قراءة نقدية: " القصيدة ومتعة البوح بالحب"
القصيدة "أيتها المزن"
الشاعر: طاهر مشي(تونس)
الناقدة جليلة المازني(تونس)
القراءة النقدية: " القصيدة ومتعة البوح بالحب"
1- العنوان "أيتها المزن"
أسند الشاعر طاهر مشي عنوانا لقصيدته "أيتها المزن" مستخدما النداء والكناية فكنّى عن المخاطبة وهي الحبيبة بالمزن .
والمزن كما ورد في معجم المعاني الجامع هو "سحاب يمطر أو يمكن أن يؤدي الى سقوط مطر"
وقد ورد في الاية 69 من سورة الواقعة قوله تعالى" أفرَأيْتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المُزْن أم نحن المنزلون"
ويقول أحد الشعراء:
ونحن كماء المزن ما في نصابنا // كهام ولا فينا يُعدّ بخيل
وبالتالي لماذا كنى الشاعر عن حبيبته بالمزن؟
- هل ان حبيبته هي الماء الذي يروي ظمأه كما ورد بالآية الكريمة؟
- هل ان حبيبته هي حياته كالماء الذي جعل الله به كل شيء حيّ ؟
2- التحليل للقصيدة:
يتوجه الشاعر لحبيبته مستخدما أسلوبا انزياحيا تركيبيا قائما على الأمر الدال على الالتماس.
انه يلتمس منها أن تغزوَ حقوله والحقول عادة في حاجة الى الماء الذي يرويها ويحييها .و"حقولي " هي استعارة لكل كيانه .انه بكل كيانه في حاجة الى هذا الغزو من طرفها. والغزو هو احتلال وفرض سيطرة فيقول:
أيتها المزن
اغزي حقولي
وبالتالي فهو يُبيح لها احتلال كيانه والسيطرة عليه دون مقاومة لها باعتبارها هي الماء الذي ينعشه ويحييه.
وهل أكثر من أنه يلتمس منها أن تجعل منه إنسانا فيقول:
واجعلي من الثرى طينا.
والطين كما هو معلوم مكوّن من عنصرين هما الماء والتراب..
والثرى هو التراب النديّ المبتل.
انه يدعوها باعتبارها مُزنا أن تختلط بالثرى لتجعل منه طينا والطين كناية عن آدم أبي البشر. ان آدميةالشاعر بيد الحبيبة.
ولعله كنى عن نفسه بالثرى الذي هو مكوّن مع الماء لينتج عن اختلاطهما الطين:
ثرى (الشاعر)+ مزن (الحبيبة)= الطين (الانسان).
ان الشاعر بهكذا صورة شعرية يدعوها الى التماهي مع بعض.
إنه الحب بالتماهي.
والشاعر هنا يتناص مع القرآن وهو يستحضر النص القرآني الذي يذكران الله خلق آدم من طين كما ورد في الآية من سورة ص" اذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين"
انه يلتمس منها باعتبارها ماء ان تسقي ما تشقق من ملامحه التي تأثرت سلبا بغيابها وان تضمّد جروحه التي اصابته بسبب غيابها .فيقول:
واسقي ما تشقق من ملامحي
وضمدي جراحي.
وكل ما التمسه منها هو من أجل ان يستمرّ حلمه.فيقول: "ودعي الحلم يستمرّ"
فاي حلم يريد تحقيقه؟ يقول:
فالوحدة أوجست نبضي
والدفء تشتاق له أوردتي
انه بات يخشى الوحدة القاتلة وباتت أوردته تشتاق الدفء .
انها الحرارة التي تمنحه الحياة فهو يخشى برودة الموت في نبضه وأوردته .
انه يحلم بالأنس والدفء معها وبالتالي لا حياة بدونها ..انها نبضه وحياته.
وفي نبرة مشحونة بالرجاء وهو بين نهي وأمر يتوسلها ان تكون ملاذه ليعزف سيمفونية الانتصارفيقول:
فلا تتركي الشتاء يمرّ
ودعي السيول ترجني
كلما تاق قلبي لملامحك الحبلى
سأعزف على نافذتي
سيمفونية الانتصار
فكوني لي ملاذا
انه ينهاها باعتبارها مزْنا أن تترك الشتاء يمرّ حتى يستمتع بسيولها كلما تاق قلبه
لملامحها الملهمة له ليعزف سيمفونية الانتصار فتكون ملاذه .
و ملاذ الانسان هو الملجأ والحصن حسب القاموس عربي عربي.
هل ان الشاعر يلجأ اليها ويتحصن بها ولا انتصار له الا وهو يلوذ بها؟
انه يدعوها ان تكون ملاذه لتحتكر وحدها بوحه بحبه لها ولتكون قبسا يضيء
ظلامه وهو يعاني بين شوق وانتظار فيقول:
فكوني ملاذا
ينقذ بوحي من شتات الحكايات
وقبسا من نور
يضيء عتمة الشوق المصلوب
على عتبة الانتظار
وخلاصة القول فان الشاعر طاهر مشي وباستخدام أسلوب انزياحي دلالي قائم على الاستعارة والكناية تارة وتركيبي قائم على النهي والامر تارة اخرى قد استطاع ان يبوح بحب يتماهى فيه مع الحبيبة لتكون ملاذه والضياء الذي ينقذه من معاناة الشوق والانتظار.
سلم قلم المبدع المتميز الذي جعله لا يشبه الانفسه.
بتاريخ 03/ 02/ 2025.
القصيدة
ااااااااااااا ااااااااااااا
أيتها المزن
ااااااااااااا
أيتها المزن
اُغزي حقولي
واجعلي من الثرى طينا
واسقي ما تشقق من ملامحي
وضمدي جراحي
ودعي الحلم يستمر
فالوحدة أوجست نبضي
والدفء تشتاق له أوردتي
فلا تتركي الشتاء يمر
ودعي السيول ترجني
كلما تاق قلبي لملامحك الحبلى
سأعزف على نافذتي
سيمفونية الإنتصار
فكوني لي ملاذا
ينقذ بوحي من شتات الحكايات
وقبسا من نور
يضيء عتمة الشوق المصلوب
على عتبة الإنتظار
ااااااااااااا
طاهر مشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق