الأحد، 17 مارس 2024

(رمضانيات) بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 (رمضانيات)

شهر رمضان..شهر الهدى والفرقان..وموسم الهداية الإلهية
كتب الله على المؤمنين صيام شهر رمضان،حيث جاء النداء بصفة الأيمان تخصيصاً،والصيام فى اللغة الأمساك،كما جاء على لسان السيدة مريم العذراء {أنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً} أى أمساكاً عن الكلام.و قد كرم الله هذا الشهر و فضله على سائر الشهور بأن أنزل فيه القرءان هدىً للناس و بينات من الهدى و الفرقان، دستوراً باقياً أبد الدهر لبنى البشر من لدن حكيم عليم،تعهد المولى عز و جل بحفظه و لم يكل ذلك لأحد من البشر كما كان الشأن مع سائر الكتب السماوية السابقة {أنا نحن نزلنا الذكر و أنا له لحافطون} الحجر
و تم أنزال القرءان فى هذا الشهر جملةً واحدةً وفى ليلة واحدة منه هى ليلة القدرمن اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا،ثم إنزاله منجماً -مفرقاً-على حسب الحوادث والوقائع من السماء الدنيا إلى الرسول (ص) بواسطة الملك جبريل عليه السلام،فى بضع وعشرين سنة مبتدئةً في شهر رمضان.
و جاء أنزال القرءان الكريم فى هذا الشهر تتويجاً و ختماً لكلمات السماء، حيث أنزلت سائر الكتب السماوية فى هذا الشهر الذى عظمه الله وكرمه من بين سائر الشهور.
الاحتفال بشهر الهداية الإلهية :
ومن هذا الباب كان تكليفنا نحن-المسلمين-بالصيام في شهر رمضان احتفالًا بعيد الهداية الربانية،واحتفاء بموسم نزول الكتب الإلهية، فجعل الله هذه الحفاوة تمتد شهرًا كاملًا،ثم جعل أساليبها ووسائلها على النمط الرباني في الهدي والكمال.
-صيام النهار تربية وتزكية، وما يتبع ذلك من ترك اللذات والشهوات،وتجنب الصخب والسباب،فضلًا عن المعاصي والسيئات.
-وبقيام الليل صلاة وخشوعًا،وقراءة للقرآن كتاب الله الجامع،وتعميرأً للأوقات بالطاعات والحسنات.
-وبشيوع الخير في كل أوقاته،إنفاقًا للمال،وإطعامًا للطعام،وإفشاءً للسلام،ومعونةً للمحتاج، وصلة الأرحام،ودعاء للرحمن.
-ثم بالاعتكاف في المساجد، وإحياء ليلة القدر، والعشر الأواخر من رمضان،وإخراج صدقة الفطر طهرة للصائم،وإغناءً للمحتاج في هذه المناسبة.
- ثم في نهاية المطاف بهذا التجمع الشامل لصلاة العيد،مع الابتهاج والتكبير، والذكر والشكر لله وحده على ما هدانا إليه من الخير، وحبانا به من الفضل، وما أنزله علينا وعلى الناس طوال التاريخ من الهدى والفرقان في شهر رمضان.
و رمضان شهر العبادة والصفاء و الرقى الروحى للمسلم،و هو شهر أعمال البر والخير وصلة الأرحام وغيرها فيه آكد. هو شهر يتشبه فيه المسلم ويرتقى منزلةً إلى الملائكة الكرام حيث يمتنع امتثالاً واختياراً ورغبةً فى التقرب إلى الله تعالى عن جميع الشهوات، بينما فُُُُطِرَ الملائكة الكرام على ذلك. و هو شهرٌ تجتمع فيه العبادات فالصائم مصلٍ ومزكٍ،ويتجه فى صلاته إلى البيت الحرام حاجاً إليه،عارجاً بروحه إلى السماوات العلى حيث فرضت الصلاة.
ورمضان عظَّم الله فيه أجر الاعمال الصالحة، وهو شهر لايعلم أحد ثواب العمل فيه إلا الله تعالى (كل عمل ابن ادم له ألا الصوم فأنه لى و أنا أجزى به)،والصوم عبادةٌ خالصةٌ لا يشوبها رياءٌ يخرجها عن مقصودها و مرماها.
وفيه ليلةٌ خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم،أخفاها الله ليجتهد العباد فى طلبها والظفر بثوابها الجزيل (إلتمسوها فى العشر الاواخر)-(فى الوتر من العشر الأواخر).
وكان (ص) يوقظ أهله و يشد مأزره محيياً هذه الليالي بالصلاة و الذكر و الدعاء تعرضاً لفضل هذه الليلة المباركة.
هذا الشهر الذى أوله رحمة،وأوسطه مغفرة، وآخره عتقٌ من النار،لله فيه عتقاء من النار كل ليلة من لياليه،فاعتق اللهم رقابنا ورقاب ابائنا ورقاب أمهاتنا ورقاب أزواجنا ورقاب أبنائنا ورقاب أحبابنا من النار.
ورمضان شهر الإنتصارات الكبرى، فى حياة الأمة التى ما عرفت الركود والقعود، حيث كانت غزوة بدر الكبرى و كان فتح مكة.
ويأتى توقيع ختام هذا الشهر،صدقةً هى طهرةٌ للصائم،وطعمةٌ للمساكين-طهرةٌ لما يكون قد لحق بصومه من اللغو واللهو وما لا يليق،وطعمةٌ للمساكين ومشاركةً لهم فى يوم العيد - صورةً عظمى من التكافل والتراحم و التواد،فى هذا اليوم الذى تستلم فيه الجائزة بعد تأدية العبادة و ينال فيه الريان.
ونختم بقول المصطفى عليه أفضل الصلاة و السلام : (للصائم فرحتان يفرحهما،فرحةٌ عند فطره،وفرحةٌ عند لقاء ربه)
اللهم اهدنا وأمتنا إلى طريق الحق،وطهرنا جميعًا من الفساد والمفسدين في الأرض،واجعلنا هداة مهتدين في هذا الشهر الجليل،وفي كل حين،وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق