الاثنين، 10 يونيو 2024

انطباعات نقدية عجولة..في رحاب بعض قصائد الشاعرة التونسية المتميزة سلوى السوسي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 انطباعات نقدية عجولة..في رحاب بعض قصائد الشاعرة التونسية المتميزة سلوى السوسي


                      ( جمالية المبنى..وانسيابية المعنى)


لابد للناقد الأدبي من منهج ينطلق منه،دون أن يكون مقيدًا به حتى لا يقع في خطأ قراءة منحازة ذاتية فيفقد مصداقيته.من هذا المنطلق،رأيت ألاّ أخوض في مغامرة نقدية شاملة لقصائد الشاعرة التونسية الفذة سلوى السوسي قد لا تعطي لمنجزها الإبداعي قيمته الأدبية واكتفيت بالتعليق عليها (بعض القصائد) بصورة بانورامية شاملة.

وهنا أقول : ليس الشعر إلا صياغة ساحرة وعذبة لما يختمر في داخلنا،ويعبر عن تجربة إنسانية ذاتية وشاملة.هو رؤية عميقة أداتها اللغة،وعنوانها الخيال،تسافر وتجنح بدلالة اللغة الحقيقية إلى دلالات مبتكرة غير التي وضعت لها بالأصل،وتكون مليئة بالمعاني الجديدة والإشارات والإيحاءات المدهشة.والشاعر لا يقدر على فهم تجربة الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية الكبرى، يتأمل ويتنقل في عالم الإنسان والكون الذي يعيش فيه..٠

تؤرق الكتابة الشاعرة القديرة سلوى السوسي والشعر بالنسبة لها فعل حياة،وإبداعها الشعري يلتقط نبض الحياة،ويحاول الإمساك بلحظات فرح غير آبه بالوجع،وبجرأة مندفعة تغوص في الحياة الصاخبة التي لا تهدأ لإعادة اكتشافها من جديد.

هذه الشاعرة المبدعة التي اطلعت على بعض نصوصها الشعرية،تسعى للعيش بروح الشعر جامحة وحرة،تريد أن تكون حيّة ولها انعتاقها الذاتي الذي يشق لها الطريق لتصنع عظمة الحياة.حياة بحرية بلا سقوف،ولا ترضى لنفسها الذوبان بالآخرين، سواء كذات خلاقة أو كشاعرة ترسم لنفسها سبيلا يختلف عن الآخرين.لذا أرادت لشعرها أن يكون قنديلا لا ينطفئ ينير قلب الحياة،حياتها وحياة الأخرين،لتتبرعم وتزهر أغصان الحياة وتتوقد الأشواق لتهزم عتمات الدياجير..

وإذا تأملنا قصائد الشاعرة سلوى السوسي،نجد أن محاور التعبير التي اعتمدت عليها في بناء قصائدها الشعرية على وجه العموم وفي مستوياتها المختلفة: الايقاعي والأسلوبي والتشخيصي واختيار اللغة والمضمون كانت من منظور انساني وجداني خالص.وهنا لا بد لنا من الاشارة إلى أن النقد الحديث يدعو إلى ضرورة أن تكون اللغة الشعرية لغة خلق وابداع،تشير إلى دلالات غير مألوفة،ولغة تفوق لغة الناس،وألا أصبحت لغة الشعر مجرد ألفاظ نحوية أو صوتية ايقاعية.

والحقيقة التي يجب أن تؤكد هنا،أنّ القصيدة الشعرية صناعة خاصة،لها أصولها وقواعدها.فحين يطالب القارئ الشاعر بالتبسيط،يطالب الشاعر القارئ بأن يرتفع في مستوى فهمه، يتعمق ويبحث إلى أن يدرك ما يقال.فالنظرة الجديدة للشعر تجاوز لغة الكتابة بحسب الكلام إلى لغة الكلام بحسب الكتابة، ونقصد في ذلك ألاّ يكون اللغة المكتوبة هي اللغة المحكية المعروفة للناس،وإنما نقول لغة نكتبها،وقد يكون ذلك بإفراغ الكلمات من معناها المألوف،وبدل أن يكون الشاعر جزءًا من اللغة، تصبح اللغة جزءًا من الشاعر..تابعوا معي هذه الإشراقات الشعرية للشاعرة سلوى السوسي :

يعضّني الوجع ويصرخ...

لا تبتلعني  الحبوب المستوردة...

تلك الأجساد التي لم تقتلعني بالمشرط ،

أقتلها و أمضي..

  وأصلب شعبا كاملا على أعمدة

 التاريخ...

لا أورث الأرض من خبّأ دماءه في حصّالة 

الوضاعة...

تسألني متى يغرق الموج...

حين يصنع البحّار الضّوء في عينيه 

وقد لفّه الضّباب...

تسألني متى يستحي الدّهر...

حين يكوّم الطّين فوقك...

فينجو ظلّك..

في هذه القصيدة يتجلى التكامل الجمالي ونقصد: تفاعل الأبيات الشعرية فيما بينها لتحمل دلالات كثيرة تثير اللذة الجمالية في التلقي الجمالي الآسر،وهذا يعني أن فاعلية الرؤية الشعرية تتحقق من خلال مظاهر الاستثارة الجمالية التي تثيرها الأنساق الشعرية لتحقق قيمتها ورؤاها النصية.

والتكامل الجمالي-في أبيات هذه القصيدة- يدلل على بلاغة النسج الشعري،إذ إن كل بيت شعري يقتضي الآخر بجميع ما يبثه من رؤى ودلالات..

تجليات الخيال الشعري:     

لقد وصف النقاد الخيال الشعري بأنه قوة سحرية وتركيبية تعمل مع الإرادة الواعية،فهو مصحوب دائما بالوعي،وفي داخله يتم التوحد بين الفنان وبين المعطيات الخارجية،وعن طريق تجمع هذه المستوعبات والمشاعر يعمل الخيال على خلق بناء خيالي متكامل،ومن هذا المنطلق نجد شاعرتنا تثور أحيانا على الصور البلاغية التقليدية والعبارات العاطفية،وتحاول استبدالها بالصور الشعرية المهموسة..أستمع إليها تقول :

على الرّصيف 

رجل غاب عن البوح...

وأنثى تورّم قلبها...

على الرّصيف 

عشق ممنوع....

متى تهطل الشّرائع السّماوية...

تكفكف السّماء دمعها...

تنفض الشّمس عن وجهها 

الغمام...

يشقّ قرنها جنح الظّلام...

ترى المشهد...

تسعد...

عناق طويل...

ينقطع الصّوت...

يخيّم الصّمت...

يسقط المحظور على ركح

 المباح...

على الأجساد تعزف

 الأرواح...

لاشك في أن لكل قصيدة مؤثرة تجلياتها الإبداعية المبهرة التي ترتكز عليها في استثارة الجماليات النصية،وتعد الفاتحة الاستهلالية النشطة جمالياً من مؤثرات اللذة الجمالية في خلق الاستثارة النصية الخلاقة بموحياتها ورؤاها النصية،في القصيدة، كما في هذه-الأبيات-الموحية بتجلياتها الشعرية الخلابة :

كفّي أخضر ينثر الحبّ في القفر...

يفيض المعين سيولا في البيداء

 تجري...

ومارد سكن الجفون ينتظر...

اذا أسدلتها جاء ملبّيا أمري...

الأرض رحيمة والزمان ودود 

صادق العهد...اذا نذر حلوه ،

 وفى بالنّذر...

وهكذا استطاعت الشاعرة سلوى السوسي أن تحقق رؤيتها الجمالية بإحساس شاعري ورؤى جمالية عظيمة في إيقاعاتها وبناها ورؤاها الدالة.

دمت-يا سلوى-بسموق حرفك،وجمال شاعريتك يا شاعرتنا المتهوجة ابداعا خلاقا،ولا يسعنا إلا أن نتمنى لك ديمومة الإبداع ونأمل منك المزيد،ونهمس في أذنك-بلطف شديد- بألا تكرري ذاتك،وان تكوني دائما ودائما متجددة.


محمد المحسن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق