داحس و الغبراء
صراع الأحباب لأتفه الأسباب، أشرس حروب الجاهلية و أطولها.
من حروب الجاهلية ، اندلعت بين قبيلتين عربيتين ،قبيلة بنو عبس بن بغيض، وقبيلة بنو ذبيان بن بغيض و حلفاؤها بني هوزان بن منصور و بني طيئ .و من سادة بني عبس ، قيس بن زهير و الربيع بن زياد العبسي، و عنثرة بن شداد ، و من سادة بني ذبيان ، حذيفة بن بدر و سنان بن أبي حارثة المري، هي من أطول الحروب خاضها العرب قبل الإسلام، إلى جانب حرب البسوس و حرب الفجار و حرب بعاث، تركت أثرا كبيرا في تاريخ العرب ، و أصبحت مضربا للمثل في طول النزاعات و ضررها، ولقد دامت لأكثر من أربعين سنة ، هذه الحرب تعكس طبيعة الحياة القبلية في الجاهلية، حيث كانت الصراعات تندلع لأسباب بسيطة و تافهة في معظم الأحيان، لكنها تستمر لفترات طويلة بسبب الثأر و الكرامة و الشرف.
ترجع تسميتها إلى فرسين من أجود الخيول في الجاهلية، لا يشق لهما غبار، و هما داحس من خيول قيس بن زهير العبسي الغضفاني ، و قيل الغبراء كانت لحذيفة بن بدر الذبياني الغضفاني ، راهن أصحاب الفرسين عليهما لحماية قوافل ملك المناذرة، النعمان بن المنذر ، حين سلبت قافلة حجاج المناذرة و كانت تحت حماية الذبيانيين، غضب النعمان بن المنذر، و أوعز بحماية القوافل إلى بني عبس مقابل عطايا و شروط وضعها ملكهم قيس بن زهير، و وافق عليها النعمان بن المنذر ، وهو ما أوعز صدور بني ذبيان.
خرج حذيفة مع مستشاره حمل بن بدر و بعض أتباعه لمقابلة بن زهير، و تصادف أن كان يوم سباق الفرس، فاتفق قيس و حذيفة على أن تكون حراسة قوافل النعمان لمن يسبق من الفرسين، كانت المسافة طويلة تستغرق أياما عديدة، خطط سادة ذبيان للتأثير على نتيجة السباق رغبة منهم في الحفاظ على مكانتهم، و حماية قافلة النعمان بن المنذر ، فأعدوا كمينا في طريق فرس خصمهم العبسي داحس لينحرف عن طريقه، و تتقدم الغبراء.
في بداية السباق تقدمت داحس ولم يشك أحد في فوزها، إلى ان وصلت الكمين و انحرف مسارها و تقدمت الغبراء، طالب أصحابها بحق الحماية و لكن اكتشف الأمر سريعا، و اتهمت قبيلة عبس قبيلة ذبيان بالغش، طعن عبسي شقيق زعيم ذبيان، و رد ذبيان على ذلك بأن طعن شقيق زعيم عبس، فاشتعلت الحرب نتيجة ذلك، بل توسع نطاقها ليشمل الكثير من قبائل الجزيرة العربية وقتها
و من أشهرها أسد و غطفان و فزازة، وبعد أن ضاقت الأرض بقبيلة عبس و هي تنتقل من مكان إلى مكان آخر ، و تعبت كثيرا من الحرب عادت إلى أرضها ، وقد قتل خلال هذه الحرب داحس والغبراء، نخبة من الأبطال منهم عنثرة بن شداد و عروة بن الورد، و بعد كل الخسائر تدخل بعض الحكماء الذين حاولوا إصلاح ذات البين، من شرفاء ذبيان و دفعوا ديات القتلى ، فانتهت بذلك حرب طويلة و شرسة، قضت على الأخضر و اليابس.
مدح الشعراء الجاهليون في قصائد خالدة ذلك الصلح الجليل، أهمها المعلقة الشهيرة لزهير بن أبي سلمى
أبو سلمى
مصطفى حدادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق