زهرات رمضانية..من حدائق الإيمان
تقوى الله طريق يفضي إلى الأمان في الدنيا..والراحة في الآخرة
إن الغاية من صيام شهر رمضان هي التقوى،التي هي سبب لقبول الأعمال،قال تعالى: “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ”.وقد خصص الله تعالى جوائز لصيام رمضان،لكنها ليست لكل الصائمين،وإنما فقط للمتقين،وهي:
ـ يغفر الله لك كل ما مضى وفات “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”، “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
ـ يعتق الله عبادة من النار، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “ولله عتقاء من النار في رمضان وذلك كل ليلة”.
وبخضوص التقوى فهي أن تجعل اختياراتك في الحياة مرتبطة بإرضاء الله، فيرضيك الله، ولو عشت بهذا المعنى خلال شهر رمضان، ستدرك ثواب رمضان كله،وإذا اخطأت عليك بالاستغفار والتوبة لتعود للتقوى “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ”،إذن التقوى ممكنة.
وهنا نشير إلى أن الله وعد العباد المتقين المحسنين بأن لا تخافوا ولا تحزنوا،وقد تكررت حوالي 7 أو 8 مرات في القرآن،كلها بشريات،ومرتبطة بالتقوى والإحسان “فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”،أصلح يعني أحسن، “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ”،والاستقامة هنا تقوى وإحسان.
ومن معاني “ألا تخافوا ولا تحزنوا”،ألا تخاف على المستقبل ولا تحزن على الماضي ما دمت تتقي الله،سيجعلك تعيش اللحظة بأحسن ما عندك،لأن الخوف على المستقبل أو الحزن على الماضي يمنعك من عيشها.
ومن هنا،فإن مفتاح التقوى الحب وليس الخوف،وهي انضباط روحي اختياري نابع من رؤية الله ومحبته وليس الخوف منه أو التهديد بعقوبته،فعندما تحب أن يراك الله في أحسن صوره تستجيب طواعية لفكرة التقوى.
وهنا أشدّد على أن مدخل التقوى ليس التشدد والخوف والتهديد،إنما هو حب الله،فالتقوى هي الحب والحياء أكثر من أي خوف “وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ”،والأمل في رضاه والحياء منه هو ما يجعلك تتقيه،أراد الله أن يربط التقوى بالحب وليس بالخوف، لذلك الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة.
على سبيل الخاتمة : تقوى الله مفتاح سداد،وذخيرة معاد،ونجاة من كل هلكة،فما من خطوة يخطوها المؤمن إلا والتقوى شرط في قبولها عند الله،لا بد وأن تلازم كل أعمال المؤمن،وذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه على المؤمنين في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، «سورة البقرة: الآية 183».
وفي كثير من الأحيان يأتي الأمر بالعبادة رجاء لتحقيق التقوى،والتقوى سبب لتحصيل السعادة في الدنيا والآخرة،والعبادة فعل يحصل به التقوى،لأن الاتقاء هو الاحتراز عن المضار،ولما كانت العبادة عن إيمان بالواحد الأحد،لأن الإيمان إذا تجرد من التقوى لم يعد شيئاً ذا قيمة،ولا يكون له أي أثر في حياة الإنسان،واقترنت التقوى بالإيمان والفرائض التي هي مظهر من مظاهر الإيمان.
يقول العلماء،وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم، إنها التقوى،فهي هي التي تستيقظ في القلوب،وتؤدي هذه الفريضة،طاعة لله،تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية،ولو التي تهجس في البال،والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله،وهذا الصوم أداة من أدواتها،وطريق موصل إليها.
ومن تمام التقوى أن يدع الإنسان بعض الحلال مخافة الوقوع في الحرام،فالمؤمن التقي ورع لا يحوم حول الحمى،ولا يدنو من الشبهات،ويترك ما يريبه إلى ما لا يريبه،والصيام عبادة كتبها الله على المؤمنين،لغاية مقدسة كسائر الفروض والتشريعات،وهي تربية التقوى في نفس المؤمن.
وأختم بذكر ثاني قواعد الفهم عن الله،وهي: “اضمن الجنة في الآخرة واضمن أمانك في الدنيا بكلمة واحدة: تقوى الله”.
الحمد لله الذي أكرمنا برمضان،وجعله موسمًا للرحمة والعفو والغفران،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ الرحمن،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله أهل التقوى والإيمان
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق