قراءة بقلم معلمي القدير ( عزيز قويدر )
تقبل تقديري الذي لا نهاية له
** نغم_الوجع ..
الكون الشعري عند الشاعرة ( روضة_بوسليمي ) كون وجدانيّ صِرف ، يصدر عن ملَكة سويّة ملكت زمام الكلِم وذائقة مرهفة غاصت عميقا في عوالم الإحساس .. الجملة ، عندها ، أنيقة مركزة في غير اختزال .. تامّة في غير إسهاب .. المعاجم ، وإن تنوّعت ، متضافرة بدقّة كأن لا اختلاف بينها ولا تنافر .. الصّوَر مزيج من تنويع المجاز والاستناد إلى الموروث إنسانيِّه وإسلاميِّهِ .. البناء أقرب إلى الخاطرة حينا والمناجاة أحيانا .. تستحضر مخاطَبا لا يمكنك تحديد هويّته إلا شعريّا حتى صار في نصوصها سنّة شعريّة لا يختلف في شيء عن حضور المرأة في النسيب قديما ، إذ تفرض بنية القصائد ان يتصدّرها او يتخللها مقطع في النسيب خاصة في المدح والفخر .. حتى قال أحد الشعراء مشيرا إلى هذه الظاهرة :
إذا كان مدحا فالنّسيب المقدم
أكلُّ من قال شعرا متيّم ؟
ولا بد هنا ان نلاحظ اختلافا واضحا بين المثالين ، فصورة المرأة في النسيب نمطية ثابتة لم تُكسر إلا مع ابن أبي ربيعة وأمثاله أما صورة المخاطب عند البوسليمي فمتغيّرة وإن كانت بين حالين حال الوجع وحال الأمل في الانعتاق وعيش لحظة ممتعة ، معزولة عن درَن واقع مأزوم .
ولنا في هذا النص ( إن البوح مواقيت ) ما يبرّر هذه الملاحظات السّريعة .. ملاحظات تجد صداها في كل نصوص الشاعرة .. وهي نصوص تبدو للمتعجّل ثابتة متماثلة وهي عند المتأنّي متحرّكة نامية غير مكرّرة ، مطبوعة غير مصنوعة .. لا افتعال فيها .. كثيرة الماء حلوة الطِّلاء موجعة في أغلبها .. والوجع يتأتّى من عمق الصلة بالذات والحنكة في ترجمة ما يمور في النفس من ألم وأمل وقنوط ورجاء . هذه الأحاسيس نلمسها في النص فكلما كان الوجع مُمِضّا كان النص أكثر صدقا وأبعد غوْرا .. وكلما تحرّرت الطفلة الكامنة في نفس الشاعرة ورد النص سلسا هادئا كضحكة خجولة .. والشاعرة بين هذا وذاك قادرة على الفصل بين ذاتَيْها : الذات الشاعرة التي لا تفقد قدرتها على الاشتغال في اللغة باللغة لتصوير رؤياها ، والذات الوجدانية التي لا تخرج من طربها ، حزنا مقيما وفرحا مشتهى ...
تحياتي للشاعرة ولكل من وقف عند نصّها بوعي مقيم ...
- عزيز قويدر -
النّص :
-إنّ البوح مواقيت
ماذا لو
رحلنا إلى زقاق الشّجن؟!
هب انّك تهت!!
وانّك ناديتني :
- أغيثيني ساحرتي ...
هب أنّك رأيتني ألوّح إليك
بمصابيح اللّهفة
ومناديل الدّهشة
وانا أنشد في سرّي:
- إنّ البوح مواقيت .
ولأنّي آمنت
بجدوى التّغني بالياسمين
يفيض كفّي بالشّذا والطّيب
كلّما ذكرت اسمك
فيندلق الشّهد على شفاهي
وأفاخر بك نفسي
الأمّارة بالحزن ...
وأذكر محاسن قلبك الوقور
عسى أن يملأ
قصيدً كتب بدمي
فجاج صدري
إنّي لأرى الوجد
يهذب القلب في عتمة الليل
فلا يحتار
ويجعل أحلامه
سربا من الحمام
وتنجو القوافي المنهكة
من وعث الشّكوى
وعبثي ...
إنّي لأحسب الوجد
من علامات النّبوة
فأكلّم الشّمس بلا حجاب
وألقي على روحك السّلام
كلّما لاح لي في أقاصيك الجمال
فأنا تلك السيّدة الحزينة
ودون أن اقترف الكثير من الخطايا
استوطنت الاقاصي الاخرى
وقبل أن يقوم المسيح
ضربت الأعاصير أرجاءك
فغرقت أرضي هنا
وقد صدّعها العطش من قبل
فلا تبحّي يا مزاميري
ولا تكوني كناي عازف
شارد يلاحق قطيع الاماني
ففي البدء كان الرجاء
وعند الفناء سيكون ..
•••••••••••••بقلمي : روضة بوسليمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق