأنماطِ   الكتابيَّةِ    .    ومن  أهمِّ  ما   يُمَيِّزُهَا  عن  الكثيرين  غيرها  من  الكتابِ والشُّعراء المحلِّيِّين أنَّها  صادِقة ٌ وَمتمَكِّنة ٌ من أدَواتِهَا الكتابيَّة وتملكُ  ثقافة ً واسعة ً وآفاقَ  بعيدة َ المَدَى ، وهي  تكتبُ  بحِسٍّ  مُرهَفٍ   وبمشاعر جيَّاشَةٍ وبلغةٍ أدبيَّةٍ راقيةٍ عذبةٍ ساحرةٍ وَمُنمَّقةٍ.. والكتابة ُعندها رسالة ٌ مُقدَّسة ٌ وليست هدفا ً لأجل ِ الشُّهرةِ  والإنتشار الواسع  والمكسبِ المادِّي والمعنوي كالكثيرين  مِمَّنْ  يدخلون عالمَ  الكتابةِ ويُحاولونَ التَّسَلُّقَ على الدوحةِ  الادبيَّةِ المحلِّيَّةِ الباسقة َ بأيِّ شكلٍ ووَسِيلةٍ، حتى إذا هُم لم  يكونوا أهلاً وكفئًا لهذا الأمر.    


   لقد  حَقَّقتْ شوقيَّة عروق منصور شُهرَة ً واسعة ً  وانتشارًا مُنقطعَ النظير محليًّا  وعربيًّا  وحتى عالميًّا ، ووصلت  كتاباتُها  وإبداعاتُها  إلى كلِّ  مكان ...  وحظيت  كتاباتُها  بإعجاب  وتقدير واحترام  الشُّعراء  والأدباءِ  والنقاد  والباحثين  والمختصٍّين  بالأدبِ  والفكر والفنِّ  وجميع  القرَّاءِ على  مُختلفِ  شرائِحِهم  وأنواعِهِم ، وخاصَّة ً في لقاءَاتِها الصَّحفيَّةِ التي أجرتها مع  الكثيرين من  أربابِ  الفنِّ  والفكر ِ والإبداع ِ في  الدول ِ العربيَّةِ - في مصر وغيرها  والدول  والأجنبيَّة -  وَنُشِرَت في العديدِ  من وسائل  الإعلام ِ محليًّا وعربيًّا ...  وهي أوَّلُ صَحفيَّةٍ  محلِّيَّةٍ  تجري لقاءاتٍ مُطوَّلة وتقارير مع  فنانين من الدول  العربيَّة . ولقد أصدرت  شوقيَّة ُ العديدَ من  الكتبِ  الأدبيَّة والدَّواوين  الشِّعريَّة . وأمَّا  كتابُهَا هذا الذي بينَ أيدينا   فهو آخرُ إصدار ٍ لها ، بعنوان :   " سرير  يوسف  هيكل "  ويضُمُّ  مجموعة ً من  القصص ِ القصيرةِ ، ويقعُ  في  216   صفحة  من الحجم  المتوسِّط ،  طُبعَ  في  المؤَسَّسةِ   الفلسطينيَّةِ  للنشر والتوزيع - رام  الله – فلسطين  . وجاءَ  اسمُ  الكتاب ( سرير  يوسف هيكل ) على اسم ِ إحدى القصص  الموجودة  فيهِ   .  وتهدي  شوقيَّة  كتابَها  هذا إلى ابنتِها  " كيان "    .


مَدْخَلٌ  :  سأتناولُ  في هذهِ المقالةِ  بعضَ القصص ِ من  هذا الكتاب  مع الدراسة والتحليل ... وسأبدأ   بقصَّةِ  ( " البُن  والجُرح  العميق " – صفحة 30 - 36 ) والقصَّة ُ إنسانيَّة ٌ وسياسيَّة ٌ تتحدَّثُ عن الوضع ِالسِّياسي  والإجتماعي  ونوع  وطابع  المضاهراِت والمسيراتِ الشَّعبيَّةِ  التي  كانت  تجري في  مدينةِ  الناصرةِ -  في  سنواتِ  الخمسينيَّات والستينيَّات  من القرن الماضي ( زمن  الحكم العسكري)، وكانت الناصرة ُعاصمة َ الجليل بالفعل ِ والمركز الثقافي  والمعقل  السِّياسي والوطني والقومي الأوَّل  لفلسطينيِّي الداخل ، وفيها  كانَ ينبعُ وينبثقُ وينتشرُ  كلُّ  نشاطٍ  وكلُّ  تحرُّكٍ  سياسيٍّ فلسطيني في الداخل ، وكلُّ رفض ٍ واحتجاج ٍعلى سياسةِ السُّلطةِ الغاشمةِ والجائرة آنذاك ... عندما  كانت  الكلمة الصَّادقة  والإحتجاج الإنساني لأجل ِ نيل ِالحقوق  تُكلِّفُ  صاحبَهَا الكثيرَالكثير...كالفقر والجوع والضَّياع والسِّجن والتنكيل وحتى الموت الجسدي .


 وهذهِ القصيدة ُ تتحدَّثُ عن  شابٍّ  وطنيٍّ  مُتحَمِّس ٍ جدًّا يُحِبُّ  شعبَهُ وبلادَهُ اشتركَ في  إحدى المضاهرات في  مدينةِ  الناصرةِ ،  والمضاهرة ُ كانت -  كما  يعلمُ  الجميعُ -  مُرَخَّصة ً  وقانونيَّة ً ، ولكن  تفاجأ  جميعُ   المشتركينَ  فيها  باقتحام ِ رجال ِ الشُّرطة ِ والجنود بهراواتِهم  وعصيِّهم وأسلحتهم  الناريَّة لتفريق ِهذه المضاهرةِ وبالقوَّةِ . وهذا الشَّاب  تقبَّلَ  ضربة ً قويَّة من هراوة ِ  جنديٍّ وبشكل ٍ مفاجىءٍ  دونَ  أن ينتبهَ ويأخذ َ حذرَهُ  واحتياطهُ فشُجَّ  رأسُهُ وكانَ الجُرحُ عميقا وأليمًا جدًّا فهربَ  بينَ  الزقاقاِت والطرقاتِ الفرعيَّةِ  في  المدينةِ عن غير هُدى ووَعي، مثلهُ مثلَ الكثيرين الذين أشتركوا في المضاهرةِ ، تفاديًا من هراواتِ وأسلحةِ الجنودِ ورجال الشرطة... وكانت  في هذه  الساعةِ جميعُ الحاراتِ والشوارع  في المدينةِ خالية ً من السُّكان، ولمحَت هذا الشَّاب الهاربُ  إمرأة ٌ كبيرة  تقفُ على  إحدى  الشرفات  وقد عرفت  حقيقة َ أمرهِ  فدعتهُ للمساعدةِ  وللعلاج ِ وللحمايةِ فدخلَ  بيتهَا وَضمَّدَتْ  لهُ  جُرحَهُ  البليغ  وَسَدَّتهُ  بالبُنِّ ، وَرَوَت  لهُ   قصَّتهَا  الدراميَّة  بعدَ  ذلك  وكيفَ   أنَّها  كانت  مخطوبة ً لشابٍّ  بطل ٍ قُتِلَ  شهيدًا عندما  دخلَ الجنودُ اليهود عام ( 1948)  للناصرةِ ، وبقيت هي عزباء ولم تقبلْ  بالزَّواج من أحدٍ  غيره ، وانها  حتى الآن  جالسة  لوحدِها ، وتتساءَلُ : ( " شو  أخذتْ  أنا منَ  الناصرة -  حرام  على الشَّباب الِّي  بتروح ... نسيُوا الِّي دافع ، ونسيُوا إلِّي حَمى البلد ،  حتى ما في  حَدَا بقرا  الفاتحة  على  أرواح  الشُّهَدا ... " ) . 


    وبعدَ أنى  تعافى الشَّاب قليلاً  وَخَفَّ  ألمُ  جُرحِهِ   وأصبحَ الجَوُّ  آمناً في  الشَّوارع  والطرقات رجعَ إلى بيتِهِ من  خلال ِ زقاقاتٍ  وطرق ٍ مُلتويةٍ  كي  لا  يقبض عليه  رجال الشرطة الذين  يلاحقون  المشتركين في المضاهرةِ .  وبعدَ  أن  وصلَ  للبيت رَوَى لأمِّهِ ما جرى لهُ  مع هذهِ المرأةِ التي  عالجتهُ ،  فقالت لهُ  أمُّهُ : إنَّ هذهِ المراة َ التي عالجتكَ  خطيبها  لم  يكن  بطلاً  ولا  رجلاً طبيعيًّا، بل  كانَ مجنونا ً وعلى البَرَكةِ ، وكانَ دائِمًا يتحدَّثُ مع  نفسِهِ ، والناسُ تشفقُ عليهِ ... وعندما دخلَ  اليهودُ مدينة  الناصرة كانوا  يرتدونَ  لباسَ الجيش الأردني ، حَطَّات حُمر وَعُقل  وعليها شعار المملكة الأردنيَّة .    وخطيبها لهذهِ المرأة كان في تلكَ السَّاعات في حارةِ الخانوق ، ولم   يعرفْ أحدٌ ماذا كانَ يعملُ في هذهِ الحارةِ في الوقتِ الذي كانَ جميعُ الناس مُختبئينَ في  بيوتِهم   وهوَ  يتججوَّلُ  مثلَ  المجنون  ولمَّا  رأى  الدبَّابات  والحَطَّات  الحُمر صارَ يُغنِّي للجيش الأردني والملك عبد الله ، ويقولُ  إجو يخلِّصونا  من  اليهود ، والناس  التي كانت  تنظرُ   وتتطلَّع  من  الشبابيك  رأوأ  كيفَ  اطلقَ أحد ُالجنود  اليهود  النار عليهِ   والرَّصاصة  جاءتهُ  في نصفِ رأسهِ  وبقي  ملقى  في  الشَّارع  أكثر من  ساعتين ، وبعدها  أخذهُ  بعضُ  السُّكان  ودفنوهُ  بسرعةٍ " ) . ولكنَّ الشَّاب  الجريح   استفزَّهُ  كلامُ  أمِّهِ  وكيفَ  أنَّها نعتت ووصَفتْ بطلَ المرأة  وخطيبها الشَّهيد بالمجنون والأبله . ويسألُ  هذا  الشَّاب أمَّهُ  في نهايةِ القصَّةِ بحيرةٍ : ( هل منَ المعقول أنى تبقى هذهِ  المرأةُ كلَّ  هذهِ السِّنين بدون زواج وفيَّة ً لرجلٍ مجنون ٍ، فبالتأكيدِ  كانَ منَ الثوَّار ِ الأبطال ِ، ولكن أنتِ  لا تعرفينَ  التاريخَ ... فترُدُّ  عليه أمُّهُ  بحِدَّةٍ وغضبٍ : ( أنتَ المجنونُ  والأهبل .. لو لاقت غيرَهُ  كانت  تزوَّجت ، ولكنّهَا  اختلقتْ هذهِ  القصَّة َ وحملتها  حتى  تحمي أنوثتهَا  من  الفشل ِ .   وتقول لإبنِها  في نهايةِ القصَّة، خلّيِك  أنتَ  برأسِك  الممفتوح  وما  تسمع  كلام  النسوان  .  


تحليلُ  القِصَّةِ :   هذهِ القصَّة ُ  وطنيَّة ٌ  وإنسانيَّة ٌ ووَاقعيَّة ٌ من الدَّرجةِ الأولى ، تتحدَّثُ بشكل غير مُباشر وبعفويَّةٍ  عن  فترتين زمنيَّتين متداخلتين -  فترة  حرب ال 48  والنكبة  الفلسطينَّة  وعندما  دخلَ  اليهود إلى البلاد ( فلسطين ) واحتلُّوها  وهَجَّرُوا وَشَرَّدُوا  الكثيرينَ من سكَّانِها ، وتتحدَّثُ  عن فترة  ما بعد  قيام  دولة إسرائيل ُ في العقدين ألأوّلين ( سنوات الخمسينيّات والسِّتينيات من القرن الماضي) ، زمن الحكم العسكري -  كما   ُذكرَ  أعلاه -   فالكثيرونَ  من  الشَّبابِ  المُتحمِّسين والرجال  الوطنيِّين  البواسل  كانوا  يخرجونَ في مُضاهراتٍ كبيرة  وصاخبةٍ  للمطالبةِ  بحقوق  ِالأقليَّةِ  العربيَّةِ  إجتماعيًّا  وإنسانيًّا  وسياسيًّا ، ومعظم  المضاهراتِ كانت تجري  في مدينةِ الناصرةِ  ويشتركُ  فيها الكثيرونَ  من  سكان  القرى المجاورةِ ، معظم هذهِ المضاهرات كانت تتعرَّضُ لملاحقةِ السُّلطةِ واقتحام الجنود ورجال للشرطةِ  المُدَجَّجين  بالأسلحةِ  الفتاكةِ  لِتفريقِهَا  بالقوَّةِ   .     ويظهرُ  في هذهِ  القصَّةِ   الجانبُ الوطني والإنتماءُ القومي والتضحية ُلأجل ِالأهل والشَّعبِ المُضطهد .  وأمَّا المرأةُ  التي  دَاوَتْ  وعالجَتْ  ذلكَ الشَّاب الجريح  َفتُمَثِّلُ هُنا  النموذجَ الحيّ والمَثلَ الأعلى للأمِّ الفلسطينيَّةِ الشُّجاعةِ والوفيّةِ للحُبِّ والوطن(الإنتماء العاطفي الوطني ) ، وكيفَ  أنّها  وقفت  شبَابَهَا  وبقيَتْ طيلة َ حياتِهَا عزباء وفاءً  لخطيبها  الشُّجاع  والشَّهيد ، ومثلها  الكثيرات  مِمَّن ضَحَّيْنَ  بشبابهِنَّ  وبأنوثتهنَّ وحياتهنَّ  إخلاصًا  لحُبِّهِنَّ  .    وأمَّا  زوجُها  الذي  استشهدَ  عام 1948  فهو نموذجٌ  للكثيرين الذين لا  يحصون  مِمَّن استشهدوا  دفاعًا عن الكرامةِ والوطن، ولكنَّ التاريخَ  نسيهم ولم  يُخَلِّدْهُمْ  ولم  يذكرهم  أحدٌ ، بل البعض  منهم  نُعِتَ  ووُصِفَ  بالجنون  وخفَّة  العقل ،  فالذاكرة ُ الجماعيَّة ُ والآباءُ والاجدادُ  يَرْوُونَ الكثيرَ من قصص البطولةِ والفداء والتضحيةِ  لشبَّان ٍ ورجال ٍ ضَحَّوا لأجلِ وطنهم  فلسطين، ولكن لم يذكرهم أيُّ  مُؤرِّخ ٍ وكاتبٍ ، بالمقابل هنالك أشخاصٌ  تآمروا وخانوا بلادَهم  ووطنهم وأرضَهم  وَكُتبُ التاريخ  ذكرتهم على أنهم أبطال ووطنيُّون مُخلصون، بل وسُمِّيت  بأسمائِهم  شوارع  وغيرها تخليدا  لهم  . 


   وفي نهايةِ القصَّةِ   تعطي  الأمُّ  لإبنِها  تحليلا ً بما  تفكِّرُ  كلُّ  امرأةٍ  مثل هذه التي توفيَ  خطيبُها  ولم  تجدْ  من يتقدَّمُ  إليها طيلةَ َهذهِ  السِّنين ، ولهذا لم  تتزوَّجْ  حتى الآن، وقصتها  التي روتهَا  هي مختلقة  ومن  نسج ِ خيالِهَا لِتُحيي أنوثتهَا   .                                                                           من ناحيةٍ فنيَّةٍ هذهِ القصَّة على مستوى عال ٍ ونُسِجَتْ بشكل ٍ جميل ٍ وَمُتقن ٍ وَمُتناغم وَمُتناسق، ولغتها  منمَّقة ٌوعذبة ٌوفيها مزيجُ بين الأسلوبِ الصحفي  والسَّردِي والأسلوب الأدبي الرَّاقي .. والجانب السَّردي كله  في باللغةِ  الفصحى  ، وأمَّا الحوار الذي دارَ  بين الشَّاب  والمرأة التي  قتل زوجها وبين  الشَّاب وأمِّهِ  فالبعضُ منهُ  كانَ  باللهجةِ  العاميَّة .. أو بالأحرى بالهجةِ  النصراويَّة  القريبة جدًّا إلى الفصحَى .  وفي القصَّةِ  تظهرُ  نبرة ُ التهَكُّم ، وخاصَّة ً من  قبل المرأةِ التي  استشهدَ  زوجُها عام ( 1948 )  وكيفَ أنَّ  الذينَ  يُضَحُّونَ  لأجل ِأوطانِهم  ينساهُمُ الناسُ ولا أحد  يذكرُهُم  فيما بعد  ولا يأخذونَ  شيئا ً ولا  أحد  ينفعُهُم  . 


  وهذهِ  القصَّة ُ رغم  قصرها  فهي عريضة ٌ وواسعة ٌ في قيمتِها ومُستواها  وأبعادِها وفحواها، ويظهرُ  فيها الجانبُ الوطني والإنساني والعاطفي والمحبَّة ُ التي بلا حدود  وغير المشروطة  للآخرين  ... للوطن ِ والأرض  وللنصفِ الآخر . وهذهِ القصَّة ُ- مفادُها وفحواها - إظهار وتوضيح  ملامح  وتضاريس  القضيَّة الفلسطينيَّة وبكلِّ ما هو مخفي منها  قبل وبعد عام  1948 -  بجميع  عناصرها  وتمَوُّجَاتِهَا  ومُركَّباتِها  وَمُعَقَّداتِهَا ...  وأهمُّ   بندٍ  وجانبٍ  تُرَكِّزُ  عليهِ القصَّة ُ : إنَّ  الكثيرَ مِنَ الدِّماءِ الطاهرةِ والبريئةِ  أريقت  وذهَبَت  هباءً  ولم  يُحَرَّرْ الوطن، والذينَ  ضحَّوا لم  يجنوا شيئا ً أو  أيَّ  مكسب وتناسَاهُم  التاريخُ  والناسُ وَطواهُم  الضَّبابُ، والقضيَّة ُ ما زالت إلى الآن  مُعَلَّقة ً ولا  حلول  لها  حتى الآن  .   


  ولننتقل إلى  قصَّةٍ  أخرى  من  الكتاب ، بعنوان :  ( " ليل  بدون  نوافذ " - صفحة 72- 76 )  والقصَّة ُ تتحدَّثُ  باختصارٍعن طالبٍ  كسول ٍ ومهمل ٍ لدروسِهِ ، وهو مُدلَّلٌ من قبلِ والدتِهِ، ففي كلِّ نهايةِ  فصل وتوزيع  شهاداتِ  المدرسةِ على الطلاب  يأخذ ُ العلامات  الواطئة ( الرسوب )  فيُهدِّدُهُ  والدُهُ  بالعقابِ الجسدي والصَّلب على النافذةِ  لساعاتٍ  طويلةٍ ، ولكنَّ  أمَّه ُ تحميهِ ..وفي  نهايةِ الفصل ِ الثاني من المدرسة حدثَ  نفسُ الشيىء  فيحتمي  بأمِّهِ  وينجو منَ  عقاب  والدِهِ .  ولكن  في نهاية السنةِ ( الفصل  الأخير ) يرسبُ أيضًا ويغضبُ منهُ المديرُ ويُهدَّدُهُ  بأنَّهُ سيذهبُ بنفسِهِ  ويسلِّمُ الشَّهادة َ لوالدهِ  ، وبالطبع إدارة المدرسة  تبلغُ  الوالد بالنتيجةِ  قبل  أن  أن  يرى الشَّهادة .    وعندما يرجعُ الطالبُ للبيت ومعهُ الشهادة المخزية  ويظنُّ انهُ  سينجو  مثلَ  كلِّ مَرَّةٍ من العقابِ ، ولكنَّهُ  يتفاجأ أنَّ والدَهُ مع امرأةٍ غريبة  فيُوبِّخُهُ ويشدُّهُ بالحبلِ  ويربطهُ  ويُعلِّقهُ على الشُّبَّاك ويتضحُ  لهُ أنَّ هذه المرأة َ هي  زوجة أبيه  الجديدة حيث أبوه  طلَّق  أمَّهُ  لأجلِهِ  .      وهذهِ  القصَّة ُ واقعيَّة ، لأن  في مجتمعِنا  الكثير من الأمَّهات  بدلالِهنَّ  المُفرط  لأبنائِهِنَّ  والتغاضي عن  أخطائِهم المتفاقمةِ يقودونهم ويجرُّونهم  بشكل ٍ  لا  مباشر إلى  الفشل  الكلِّي  في الحياةِ وإلى الإنحدار والإنحراف إجتماعيًّا وأخلاقيًّا . فالأمُّ هي المدرسة ُ الأولى ( في البيت  قبل المُعلِّم في المدرسةِ وقبلَ الأب )، لأنَّ  الأبَ  يقضي  طيلة َ يومِهِ  في  العمل  خارجَ   البيت  ولا  يعرفُ  كلَّ  ما  يدورُ  بالضَّبط  في البيت  وماذا  يصنعُ  أولادُهُ  .   فهذهِ القصَّة ُ تحُثُّ  وتعلمُ  وترشِدُ : ماذا  سيكونُ  الدَّورَ الحقيقي  للأمِّ ، وماذا عليها أن تعملهُ  وتنتهجَهُ  تجاهَ  أطفالِها ...  أي  يجبُ  عليها   إرشادهم  وتعليمهم وتصحيحهم  وتعريفهم  الصَّحيحَ من الخطأ وعدم التغاضي عن  سلبيَّاتِهم ، ولكي  يسلكوا في طريقٍ صحيح ٍ  ومستقيم ٍ وينجحُوا علميًّا واجتماعيًّا  في حياتهم  العمليَّة والمهنيَّة  والإجتماعيَّة  مستقبلاً  .  وأنَّ  الأبَ  ليسَ  دائِمًا على خطأ  في قسوتِهِ وشِدَّتِهِ ، بل أحيانا ً  يضطرُّ  أن  يَتَّخِذ َ  قرارًا  صعبًا   وقاسيًا  ومصيريًّا  تجاهَ  زوجتِهِ   ويكونُ مضطرًّا ، وذلك  عندما الزَّوجة ُ تُهْمِلُ أسرَتهَا وأطفالها  وبيتهَا  ولا  تعرفُ   كيفَ  تربِّي  أطفالهَا  وتكونُ السَّببَ الرَّئيسي  في  فشلِهم  الذريع  وَجُنوحِهم  وانحدارهِم  وشذوذِهِم  والقضاء على مستقبلهم ،  فيضطرُّ الزَّوج  ( الأب )  إلى طلاق الأمِّ ويبحثُ ، بدورهِ،عن زوجةٍ أخرى شريكة فيها كلّ المقوِّمات  والمواصفات الإيجابيَّة  للأمِّ  المثاليةِ  والمرأةِ  الفاضلةِ  والطاهرةِ  لتشاركهُ مشوارَ الحياةِ  ولبناءِ أسرةٍ  سليمةٍ  ومُعافاة   .       إنَّ هذهِ القصَّة إجتماعيَّة من الطراز الأوَّل  وفيها  عنصر الحوار ( ديالوج ) ، وهو الجانبُ المُهَيمنُ  على  القصَّة .. وقليلٌ  جدًّا  من  السِّرد  .  


  وأمَّا قصَّةُ  ( " العشاء  قبل الأخير "  صفحة 54- 66 ) فهي أطولُ  قصَّةٍ في  الكتاب ، وهي عبارة عن  قصَّتين  مُتداخلتي   ومُرتبطتين  مع بعض .   وتبدأ الكاتبة ُ القصَّة َ بمقدِّمةٍ شاعريَّةٍ  مُنمَّقةٍ  تعيدُ إلى أذهانِنا  روائعَ جبران  خليل جبران  وشطحاتِهِ وتأمُّلاتهِ  في وصفِ الطبيعةِ السَّاحرةِ  والتعمُّق في  فلسفةِ الحياةِ  والوجود ، فتقول : ( " يمتدُّ البحرُ أمامَهُ ، زرقتهُ تعانقُ  حَافًّة َ  السَّماء ، تنشرُ نشوة َ الاعناق  ضبابًا  رماديًّا يمسكُ  الأطرافَ اللاهثة خلفَ الأمواج ،  ليصبحَ اللون الأزرق  المائل  إلى الون الرَّصاصي ، شاهدًا  في حضرة التاريخ ، الذي اقتلعَ  لحظات من  أغصان  شجرةِ  التأمُّل  ليزرعَهَا تفاحة حيرى  في  قلبِ  الغصَّة  ويقضمها الآن  بوجع ( إنَّهُ  لتعبيرٌ شاعريٌّ  جميلٌ ) .. وتتابعُ الكاتبة ُ : ( " تأمَّلَ صورة َ جدِّهِ  مُمتطيًا حصانهُ الأبيضَ ، وعباءتهُ السوداء الفضفاضة  تغطي صدرَهُ  وتنسدلُ  على القسم الحلفي من  الحصان لا أحد  يُشبهُ جدَّهُ ، هكذا لخَّصَ وَالدُهُ  َتناثُرَ ذريَّة الجد .. جدُّهُ  قويّ صاحب ملامح  جميلة  وعيونه  تتميز  ببريق  حازم  ورائحة  شباب  يعصرُ العشق  والفحولة، وعلى ذمَّةِ  والدِهِ  يقال  إنًّ  امرأة  من عائلة  " سرسق " اللبنانيَّة المعروفة  بثرائِها، وعرفت أيضًا أنَّها باعت أراض لها في مرج  بن  عامر  للحركةِ  الصُّهيونيَّةِ  ، هذهِ  المرأة  أحبَّتهُ  بجنون  وقرَّرت  أن  تهربَ  معهُ  ، لكن  معرفة  عائلتها  بهذا  الحبِّ  وخطَّة  الهروب  جعلتهم   يُحاصرونها  ويرجعونها  إلى  لبنان  بسرعة  البرق ، أما جدهُ  فكان  من  البداية  متردِّدًا  ف " الكف  لا  تلطم  المخرز " ،  لكن  بعد  ذلك  تركَ العمل في الأرض ، فقد كانَ  مُشرفا زراعيًّا على الأراضي التابعةِ  لهذهِ العائلةِ وتوَجَّهَ إلى لبنان مشيًا على الأقدام  ... " ) .. إلخ  . . 


 تبدأ القصَّة ُ بالتحَدُّثِ عن الجَدِّ الشُّجاع والمُغامر الذي أحبَّ  فتاة ً من عائلةِ  سرسق اللبنانيَّة ولكنَّ العائلة رفضت هذا الحبَّ وارتباط الفتاة  بهِ ، فاضطرَّ  أن  يتركَ عمَلهُ بعدَ  أن سَفَّروها ، وسافرَ إلى  لبنان  للبحثِ عنها ، وبعدَ أن أعْيَا  رجعَ  لبلادِهِ  وتزوَّجَ  وأنجَبَ  أولادًا  وماتوا جميعًا  سوى  ولدٍ  واحد أنجبَ العديدَ  مِنَ الاولاد  فيما  بعد وأحَدُهُم ( الحفيد) بطل هذه القصَّة  الذي يُحبُّ  المُغامراتَ والسَّفرَ ولم  يُعجبُهُ السَّكن في  مدينةِ حيفا ، فسافرَ لأمريكا  وعملَ  هناكَ  وتزوَّجَ  أكثرَ من  مرَّةٍ ، وكلَّ مرَّة  تخونهُ  زوجتهُ  فيضربُها ويُسجنُ  لذلك ، وبعدَها  يتمُّ الطلاقُ  ويضطرُّ  لِدفعِ  تكاليفِ النفقةِ ، وعاش  بعد هذه المشاكل ( الخلافات مع الزوجةِ والطلاق والخسائرالماديَّة الباهضة التي أجبرَعلى دفعِها وتسدِيدها) في ضياع وفقر ٍ مُدقع وعاشَ حياة َ التقشُّف ... وتوفيَ  أبوهُ  وامُّهُ  في  هذهِ  الفترةِ ، وبعدَ  سنواتٍ  طويلةٍ  ومريرةٍ  في الغربةِ  قرَّرَ  أن يرجعَ إلى بلادِهِ .   وفي  بلدِهِ (  بعد  الرُّجوع ) كانَ  قرارُ  الأخوةِ أن  يبيعوا البيتَ القديمَ ( بيت والدهم ) ولأجلِ هذ  حاولوا أن يأخذوهُ  بالسِّياسةِ والدَّهاء ِلِيُوَقِّعَ لهم على بيع البيت ، فاحتفلوا بمجيئِهِ زيفا ً  وضيَّفوهُ  وعملوا  لهُ عشاءً  فاخرًا لكي  يُخَجِّلوهُ ويقنعوهُ ، ولكنَّهُ رفضَ وعرفَ نيَّتهم  المُبَطَّنة َ  تِجاهه  فغضبوا عليهِ  وصرخوا  في وجههِ ونعتوهُ  بأقبح ِ الشَّتائم  وهو ،  بدورهِ ، تمَسَّكَ  برأيِهِ  وموقفِهِ  ولم  يُوَقِّعْ  ،  وألغِيَ البَيْعُ  كليًّا .... وبقيَ  هوَ  في  بيتِ  والِدِهِ  وأمِّهِ  القديم وأحسَّ  بالسَّعادةِ  الكبيرةِ  وِشعَرَ أنَّ  الجدرانَ  كلَّها  تبتسمُ  لهُ  وتتذكَّرَهُ ، وكان  من المُخَطَّط ِ والمُقرَّر أن  يكونَ  في  الصَّباح الباكر  سَفرُهُ  إلى أمريكا  بعد  العشاءِ الأخير وإجراءِ  مراسيم  البيع  للبيت القديم  ،  ولكنهُ  ألغى هذا  السيناريو  كلِّيًّا ...  ودارَ حديثٌ  بينهُ وبينَ نفسِهِ : لماذا فعلَ  كلَّ هذا بشكل ٍ تلقائي ومن دون ِتخطيطٍ  وتفكير ٍ -  ألأنَّهُ  كرهَ الرَّجلَ السَّمين الذي  كانَ سيشتري  البيت ( بيت اهله ) .. وهل  سيبقى ويستقرُّ  ويجبرُ  زوجتهُ على المجيىءِ والسكن  في  حيفا  إلى ... لا  يعرفُ ..  الذي  يعرفهُ أنهُ كرِهَ الرَّجلَ السَّمينَ ولم يستطع التَّصَوُّرَ أنَّ  منَ  المُمكن أن يعيشَ في هذا البيت أو يهدِمَهُ ليخفي آثارَهُ ويمحو رائحة َ ساكنيهِ . إنَّ القصّة َ بشكل ٍ  مُختصر ٍ تتحدَّثُ عن  أهميَّةِ  الوطن ِ  والأرض  والإنتماء  والهويَّة ،  وانَّ الغربة  هي  ضياعٌ  وموتٌ  وفقدان  للجذور وللكيان ِ وفقدان  لهويَّةِ  الإنسان  ، فعلى الشَّخص الواعي والمُدرك والبصير مهما عرضُوا عليهِ من مغرياتٍ وأموال ألاَّ  يتركَ وطنهُ  ويُهاجر حتى  لو كانتِ الحياةُ مريحة ًهناك   فأرضُ الوطن وهواءُ الوطن أفضلُ مليون مرَّةٍ  من بلادِ الغربة .  وأنَّهُ  منَ المُفضَّل والأحسن لكلِّ شابٍّ أن يتزَوَّجَ من فتيات بلادِهِ  وليسَ مِنَ الأجنبيَّات ، فالكثيرُ من حوادث الزّواج من الأجنبيَّاتِ لم تكن  ناجحة ، بل كانَ مصيرُهَا الفشلَ ، وهنا تُظهر وتبرزُ الكاتبة ُ صورة ًحقيقيَّة ًومقارنة ً بين الفتاةِ الشِّرقيَّةِ والأجنبيَّةِ، فالفتاة ُ الشِّرقيَّة ُ مهما كانت وكان نوعُ  ثقافتها ومستواها العلمي والفكري  تظلُّ  مُحَافظة ًعلى نفسِها وشرفِها  وطهارتِها ، وأمَّا البنت الأجنبيَّة  فالعلاقاتُ المشبوهة ُ والعشوائيَّة مع رجال آخرين ومع من هبَّ  ودبّ ( ما نُسَمِّها  عندنا  بالخيانةِ وبالزِّنا ) هي في مفاهيمها  شيىءٌ طبيعيٌّ  وعند  كلِّ الأجانب أيضًا  .. هذا هو مُنطلقُهُم ونهجُهُم في الحياةِ ، فالفوضَى الجنسيَّة مثل البهائم  والحشراتِ لدَى الغرب المادِّي هو التقدُّم والرّقيّ والحضارة ... وحتَّى الفتيات العربيَّات اللَّواتي وُلِدنَ  في بلادِ الغربةِ  ويسكنَّ هناكَ منذ  سنينَ طويلة فالبعضُ منهنَّ يتصرَّفُ ويسلكُ مثلَ الأجانب من ناحيةٍ  إجتماعيَّةٍ  وأخلاقيَّةٍ ( وهنا  يظهرُ  في القصَّةِ جانبُ الفضيلةِ  والأخلاق - أحد الأمور المُهِمَّة التي  تركِّزُ عليها الكاتبة ُ)، وأنَّ العلمَ  والثقافة َ والتطوُّر والرُّقيّ  ليسَ  في الإنحلال والتسيُّب  الأخلاقي  كما هو موجودٌ  عندَ الأجانب . وهذِهِ القصَّة ُ تنصَحُ وبشكل ٍ غير مباشر كلَّ  شابِّ شرقيٍّ  مُتغرِّبٍ  سواءً لأجلِ  العلم  أو العمل  وكسبِ  لقمةِ العيش أن يرجعَ إلى وطنِهِ بعدَ إنهاءِ علمِهِ أو تحقيق ِ هدفهِ  في جمع ِ بعض ِ المال لتأسيس وتكوين مستقبلهِ من خلال ِ العمل  وليتزَوَّج  من  بلدِهِ  فقط  .


  وتتحَدَّثُ القصَّة ُ( في بدايتها ) عن قضيَّةٍ وحكايةٍ أصبَحت  تاريخيَّة، وهي عائلةِ " سرسق " البنانيَّة التي كانت  تملكُ أراضي مرج  بن عامر وغيرها في الجليل، والآلافُ من الفلاحين الفلسطينيِّين  من عدَّةِ  قرى كانوا  يعملونَ  بالأجرةِ لديها، وكيفَ هذهِ العائلة ُ البرجوازيَّة  الإقطاعيَّة  باعت  جميعَ هذهِ الأراضي  وبشكل ٍ مُفاجىءٍ لليهود .. وأصبحَ  سكَّانُ هذهِ  القرى الفلسطينيَّة  دونَ عمل ٍ ودونَ مأوى ودونَ قوت... وهذه  كانت مأساة ً وكارثة ً لا  توصف.  وكيفَ الجدُّ عندما  كان شابًّا  عشقَ  فتاة ً من هذهِ العائلة  وحاولَ  المستحيلَ  أن  يحضَى  بها  وتكونَ من  قسمتِهِ  ونصيبِهِ ، ولكن  لم  يُحالفهُ  الحظ  ولم  يبتسمْ  لهُ  القدر .  وبعدَ  أن عجزَ  ويأسَ  منَ الوصول ِ إليها وحتى  العثور عليها  ورؤيتها  تزوَّجَ  بفتاةٍ  فلاحةٍ  من قريتِهِ  وأنجبَ  منها عدَّة  أولاد ... فقصَّة ُ هذا الجدّ هي دراميَّة  تراجيديَّة، وكانَ بإمكان ِ الكاتبةِ  شوقيَّه عروق منصور أن تتوسَّعَ  فيها أكثر وأكثر لتجعلَ منها عملاً  دراميًّا طويلاً  وليسَ على مستوَى محلِّي وعربي، بل  وعالمي ،لأنَّ هذا الموضوع  وقصَّة الحبِّ هذه المُركبَّة والمعقَّدة والغريبة تحملُ  في طيَّاتِها عِدَّة َ أبعادٍ في داخلِها ، ويظهرُ فيها  الفارقُ  الطبقي  بين  الجدِّ  الشَّاب الشُّجاع  العاشق  آنذاك  وبين  الفتاة الأرسطقراطيَّة  من عائلةِ  سرسق .  وأنَّ  الحُبُّ  الحقيقي الطاهر والنظيف   لأجل ِ هدفٍ  مُقدَّس لا يعرفُ الفوارقَ الطبقيَّة والإجتماعية والأبعادَ  الجغرافيَّة  والإقليميَّة  فالحبُّ يتحدَّى جميعَ الأهوال والصِّعاب، ولكن الظروف والأقدار هي التي تقرِّرُ  في نهايةِ  الأمر وترسمُ  لنا ( لجميع البشر) حياتنا ومصيرنا ومستقبلنا ، وأمر الزَّواج  والإرتباط  هو  كأمر الموت  ولا أحدٌ  منَ  البشر  يستطيعُ أن يضمنَ نفسَهُ  مِمَّنْ سيتجوَّز  ويربط ُ  مصيرَهُ  بهِ ، وهنالك الكثير  من  قصص الحبِّ - مثل هذا  الجد  التي لم تتكلل  بالزواج  والإرتباطِ ، بل هنالك  قصص  حُبِّ  طاهرة وعفيفة  إنتهت  بمأساةٍ  وفجيعة ٍ.. حيث يموتُ أحدُ أبطالِها أو الإثنان معًا .  وأمَّا قصَّة ُ ذلك الحفيد  المغامر فيما  بعد  فهي  امتداد واستمرار للجدِّ  حيثُ  عشقَ السَّفرَ والمغامرات غير المضمونةِ  أيضًا   ( ولقد  تأثَّرَ  من شخصيَّةِ جدِّهِ حسبما  كانوا يرونَ قِصَصَهُ  في صددِ الحبِّ والمغامرات  وغيرها  )  فيتركُ  البلادَ  أيضًا  ويسافرُ إلى أمريكا ،  وحياتهُ تكونُ  هناكَ في  صُعودٍ وَهُبوطٍ ، وفي النهايةِ  يُواجهُههُ الكثيرُ من المشاكل والأزمات  الشَّخصيَّة  والأسريّة  ( الزوجة  والأولاد ) والماديّة  والقضائيَّة وسجنه وطلاق زوجتهِ وموت والديهِ  وهو في  بلاد غربةِ  ومعاناته النفسيَّة والصحيَّة والماديَّة والأسريَّة .. يقرِّرُ أخيرًا العودة َ إلى بلادِهِ ومسقط رأسِهِ .       وهنا  تُعطينا  الكاتبة ُ  وصفا  رائعًا  للإنتماءِ  الوطني  والتشبُّثِ   بالأرض ِ والوطن وعدم التفريط  بالأرض والعقارات والأملاك  الموروثة  من الأهل والأجداد ، ولأنَّ  الأرضَ والعرضَ صنوان وأقنومان مقدَّسان  ويجبُ على الإنسان ِ أن يتمسَّك  بجذورهِ  وبيتِهِ  وأرضِه .                                  ولننتقَل  إلى  قصَّةٍ أخرى  بعنوان : (" قفَّازات أم حسين " - صفحة191 – 203 )  وهذه القصَّة ُ يغلبُ عليها  الطابعُ التراجيدي واللوعة والألم  .  تتحدَّثُ القصَّة ُ عن إمرأةٍ اسمها ( أم حسين ) تبيعُ اللبن ، وأصلها من  قرية  المجيدل التي دُمِّرَت وَهُجِّرَ  ُسكَّانها عام 1984 . وكانت  تلبسُ  قفازاتٍ في كفيها ، والكثيرون لا  يعرفون ما هو سرّ وضعها للقفازاتِ في كفيها دائما .        وهذه المرأة ُ التي أصلها من المجيدل طردَتْ وهُجِّرت  مع الناس من  قريتها إلى الناصرةِ  وسكنت  في برَّاكيَّةٍ في الحارة الشِّرقيَّة ، وكانت في تلك السَّنةِ ( عام النكبة) زارعة  حاكورتها التي بجوار البيت  بالبندورة ، وطلبت  بعد هجيجها إلى الناصرة بأيَّام من ابنها ( 15 سنة  أن  يذهبَ  إلى المجيدل  مع أخيهِ الأصغر  وَيُحَوِّشَ ويقطفَ  بعضَ  ثمار  البندورة  فركبَ حسين  على حمارةٍ استعاروها من  الجيران  وأخذ َ معهُ  أخاهُ حسن  وذهبا لقريتهم التي هُجِّروا منها ( المجيدل )  وبعد  أن  وصلا  وقطفا  ثمار البندورة  الناضجة  فاجَأهم اليهودُ الذين  كانوا  محتلِّين  القرية  وأطلقوا الرَّصاصَ على  حسين فأردوهُ قتيلاً ، وذلك  بعد  أن  ضربوهُ ضربًا  مبرحًا وصلبُوهُ على الحائطِ ، وأمَّا  أخوهُ  حسن   فقد  كانَ  يصرخ  مثلَ  المجنون ، ووضعوا  جثَّة َ الأخ  القتيل على ظهر الحمارة  من  فوق الخرج وأمسكوا حسن من  قبَّةِ  قميصِهِ  وقالوا لهُ بالعريبَّةِ  المُطبَّشَةِ والمُكسَّرة : " إلِّي بَدُّو  يرجع عالبلد راح  ينطخ زيّ  هذا ")) ورَكَّبوُا أخاهُ حسن وراءَهُ   فانطلقت  الحمارة في سيرها  حتى وصلت الناصرة  وعلى  ظهرها  جثة  حسين القتيل  ووراءه أخوه الصغير حسن .. وأمَّا أمُّهما فكانت  تخبزُ على الطابون فعندما علمت بالخبر خرجت عن طورها وفقدت صوابَها وصارت تمسك بالجمر ِ والسكن السّخن  وتهيل فوق  رأسِها   الجمر الذي  حرق  وجههَا   ورقبتها  وصدرَها  وما  شعرَت  بالحروق ِ ، النار في  قلبِها  أقوى من الجمر ، والحروقُ التي في وجهها مع  الزَّمن  خفَّت ، ولكن في أصابعها وأيديها  كانت صعبة ً  وخنصرها مشوَّها  فاضطرَّت فيما  بعد إلى  لبس الكفوف .  وكانت  هذهِ المرأةُ مثالاً ونموذجًا للمراةِ  الفلسطينيَّة الطاهرة والصَّابرة والملوَّعة والمنكوبة والمُكافخة لأجل ِ لقمةِ  العش ِ الشَّريف  والنظيف .  


  ولننتقلَ  إلى قصَّةِ  (" سرير يوسف هيكل " صفحة 248 – 156 )  وهي من أجمل ِ القصِص ِ في هذا الكتاب ، وقد  سمِّيت هذه المجموعة القصصيَّة الكاملة  باسمِها . ويوسف هيكل كانَ  آخرَ رئيس لبلديةِ  يافا واستلمَ  رئاسة َ البلديَّة َ من سنة ( 1945 - 1948) . ولقد كُتِبت هذهِ القصَّة بأسلوبٍ  مُحكم ٍ وجميل ٍ  وشائِق ٍ وجذاب ، ومفادُ  القصَّةِ  وفحواها هو المأساة  الفلسطينيَّة  والتشرُّد  والإقتلاع من الجذور من  قبل الغازي المُحتل، والنضال من أجل ِ الحياةِ والبقاءِ رغم الظروف القاهرة والأليمة .  تتحدَّثُ القصَّة ُعن صديقين  يذهبان إلى مدينة  يافا  بعد عام 1948 لشراءِ  سرير ... ويدخلان إلى سوق  يافا (  وكان  يُسّمَّى سوق الرَّابش ) وفيه  يجمعون الأثاث المسروق وجميع الأدوات  المنزليه  والصحون  والأواني والخوابي  والملابس  وغيرها  من  بيوت اليافويَّة الذين هُجِّرُواعام 1948 ويبيعونها مرة ً أخرى للعرب أنفسهم . وكان هنالك سوق  في مدينةِ حيفا أيضًا  يحملُ نفسَ الإسم (سوق الرّابش) .   وهذان الصَّديقان  يدخلان على تاجر ٍ يهوديٍّ  ويشتري أحدهما وكان خاطبًا ومقبلا ًعلى الزَّواج  سريرًا لعشِّ الزَّوجيَّة  وكان هذا السِّرير ليوسف  هيكل - آخر رئيس لبلديَّة  يافا  قبل احتلال المدينة وتشرُّد ونزوح  أهلِها .. . وبعد  مُسَاومَةٍ  طويلة وَمُضنيةٍ مع  التاجر اليهودي الجشع  يوافقُ على بيعِهِ  بمئة  ليرة ..  وهذا  السَّرير كان منهوبًا  ومسروقا  من  ضمن  الكثير من  الأثاثِ والأمتعةِ  التي  نهبَهَا  وسرقهَا  هذا  التاجرُ الماكرُ من السكان ِ العربِ الذين هُجِّروا وتركوا البلاد ( كغيرهِ من التجار والسَّماسرة )  ويبيعها مرَّة ً أخرى للعرب ، فهو كالمنشار الذي في صعودِهِ  ونزولِه ينشر ويأكل .  وهنا نتذكَّرُ  بشكل ٍ تلقائي مسرحيَّة   تاجر البندقيَّة  لويليم  شكسبير والتاجر اليهود الذي لا يشبع  . وعندما رجعَ  الشَّاب الذي اشترى السَّرير إلى  قريتِهِ  وبيتهِ  فرحت أمُّهُ  كثيرًا بهذا السَّرير التاريخي والعريق، وصارَ هذا السَّريرُ حديثَ القرية جميعها .  والتاجرُ اليهودي  يرمزُ هنا  إلى  مَن  أسهَمَ   وَمَهَّدَ  وَسَهَّلَ  لنقل ِ شرعي ولإجازةِ  بيع السَّرير الأسطوري - أي الوطن المنهوب -  كما  جاء  في مقدِّمةِ الكتاب ، ويربحُ  ويكسبُ هذا  التاجر مرَّتين  حسب  ما  جاءَ  في  القصَّة .  وهنا  تربط ُ الكاتبة ُ  بين الجزءِ  والكُل بشكل ٍ ذكيٍّ ، فتتحدَّث عن المصيرالتراجيدي للسرير ثمَّ ترتقي بهِ ومن خلالِهِ  وبشكل ٍ تلقائيٍّ  فتتحدَّثُ عن  المصير الحقيقي المأساوي للقضيَّةِ الفلسطينيَّةِ ،ولكنَّ الكاتبة في النهايةِ  لا  تفقدُ  الأملَ من  غدٍ  جديد مشرق  تتغيَّرُ وتتبدَّلُ  فيهِ الأوضاعُ والأحوالُ ويأخذ الشَّعبُ  الفلسطيني المسلوبُ والمنهوبُ والمكلوم والمُشَرَّد حقَّهُ  وترجعُ  لهُ  آمالهُ  وأمجادُهُ  ويسطعُ  فجرُهُ المنشود  . 


خَاتِمَة ٌ :  إنَّ  جميعَ القصص ِ التي  في هذا الكتاب على مستوًى عال ٍ ، تتناولُ  شوقية ُ  فيها  المواضيعَ  والجوانبَ  الإنسانيَّة َ والسِّياسيَّة َ والوطنيَّة  والوجدانيَّة والتراثيَّة ، وبالذات القضيَّة الفلسطينيَّة ، وهذهِ القصص  صِيغت وَنُسِجَتْ بلغةٍ أدبيَّةٍ  شاعريَّةٍ  وسرديَّةٍ  مُنمَّقةٍ وعذبةٍ وشائقةٍ تجذبُ القارىءَ  وتأسرُ القلبَ والفكر وتُحرِّكَ لواعجَ الوجدان . فهذهِ القصص جميعها مسربلة ٌ ومُترعة  بعنصر ِ الإثارةِ  والتشويق، والبعضُ منها واقعيٌّ ويُجَسِّدُ  بالضَّبطِ الواقعَ العربي والفلسطيني من  كلِّ  الجوانب ، ولكن هنالك  بعض القصص  التي يُترعُهَا الخيال والفانتازيا  بشكل ٍ مُكثَّف  وواسع  وبعيدة  كليًّا عن عالم الواقع  والبشر  َفيَسْرَحُ  ويجنحُ  خيالُنا  معها  .   ويوجدُ  في هذهِ المجموعةِ  أيضًا  بعضُ  القصص  المفتوحة التي  لا  يوجد  لها   نهاية ٌ وخاتمة ، مثل الكثير منَ القصص الأجنبيّةِ  .  ولقد  حاولت  الكاتبة ُ شوقيَّه  عروق -  كما  هو  واضحٌ - أن  تُلوِّنَ  وتُنوِّعَ  من  هذهِ  القصص ِ المُدْرَجَةِ في هذا الكتاب كي  لا   تكون  كلَّها  على  نفس ِ الوتيرةِ ... لقد  نوَّعت  ولوَّنت  في  الشكلِ  والأسلوبِ  والنوعيَّةِ   والموضوعيَّةِ ،  فنجدُ  القصصَ  الأنسانيَّة والعاطفيَّة والوطنيَّة والسِّياسيَّة والإجتماعيَّة .. إلخ .  ولكن أغلبها تتحدَّثُ  عن الأرض والوطن  والقضيَّةِ الفلسطينيَّةِ التي هي  جوهر ومحور القضايا  جميعها  . 


وأخيرًا : نُهنِّىءُ  الكاتبة َ والأديبة َ والشَّاعرة َ والصحفيَّة َ الكبيرة َ والمُبدعة الزميلة  شوقيَّه عروق - منصور على هذا الإصدار الرَّائع  والنفيس ونتمنَّى لها  المزيدَ منَ الإنتاج الأدبي والفكري المتواصل والكثيرَ الكثيرَ منَ الإصداراتِ الأدبيَّة  والشِّعريَّة  المُكثَّفة  في الوقت  القريب  . 


            (  بقلم :   الدكتور حاتم جوعيه  - المغار - الجليل  -  )